«سلام على النيل.. سلام على الأهرام.. سلام على مصر» تلك العبارات التى كان يرددها فى ايامه الأخيرة قبل وفاته خارج مصر.. الذى كانت قضيته الأولى استقلالها وسيادتها.. وهو الذى رفع شعاره المهم «مصر للمصريين».. لم يكتبه فى قلبه فقط، بل طبعه على الشارة البيضاء فوق سترته ليراها الجميع.. ورددها الشباب معه.. انه الزعيم الوطنى الذى حمل كثيرا من الالقاب.. «النبيل الثائر».. قديس الحركة الوطنية المصرية.. ايقونة الكفاح ضد القصر والاحتلال وخونة الوطن.. أجمع المؤرخون بكل توجاتهم وايديلوجياتهم أن حياته كانت نموذجا نادرا للوطنية والتضحية والفداء.. «الثائر» الذى ترك حياة الرفاهية والقصور ليعيش وسط آلام وآمال شعبه.. فقد ولد فى فمه معلقة من ذهب.. قصر فى شبرا على مسـاحة 5 أفدنة وابعاديات من الأراضى تجاوزت الـ1200 فدان بعضها لا يزال شاهدا فى إنشاص وبلبيس.. وعمارات بالضاهر اختار طريق الكفاح والوطنية ومشى على اشواكه الصعبة وألغامه.. لم يخش السجن الذى ذاق مرارته بسبب مواقفه عندما كان فى النيابة ينتظر المناصب الرفيعة لكنه استقال ليعمل بالمحاماة ويكون محاميا للامة احد كبار الساسة الامريكيين فى القرن الماضى «لعل من حسن الحظ مصر فى مرحلة نموها واحساسها بكيانها أن يقدم أحد أبنائها هذا المثل الرائع للتضحية للأجيال التالية التى تحتاجه بشدة لزيادة الإحساس بالوطنية لما به من المثل».. كثير.. وكثيرة الكلمات التى قيلت فى الزعيم محمد فريد رئيس الحزب الوطنى الذى تولى مهمته بعد وفاة رفيقه الشاب الزعيم مصطفى كامل والذى حمل لواء الحزب وصار ملهم الحركة الوطنية وزلزل مضاجع الخديو عباس حلمى الأول، وكانت كلماته بركانا متفجرا فى وجه الاحتلال الإنجليزى الذى ضرب به المثل مطالبا بطرده من مصر وأن يكون الحكم بدستور يضعه ابناؤها «اى مصر للمصريين».. الذى لم ينزعه من على سترته إلا عند ارتدائه الكفن بعد وفاته.. فى مستهل حياته اصطدم بالقصر والاحتلال فى القضية التى عرفت إعلاميا بـ «التلغرافات» والتى كان فيها المتهم الشيخ على يوسف.. وهو نفسه وكيل النيابة الذى يتولى الحكم وأعطى للشيخ البراءة.
وبدأت أولى الصدامات والتى نقل على اثرها إلى الصعيد دون رغبته فاستقال من النيابة واتجه إلى المحاماه كما ترك العمل مع والده أحمد باشا فى «ناظر السنيه» وحفيد الباشا الذى قدم إلى مصر فى المجموعة الأولى من البانيا مع محمد على باشا.. تنبه إليه الاستعمار والقصر فى آن وضيقوا الخناق عليه بعد أحداث «دنشواى» والظلم الكبير الذى أصاب المصريين من الظلم الذى وقع على ابنائها وكان مصطفى كامل قد حمل لواء توصيل صوت المظلومين إلى العالم عبر صحف أوروبا.. وذاق فريد مرارة السجن وخرج وهو أكثر صلابة.. وخرج إلى أوروبا حاملا على عاتقه رسالة استقلال مصر.. ولعل الجميع يتذكر موقفه بوقف خطة مد امتياز قناة السويس 40 عاما أخرى تنتهى فى 2009 من القرن الحالى.. وله دوره فى إنشاء أول نقابة فى مصر للعمال والحرف اليدوية.. واهتم بتعليم أبناء الشعب مجانا فى الابتدائى وافتتح المدارس الليلية.. هاجم البوليس السياسى عدة مرات وعبث بأثاث منزله.. ولم يكن القصر والمندوب البريطانى بعيدين عما يحدث.. ذهب إلى تركيا «الاستانه» ومع الاستقرار وفتح منزله للمصريين الدارسين على بحر «مرمرة» والذين يقضون الصيف.. ومع الاتفاق على تسليم النشطاء خرج إلى مواقع أخرى فى أوروبا.. وعندما منعوا مؤتمره فى باريس استأجر قطارا كاملا لنقل المشاركين من فرنسا إلى بلجيكا.
هذا الوطنى النبيل «غردت» له المؤتمرات باسم مصر فى جنيف واستكهولم وبروكسل ولاهاى وبرلين التى اختارها فى نهاية حياته كمقر اقامة ومشفى ووفاة.. لم يسع إلى الجاه والمناصب.. وكان يعتقد كمؤرخ ومحام أن بلاده ـ مصر ـ مكبلة باحتلال بغيض ولابد من مواجهته والدفاع عن الحق.. وفى طريق الكفاح لانه يعلم انه مستهدف من القصر والاستعمار وأعوان الداخل.. استخدام قلمه فى الكتابة باسم مستعار متواصلا مع رفيقه مصطفى كامل الذى كان قد أسس عددا من الصحف الانجليزية والفرنسية وجريدة «اللواء» لسان حال الحزب.. ومع وفاة الرفيق الذى اختاره خليفة له لانه وجد فى اخلاص محمد فريد استمرار رسالة الحزب والمواجهة لا المهادنة والموادعة مع القصر والاستعمار.. ومع بداية اختياره اختط خطا مهما وهو تقوية الجريدة واختار صديقه عبدالعزيز جاويش رئيسا الذى لم يسلم أيضا من اضطهاد القصر والاحتلال وسجن لكن لم تسجن أو تقل عزيمته فواصلا معا ومع الشعب رحلة كفاح ضد الاستعمار.. وفى دوره الاجتماعى يوضح موقفه من النقابات وإنشاء الهلال الأحمر ورعاية الفلاحين ونشر التعليم.. رحلة هذا الفارس النبيل الذى واجه اللورد كرومر بعد دنشواى ولم يبخل من ثروته للدفاع عن الحرية كانت تقوده الطهارة الوطنية أصابه مرض الكبد لكن لم تفتر عزيمته.. حتى عندما خرج من الوطن حاملا رسالته ليس هروبا.. لم يكن جلوسه عام 1912 على مياه بحر «مرمرة» ترفا سياسيا بل كان قريبا من الباب العالى فى الاستانة ليوضح ما يدور فى بلاده وكان الباب العالى فى ذاك الوقت الرجل المريض أمام استعمار جديد «بلع» كل ما يملكه الباب العالى كما جاء فى «سايكس بيكو» ووعد بلفور فيما بعد.. ولم يكن تواجده على شاطئ البوسفور بالقرب من البحر الأسود.
وسط قرب اندلاع الحرب العالمية الأولى أيضا نوع من الوجاهة السياسية التى خلع فريد رداءها وهو ابن «الباشا» وزوج بنت الباشا أيضا ابنة عمته عائشة هانم وهنا وصف عبدالرحمن الرافعى محمد فريد بأنه رمز الاخلاص والوطنية.. كلام كثير ومذكراته دليل عليه وتظل قصته كزعيم وطنى .. تشير كل الدلائل إلى أنه مهد الطريق جليا أمام ثورة 19 بقيادة سعد زغلول الذى لم يكن كما يجمع المؤرخون على خلاف معه فكلاهما رفع شعار «الجلاء والدستور والاستقلال».. انها قصة كفاح مكتملة الأركان ترويها كتب التاريخ والوثائق الخطية التى تركها تحكى نضاله المبكر.
النشأة
فى عام 1868 بينما الدولة المصرية كلها تستعد للاحتفال بافتتاح القناة والخديو إسماعيل مشغول بمشروعه فى ترتيب الاحتفال بهذا الحدث التاريخى الذى جمل القاهرة ولد أبرز زعماء الحركة الوطنية المصرية الزعيم محمد فريد فى حى السيدة زينب وسط مجتمع ارستقراطى فهو ابن الباشا أحمد فريد الذى كان يعمل فى الدائرة السنية وناظر بها وجده محمد فريد كان من الاصول الألبانية الذين رافقوا محمد على وقادم من الاستانة وهذا الجد عمل بالقرب من محمد على باشا وانجب ابنه أحمد الذى حصل على الباشوية أيضا.. والذى انجب الزعيم الوطنى محمد فريد وألحقه بمدرسة الحقانية التى تخرج فيها عام 1887 ليعمل بالنيابة وعمره لا يتعدى 19 عاما.. والتحق مع والده بالدائرة السنية لكنه فضل أن يعمل بالنيابة.. واستمر بها عدة سنوات كما تركها بعد استقالته غاضبا من نقله إلى الصعيد كعقاب له.. وهرب للمحاماة عدة سنوات قبل أن يترك منصات المحاكم ويتحول إلى محامى الأمة فى رحلته للدفاع عن الوطن فى مشوار طويل مملوء بالمواقف الوطنية داخل وخارج مصر.
أول كتاب وقضية التلغراف
بعد عمله بالنيابة العمومية أصدر فريد أول كتبه وكان عمره 24 عاما بعنوان «البهجة التوفيقية فى تاريخ الدولة العثمانية» وهو الكتاب تناول فيه محمد على باشا وفيها تنبه القصر أن رجل الحزب الوطنى الذى خلف مصطفى كامل لن يهادن القصر.
كان الأمر واضحا فى القضية التى رفعت على الشيخ على يوسف رئيس تحرير جريدة المؤيد عندما اتهم بأنه اذاع أسرار وزارة الحربية على صفحاتها.. وعندما عرضت القضية أمامه كرجل يمثل النيابة والقضاء وكان القصر لديه الأمل فى أن ينال الشيخ على يوسف حكما يدينه فى هذه القضية التى عرفت وقتها بـ»قضية التلغرافات».. وامام نظر القضية ولاحظ رجل النيابة والقضاء الشاب أوراق القضية وملابساتها بحسه الذكى لمس التجنى بالصاق تهمة ليست فى موضعها على رئيس التحرير الشيخ على يوسف فما كان منه إلا أن أصدر حكمه الشهير بـ«البراءة».
اتصالاته مع مصطفى كامل
الحكم جاء مدويا فى شارع سياسى ليعلى وقويت الاتصالات بزعيم الحزب الوطنى مصطفى كامل عام 1993، ليشاركه فى رحلة الكفاح.. ولم يكن حتى هذا الوقت يعلم أنه سيخلفه بل وسيختاره هو نفسه نائب عنه فى غيابه ووكيلا لحزبه الذى أسسه ثم رئيسا له بعده عقب وفاته ليس هذا فقط أنه تلازمهما فى رئاسة الحزب ووفاة كامل الذى أقيم له ضريح بالقاهرة التاريخية سليحق به فريد الذى يدفن أولا فى مقابر القاهرة بعد نقله من المانيا ثم ينقل فى موكب شعبى لدفنه فى ضريح رفيق الكفاح الزعيم مصطفى كامل.
حادث دنشواى
جاء حادث دنشواى إحدى قرى المنوفية ـ وما حدث من حالات وفاة لجندى بريطانى وتعليق المشانق فى مكان الحادث فى عملية بربرية تحدث عنها مصطفى كامل فى «الفيجارو» الصحيفة الفرنسية منددا بموقف القصر والاحتلال والمندوب السامى اللورد كرومر وحكم الإعدام ضد الفلاحين الذين لا حول لهم ولا قوة.. و«صورية» المحاكمة التى كان على رأسها أحمد سعد زغلول شقيق الزعيم سعد زغلول قائد ثورة 1919.. فى هذه الأجواء المشحونة بالغضب الشعبى كان فريد يكتب ويواجه ويخطط ليس بعيداً عن كامل وأفكاره.
وفاة الزعيم وتوليه زمام الحزب
ومع وفاة مصطفى كامل عام 1908 واحتدام الغليان السياسى بين مثلث الحكم القصر والاحتلال والمندوب السامى.. تولى فريد زعامة الحزب.. وتفرغ فريد مما يملك من أموال لمواصلة اصدار جريدة «اللواء» لسان حال الحزب من ماله الخاص وفى نفس الوقت اصدار البيانات والكتابة التى لم يكن القصر والاحتلال راضين عنها بالطبع.. ولم يترك فرصة فى الخارج أو الداخل إلا والتحدث فيها عن مطالب الشعب وشعاره المميز «مصر للمصريين».
وجاءت القشة فى كتاب على الغاياتى «وطنيتى» الذى كتب له المقدمة ولم يرض عنها القصر وبدأ تشديد الخناق عليه برفع قضية ضده وحكم عليه فيها عام 1911 بالسجن وبدأت السلطات تعمل على تقييد حريته ووصلت الى ترويع أهل منزله وتفتيشه فى محاولة للوصول إلى وثائق تدينه.. وهنا لم يجد مفراً من التفكير فى الخروج من مصر.. واستشار زوجته عائشة هانم التى وافقته.
الخروج من مصر جسداً
ومع اختمار خطة الخروج من مصر لحمل لواء القضية للعالم الغربى وكما أشار إليها فريد نفسه فى مذكراته فى المجلد الأول وكان رئيس تحرير الجريدة «اللواء» عبدالعزيز جاويش يتولى نشر ما يدور حول مشروعه الوطنى «الاستقلال والدستور» وفى هذا التوقيت كان وزراء الحكومة يدبرون له المكائد ووصلت الى مصادرة جريدته وبات واضحاً ان فريد نفسه قد يقبضون عليه.. وكما أشار محمد صبيح فى مؤلفه مواقف حاسمة فى تاريخ القومية العربية.. وكذلك عبدالرحمن الرافعى فى تناوله مسألة خروج محمد فريد فى كتابه «رمز الاخلاص والوطنية».
كان تحقيق استقلال الوطن وجلاء المستعمر والاصلاح الزراعى وبنك التسليف والتعاونيات.. من هنا يمكن القول ان الزعيم محمد فريد الذى تمر هذه الأيام 105 أعوام على وفاته فى 15 نوفمبر 1919 متزامناً مع اندلاع ثورة سعد زغلول فى نفس عام وفاته ضمن سلسلة النضال المصرى المتواصل.. وليس غريباً ان يتم سرد جوانب رحلته بعد نحو 156 عاماً على مولده.
جدل السفر لأوروبا
وفى رأى آخر حول خروجه يشير الكاتب صبرى أبو المجد ان فريد لو بقى فى مصر وناضل داخلها كانت الثورة ستقوم عامى 1912 و1913 وان ثورة 1919 كانت ستنطلق قبل موعدها وان قائدها سيكون بدون أدنى شك محمد فريد ولو الأمر كذلك لتغير وجه التاريخ فيما يتعلق بهذه الثورة ونتائجها.
فيما يرى الكاتب أحمد بهاء الدين فى هذه المسألة ان فريد وجد أن أسلم طريق إلى تحقيق المستقبل المصرى هو النضال فى الداخل والخارج وقال فى كتابه «أيام لها تاريخ» الصادر عن «دار الهلال».. إن مصطفى انبعث كالشعلة فى اليد تنير الطريق ثم انطفأ.. ولم يقف الومض طويلاً عن فكرته الخصبة.. وجاء فريد ليضع النقاط على الحروف ليرسم الطريق من جديد.. شعاره «مصر للمصريين» مؤكداً تحت أى ظرف ان وسيلة التحرر من كل سيطرة أمنية هى «الجلاء».. ووسيلة المساواة والمشاركة هى «الدستور».. وبالعودة إلى رحلته الداخلية فى الكفاح نجد ان الحكومة فى 1912 شرعت لمحاكمته مرة أخرى لاعادته إلى السجن بعد خطبه الوطنية فى المؤتمر الوطنى للحزب فى 22 مارس 1912.
الرحيل على باخرة روسية
فى مساء أحد أيام مارس عام 1912 وتحديدا يوم الثلاثاء كما تشير وثائق الرحلة الأخيرة لفريد من مصر إلى الخارج عبر ميناء الاسكندرية وبينما الباخرة الروسية التى كانت ترسو على الشاطئ خرج فريد من الغرفة مع صديقه ليرى بلاده لآخر مرة.. وللقارئ الكريم بالرغم من ان بعض أفراد أسرته دعوه إلى مصر ويواجه الحكم بالسجن فكان فريد يرى انه فى الخارج صوته سيكون مسموعاً وصداه سيصل من بحر مرمرة أو باريس أو برلين أو بلجيكا إلى مصر وقال لزوجته إننى مسافر غداً هذا الكلام ليلة سفره يوم الثلاثاء 1912.. وقد لا استطيع العودة مرة أخرى وقد كان.
انجب ولدين و4 بنات من زوجته عائشة هانم ابنة عمته.
توفى نجله الأول عبدالله بعد عامين من الولادة، ابنه عبد الخالق هو الذى قام بتسليم مذكراته إلى دار الوثائق وكان يعمل مستشاراً.
دوره فى التعليم
يحسب لمحمد فريد اهتمامه بالتعليم فهو من أكبر المساهمين فى الجامعة الأهلية وأقام مدارس الشعب التى واجه بها التعليم الأجنبى ومدارس «دانلوب».. كما كان له دور مهم فى الجمعيات التعاونية التى انشأها فى ربوع الوطن.. وأول من نادى بمشروع محو الأمية عبر المدارس الليلية التى كانى صرف عليها أحياناً من ماله الخاص.
عائشة السيدة الحكيمة
عندما حاول القصر نشر وشاية ومكيدة لدى السيدة عائشة زوجته انه على علاقة مع سيدة غربية «فرنسية» عاطفية.. وهى «كاتبة» فقالت السيدة عائشة لابنتها فريدة ان ترسل خطاباً للزعيم محمد فريد وكانت تعلم انها لن تستطيع الوصول إليه اختتمته بعبارة.. ان والدتى ستكون سعيدة إذا علمت ان هناك امرأة أخرى ترعاك فى الغربة.. لأنها حزينة على استمرار وحدته وعدم قدرتها- أى عائشة الزوجة- لرعايته لبقائها فى مصر بعيدة عنه.. وقد رد أحفاده على هذا فى حديث موسع نشرته الزميلة نصف الدنيا فى 16 فبراير 2003.
قضية التلغرافات
هذه القضية التى تعرض لها الشيخ على يوسف للمحاكمة لما نشره عنها فى عدد المؤيد فى ٨٢ يوليو ٦٩٨١ تحت عنوان «أحوال الجيش المصرى على الحدود» ونشر فى مقاله نص برقية من اللورد كتشنر سردار الجيش المصرى فى ذلك الوقت عن انتشار الكوليرا بين الجنود فى المعسكرات.. وقدم للمحاكمة مع الشيخ على يوسف موظف مكتب «تلغراف» الأزبكية توفيق أفندى كيرلس.
وكان وكيل نيابة الاستئناف والمفروض أن يتشدد فى توجيه الاتهامات ويطالب بأقصى عقوبة للمتهمين وهو محمد فريد وكيل النيابة.. وعليه أن يسوق الأدلة عن الأضرار التى سببها نشر البرقية.. ولكنه كما يقول الكاتب الصحفى رجب البنا فى مقاله «خواطر فى السياسة» بمجلة أكتوبر أن فريد وقف فى مرافعته متعاطفا مع المتهمين.
وجاء قرار المحكمة بحكم البراءة.. والذى دفع الثمن هو محمد فريد بقرار نقله إلى الصعيد.. واعتبر فريد النقل عقوبة لا يستحقها فقدم استقالته معلناً عدم استعداده للتخلى عن المثل والمبادئ الوطنية التى يؤمن بها.
ستة أشهر فى السجن
عندما حكم عليه بالسجن فى 23 يناير عام 1911 بالحبس ستة أشهر لكتابه مقدمة الديوان وطنيتى لعلى الغاياتى وأحست الحكومة أن الحكم سيثير لها المشاكل تجاه حبس الزعيم الشعبى مع أنصاره فأصدرت العفو عنه بشرط أن يكف عن إشعال الشعور الوطنى ضد الاحتلال والحكومة التى يراها «عميلة».. لكن فريد رفض وسجل الرافعى هذه الواقعة فى كتابه «فريد رمز التضحية والإخلاص» مشيراً إلى أن مدير مصلحة السجون كرلس باشا زاره فى السجن وقال له إننى – أى كرلس- أسعى للعفو عنك إذا وعدت بتغيير خطتك.. فأجابه فريد «ما تطلبه مستحيل».
وهنا عدل كرلس كلامه وقال له لا أطلب تغيير مبادئك بل تخفيف لهجتك «فكرر له فريد الرفض.. وبقى فى السجن.. وعندما زاره د. عباس غالب فى السجن موفدا من الخديو عباس حلمى الثانى ليعيد عليه العرض الذى قدمه مدير مصلحة السجون «كرلس» وقال له «الخديو عنده الاستعداد لإصدار العفو عنك إذا قدمت طلب تلتمس فيه العفو».. فرد فريد قاطعاً: لا أطلب العفو.. ولا أسمح لأحد من عائلتى بأن تطلب العفو عني- وحذر اسرته من الإقدام على ذلك.. كما كتب للدكتور أحمد لطفى السيد الذى كان رئيسا لتحرير صحيفة «الجريدة» وقال له إنه يرفض الحرية التى تأتى بالاستجداء.
السادات يحتفى بـ«فريد»
لعل أكبر حفل أقيم احتفالاً بذكرى الزعيم محمد فريد ذلك الحفل الذى شهده الرئيس محمد أنور السادات والسيدة جيهان السادات فى 15 نوفمبر عام 80 عندما شهد فى مسرح «الجمهورية» فى ذكراه الـ66.. وحضره عدد كبير من المسئولين والوزراء وبدأ الحفل بكلمات محمد فريد.. وقدم حشد من القوى الناعمة المصرية من كتاب ومخرجين وفنانين على مسرح الدولة وصل عددهم 450 فردًا أول عمل قومى كبير يجسد مسيرة نضال الزعيم الوطنى وقدم د.سمير سرحان ود. محمد العنانى، رحلة محمد فريد الذى قام بدوره محمد السبع وقام بدور الخديو عباس حلمى الثانى إبراهيم عبدالرازق.. حضره عدد من أحفاد محمد نجيب تمت دعوتهم لحضور الأمسية الأكبر حول الزعيم محمد فريد الذى قالت أسرته عندما قامت ثورة يوليـو ليته كان حيا ســـيكون ســعيدا بما تم فى 23 يوليو وقيام الثورة.
صندوق مذكراته
عندما اشتد عليه المرض كتب لصديقه إسماعيل لبيب فى 11 سبتمبر 1919 قبل نحو 33 يوماً من وفاته وسلمه صندوق كان لدى سيدة ألمانية ليسلمه إلى ابنه عبدالخالق فريد وأوصاه بالمحافظة عليه وهو ما سلمه بعد ذلك لوزارة الثقافة.. ومن هذا الصندوق نشرت أجزاء منه فى مجلة «كل شىء» عام 29 ومن خلال مركز الوثائق نشر الدكتور رؤوف عباس ود.محمود إسماعيل أجزاء منها فى مجلة الكاتب ما بين عامى 69 و1970.
الجنازة وتاجر الزقازيق
بعد وفاته بسبعة شهور قام تاجر من الزقازيق بنقل جثمانه من برلين إلى القاهرة وكان فريد قد قال أريد أن أدفن فيها بعد رحيلهم ــ يقصد الاحتلال ــ وعند وصول الجثمان إلى القاهرة جاء عبر الإسكندرية وفى الإسكندرية نقل إلى محطة مصر حيث استقبل الجثمان فى موكب حاشد وتم دفنه فى المقابر الخاصة بالعائلة فى السيدة نفيسة قبل أن تنقل رفاته مرة ثانية حيث متحفه ومتحف كامل بالقلعة ليدفن بجوار رفيقه فى ضريح مصطفى كامل زعيم ومؤسس الحزب الوطنى بعد ثورة يوليو فى 15 نوفمبر 1953.. ويقول شهود العيان الذين كانوا بالقرب منه عند الاحتضار «إنى وأولادى وكل عزيز لدى فداء لمصر» وهذا حقيقى أن مرارة الغربة 7 سنوات أصابته بحزن أن يموت بعيداً عن تراب مصر التى أحبها.. هكذا عاش الفتى الارستقراطى الذى يعود إلى جذور ألبانية وأمه تعود إلى جذور عربية إلى العباس بن عبدالمطلب.. مات الزعيم الوطنى بعد رحلة صعبة فى الكفاح ظللها بشعار سترته التى دفنت معه «مصر للمصريين».. سلام على مصر.. سلام على الأهرام.. سلام لكل المصريين.. بقى تمثاله فى ميدان بوسط القاهرة يعلن أنه لا يزال له مكان فى قلوب محبى الوطن.