يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو و معه اليمين المتطرف كثيرا عما يسمونه إعادة صياغة الشرق الأوسط، فعلى مدار الأشهر الماضية حمل نتنياهو خرائطه إلى أكثر من مكان بدءا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مرورا باجتماعاته الداخلية مع قادة جيش الاحتلال، وأعضاء حكومته الأمنية المصغرة، وصولا إلى الإعلام المقرب منه وعلى رأسه القناة 14 الإسرائيلية، وأخذ يشرح كيف يخطط ويحلم لإسرائيل، وبلغة ملؤها الغطرسة والتطاول كان يعمم أحيانا ويقول: سنعدل خريطة الشرق الأوسط.
لم يقل نتنياهو هذا الكلام على سبيل الصدفة أو التفاخر الفارغ بل هو بالفعل حدد أهدافا ويسعى إلى تحقيقها ويعول كثيرا على الإدراة الأمريكية القادمة برئاسة دونالد ترامب أن تبلغه هذا الأمل، ومن جانبه فتح ترامب شهية نتنياهو لهذا التوسع عندما قال أنه كلما نظر إلى خارطة العالم و وجد إسرائيل صغيرة يحزن !! وهذا ليس له معنى غير أنه ضوء أخضر لإسرائيل للمضى قدما فى مخططها للتوسّع جغرافيًا فى المنطقة العربية وفقًا لمزاعم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهو ما ينسب لمرجعيات يهودية وسياسية فى أكثر من مناسبة يكفى على سبيل المثال التوقف عند تصريحات الوزيرين المتطرفين فى حكومة الحرب الإسرائيلية إيتمار بن جفير وزير الأمن القومى وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية فى أكثر مناسبة.
أوضح دليل على ذلك موافقة نتنياهو واليمين المتطرف على وقف الحرب فى لبنان، واستمرارها فى غزة، واستمرار الانتهاكات من قبل المستوطنين فى الضفة الغربية والقدس، فالمسألة الإسرائيلية فى لبنان أمنية بحتة، بينما فى غزة الأمر أكثر تشابكًا وتعقيدًا، ويتصل بمستقبل إسرائيل وفلسطين على حد سواء، إسرائيل تعتبر بقاءها فى غزة مسألة وجودية وليست أمنية وبأنه لا ينبغى وضع استراتيجية للخروج من قطاع غزة وتخطط للبقاء والتوسع الجغرافى على حساب أرض فلسطين التاريخية، و تطالب بأثمان باهظة فى غزة، هدف نتنياهو الخبيث هو تأمين عمق جغرافى لإسرائيل، وهذا لن يحدث إلا بضم الضفة الغربية والقدس وغزة ؛ بذريعة تأمين حدود إسرائيل، فالفكرة الصهيونية التى تنتصر للدولة اليهودية الخالصة تسعى عمليًا إلى احتلال كل فلسطين التاريخية، لذلك يرى اليمين المتطرف أن الخروج من غزة فى 2005 كان خطأ و أنه لابد من إعادة السيطرة عليها فهذه الطريقة الوحيدة لإزالة التهديد المتمثّل فى قيام دولة فلسطينية .
سموتريتش الصهيونى المتطرف قالها علنا: «آن الأوان لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية فى عام 2025، فى ظل وجود ترامب فى البيت الأبيض، و وزيرة الاستيطان أوريت ستروك تعمل على قدم وساق لإعلان السيادة الإسرائيلية على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، ومن ثم فعلى العالم أن يفهم ويدرك أن محطتهم التالية هى الضفة والقدس، وقد سعت إسرائيل على مدار السنوات العشر الماضية لدعم و توثيق خطواتها هذه بمبررات قانونية و تشريعية، فالكنيست سنّ قانونًا فى يوليو الماضي؛ برفض الدولة الفلسطينية بأغلبية ساحقة، حيث صوّت 99 نائبًا لصالح القانون من أصل 120 عضوا،َ وأيضًا شرّع الكنيست فى عام 2018، قانون القومية اليهودية، لدعم الاستيطان، وحصر حق تقرير المصير باليهود على أرض فلسطين التاريخية، أى عدم الاعتراف بفلسطينيين كدولة وقومية وشعب يحق له الاستقلال.
كل ما حدث و يحدث الآن فى قطاع غزة من الدمار هدفه فى المقام الأول أن يشعر الفلسطينيون بأنه لا أمل، ويجدون أنفسهم مضطرون على هجرة أرضه مطلبا للحياة، وبذلك تنجح إسرائيل أو هكذا تتوهم أنها ستحول قطاع غزة إلى واحة من المستوطنات.. أخيرا: الحرب على غزة ستطول، وحتى لو كان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب يريد أن ينهيها، وهو قادر على ذلك، فسينهيها ولكن على الطريقة الإسرائيلية وسيكون الثمن باهظا على الفلسطينيين.