صدر مؤخرا للشاعر والباحث اللبناني سليم بدوي كتابا جديدا تحت عنوان “هي والنَّبي”، وذلك عن دار الهالة للنشر والتوزيع، وفي مراجعته للكتاب كتب محمد أبو لوز يقول:” في كل مرة يقع بين يديه كتاباً لجبران خليل جبران، يحسُّ ذلك الوجيب، كأنما قلبه كان شاهداً على تفاصيل العلاقة بين ماري هاسكل وجبران، وكانت ذكراهما تستبد في داخله وتخضّه، كأنها ذكرى تخصّه هو، لا لشخصين عاشا في زمن غير زمنه، ليظّل الشاعر والباحث اللبناني سليم بدوي مدفوعاً بالرغبة في الكشف عن واحدةٍ من أعظم العلاقات الإنسانية لامرأة كان “حبّها زيتاً لسراج جبران”
الكتاب يعيدنا إلى تفاصيل جديدة في علاقة هاسكل وجبران عاد إليها بدوي بعد ما يقرب من قرن كامل وفي السطور التالية نكتشف ونقترب أكثر من تلك التفاصيل عبر قلم أبو لوز الذي عرض وقدم قراءة رهيفة لكتاب بدوي فلنترك القارئ يكمل رحلته مع ذلك العرض البديع
عرض وتقديم محمد أبو لوز
ظلَّت تلك الفكرة تدور في فلك بدوي، لتعرف، أخيراً، الطريق في كتاب يستند إلى وثائق تتناول حياة هاسكل وجبران، ويشير العنوان إلى نفسه دون مقدمات، فالمقصود بـ”هي” أي (ماري هاسكل)، و”النَّبي” أي (جبران خليل جبران)، وبهذا، فقد وضع المؤلف السيدة الأمريكية هاسكل في دائرة الضوء بعد أن ظلّت أكثر من 90 عاماً في الظلّ.
يلج بدوي عوالم هاسكل وجبران، دون مقدمات، ويضع القارئ في مشهد سينمائي، إذ تبدأ أولى المشاهد بعد سنوات من رحيل جبران خليل جبران، حينما “شرعت ماري بالاستماع إلى الترانزيستور، فتلقفت كلام المعلّق ناقلاً بدقّة مجريات حفل تنصيب الرئيس الأمريكي جون كيندي، ولكن، ما كانت تتشوّق إلى سماعه، كان قسَم الرئيس المنتخب وخطابه”، صفحة 13.
ويضيف المشهد: “ظلّت ماري تتحوّل من حنين خيالها إلى جفاء حاضرها حتى شدّ انتباهها تبدّل نبرة صوت الرئيس، وإذ بجون كينيدي يقول: “ولذلك، أيها المواطنون الأميركيون الأعزاء، لا تسألوا ماذا يمكن أن يفعله بلدكم من أجلكم، بل اسألوا ما الذي يمكنكم أن تفعلوه أنتم لبلدكم”، وما إن انتهت هذه العبارة وعلا التصفيق على أدراج ومحيط الكابيتول بواشنطن، حتى انتفضت ماري على كرسيها في سافانا مكررة بصوتها الخافت العبارة، وبدأت تسأل نفسها “أين سمعت هذه العبارة من قبل؟. وظلّت تسائل ذاكرتها وتغربل ما علق بها إلى أن صرخت قائلة: “إنها لخليل، خليلي أنا”. صفحة 14،
كان للكلمات التي ألقاها كينيدي وقع كبير بماري هاسكل، إذ تعيدها إلى تلك الذكرى الخامدة في دواخلها، ومن هذه البداية التي أرادها الكاتب أن تقص حكاية سنوات من الأحداث؛ تستعيد السيدة الأمريكية شريط ذكرياتها مع جبران خليل جبران.
مشاهد سينمائية
يبني سليم بدوي فكرة العمل الأدبي على مشاهد سينمائية تُلقي الضوء على أبرز محطات هاسكل وجبران، ويعمد المؤلف على تقسيم الكتاب إلى 12 قسماً، هي في أساسها مشاهد ممتعة، بدءاً من “المفاجأة” وهي سماع ماري هاسكل خطاب كيندي الذي يقتبس فيه مقولة لجبران، ومروراً بـ”اللقاء”، و”بين الأرض والسماء”..، وصولاً إلى “الوصية” حيث وصية جبران وهاسكل.
وفي لقاء مع “همزة وصل”، يوصف الشاعر والباحث اللبناني سليم بدوي علاقة هاسكل بجبران، أن الفضل في شهرة جبران العالمية، وبخاصة حينما انتقل في الكتابة من اللغة العربية إلى الإنجليزية؛ يعود إلى السيدة الأمريكية ماري هاسكل، التي ارتبط في علاقة معها على مدى 27 عاماً.
بداية الحكاية
ويكمل بدوي مُلقياً الضوء على اللقاءات الأولى بين هاسكل وجبران: “بدأت الحكاية حينما التقى جبران بهاسكل في العام 1904، ولم يَمضِ كثيراً من الوقت لترى في ذلك الشاب، الذي يصغرها بعشر سنوات، نبوغاً إبداعياً متفرداً في الكتابة والرسم، فآمنت بهذه الموهبة الاستثنائية، وحملت على عاتقها تقديم الرعاية والدعم، فوقفت إلى جانبه كأم، وحبيبة، وشقيقة كبرى، وأبعد من ذلك، فقد كانت تموّل حياته اليومية مادياً لكي يتفرغ للرسم والكتابة، وكانت تدرك من خلال جبران سيتم تخليد اسمها “.
ويضيف في السياق نفسه: “هي من قررت إرساله إلى باريس في العام 1980 لكي يتقن فن الرسم، لأنه حتى تلك السنة لم يكن جبران يرسم إلّا بقلم الرصاص والفحم، فأرسلته إلى العاصمة الفرنسية ليتعلم فن الرسم بالزيت على نفقتها على مدى سنتين ونصف، ثم بعد سنوات اقترحت عليه أن يبدأ الكتابة باللغة الانجليزية، فساعدته على اتقان اللغة، وكانت هي تدقق على كل ما يكتبه جبران بالانجليزية، إلى أن اشتهر جبران وأصبح تلك الظاهرة الجبرانية العالمية. إذاً هذا الكتاب يتمحور حول هذه العلاقة على اعتبار أن كل الدراسات كتبت ونشرت كانت تمر مرور الكرام على علاقته بماري هاسكل”.
ويشير بدوي إلى أن هاسكل ساهمت بشكل محوري في تفجير نبوغ جبران الفني والكتابي، وايصاله إلى العالمية، ويؤكد “لو لم يلتق جبران بماري هاسكل لظلَّ مجرد كاتب محدود الشهرة”، ويلفت أن ماري جعلت جبران لا يفكر بهمومه المعيشية واليومية.
ويبرز المؤلف في شرحه عن جبران وهاسكل أنه “بعدما عاد من باريس؛ طلب الزواج منها، فرفضت نظرا لفارق العمر، وكان لديها شكوك في حب جبران لها، وبدا طلب الزواج كما لو كان رداً للجميل، وهي أيضاً لم تكن واثقة أنها المرأة التي يبغيها ويحلم بها جبران”.