قد يقول البعض أحياناً.. إن البشرية تعيش فى أغرب العصور.. وأغرب أيام الزمن.. مع ذلك فإن هذا العصر.. لا يبدو غريباً.. على طبيعة البشر.
.. ومن يتأمل قصة الوجود والحياة فوق كوكب الأرض سوف يكتشف أن التاريخ فى هذا العالم.. قصة واحدة.. تتعدد المعانى الكبرى لقصة التاريخ الطويلة فى هذا العالم.. لكن تبقى المعانى ثابتة.. والقواعد واحدة.. لا تتغير.. مهما حدث من تقدم فى أدوات الحياة وفى تكنولوجيا السلاح.. وأدوات الصراع العسكرى والاقتصادى بين الامبراطوريات الكبرى أو القوى العظمى التى نتحدث عنها فى العصور الحديثة.
تحكى قصص التاريخ.. الأساطير الكبرى عن قيام وسقوط الامبراطوريات.. أو القوى الكبرى فى العصر الحديث.. وسوف تحكى قصص التاريخ قريباً جداً.. قصة صعود وسقوط مستوطنة الصهاينة فى فلسطين.. وهذا هو حكم التاريخ النهائي.. ضد كل ما يصنعه شياطين الغزو والاحتلال فى كل وقت وكل زمن.. وهذا يعنى أنه من المستحيل أن تكون.. إسرائيل دولة لها مستقبل.. وهناك يقين فى أعماق قادة الصهاينة فى تل أبيب بأن إسرائيل دولة بلا مستقبل.. بل وهناك يقين لدى زعماء الولايات المتحدة ودول حلف الناتو بأن إسرائيل كيان صهيوني.. بلا مستقبل. هم فقط يتساءلون: متى تأتى ساعة الزوال.. وكيف سوف تكون مشاهد زوال دولة إسرائيل!!
ويؤكد المؤرخون والمفكرون أن إسرائيل تعانى من أسوأ أنواع الفشل الإستراتيجى العميق.. منذ اللحظة الأولى لقيامها بالحرب وبالقوة المسلحة فى 8491.. ومن أكبر أعراض ومظاهر الفشل الإستراتيجى أن إسرائيل مازالت حتى اليوم تعتمد على القوة المسلحة وحدها.. باعتبارها.. الوسيلة الوحيدة لضمان وجودها فوق أرض فلسطين .. وتخوض إسرائيل حالياً حرباً طويلة ومرهقة ضد ميليشيات حماس فى قطاع غزة.. وضد ميليشيات حزب الله فى جنوب لبنان.. وحتى ضد إيران فى أقصى الشرق عند الخليج العربي.. مع ذلك يعترف الإسرائيليون بأن الخطر الأكبر الذى يهدد إسرائيل ووجودها.. هو الشعب الفلسطيني.. ووجود 7.6 مليون فلسطينى يعيشون فى الضفة الغربية والقدس وفى قطاع غزة وداخل إسرائيل ذاتها.
.. ومهما ارتكبت إسرائيل من جرائم الحرب والإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.. وفى الضفة الغربية.. فإنها فى النهاية لن تتمكن من تصفية هذه الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى بالقوة المسلحة.. ولا بالقنابل الذرية.. ومن المستحيل أن تتمكن إسرائيل من القيام بحملة تطهير عرقى شامل ضد الشعب الفلسطيني. ومن المستحيل أن يتعرض الشعب الفلسطينى لعملية تصفية تشبه عملية تصفية الهنود الحمر فى أمريكا الشمالية.. العالم لن يسمح لإسرائيل بتصفية وجود الشعب الفلسطينى وقضيته. ومهما كان تأييد أمريكا وأوروبا لوجود وبقاء إسرائيل.. فإن القوى العالمية لن تسمح لإسرائيل بتحقيق أهدافها.. والقوى الإقليمية سوف ترفض بشدة.. ولن يحدث ذلك ربما بدون صراع وحرب واسعة تمتد من إسرائيل.. وحتى إيران.
فى الخط الأول
.. ويحاول بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل دائماً.. إقناع مؤسسة الأمن القومى الأمريكية فى واشنطن أن إسرائيل هى خط الدفاع الأول عن أمريكا فى الشرق الأوسط.
وتركز إسرائيل على ضرورة إقناع أمريكا وأوروبا بأن من يعادى إسرائيل يشكل خطراً على أمريكا وأوروبا.. وعلى العالم كله.. وعلى الحضارة الغربية.. بل يؤكد أن الصراع مع الشعب الفلسطينى جزء من الصراع بين الحضارات.
.. هكذا نكتشف أن سرائيل لا تعتمد فقط على «الأسلحة النووية».. باعتبارها سلاح الملاذ الأخير لضمان وجودها وبقائها فوق أرض فلسطين.. وفى الشرق الأوسط. إسرائيل تعتمد على قوى عالمية من خارج الشرق الأوسط.. لضمان وجودها وبقائها.. خصوصاً فى الولايات المتحدة الأمريكية.. وفى بريطانيا ودول الناتو.
.. وترى إسرائيل فى هذه القوى العالمية الغربية.. مظلة الحماية النهائية لوجودها وبقائها.. لكن هل هذا يمكن أن يدوم.. وإلى متي.. وإلى أى مدى فى المستقبل؟!
إلى متى
.. وأى مستقبل هذا.. هل هو عشر سنوات قادمة.. أم عشرين عاماً؟! المستقبل القريب بالنسبة لإسرائيل يبدو شديد الصعوبة إن لم يكن مظلماً.. والمستقبل البعيد يقف من إسرائيل موقف العداء التام.. فى عصر المتغيرات العالمية التى لم يسبق لها مثيل.
.. من الآن يبدو أن شرعية وجود إسرائيل موضع شك وتساؤل حول العالم.. ليس فقط فى عيون أعداء إسرائيل.. بل حتى فى عيون حلفاء إسرائيل فى أمريكا وبريطانيا وأوروبا.. وحول العالم.
.. وكثيراً ما يضيق المؤرخون مما يقوله خبراء الاستراتيجية أحياناً فى واشنطن حول المستقبل السياسى لإسرائيل فى الشرق الأوسط.
.. ويقول المؤرخون إن التفاؤل السياسى تجاه مستقبل إسرائيل مهما كان.. فإنه لن يساعد إسرائيل من زلزال النهاية التاريخية لوجودها.. وبقائها فى الشرق الأوسط. ولن تقول إن إسرائيل على موعد مع نهاية مدمرة.. كما جاء فى الكتب المقدسة.
غضب الرب على اليهود
.. لكن إسرائيل تتمسك بالكتب المقدسة.. وبخريطة إسرائيل كما جاءت فى التوراة.. أو «إسرائيل التوراتية».. كما تقول صحيفة لوموند الفرنسية.. وينسى صهاينة تل أبيب أن التوراة أكدت أن الرب قد «غضب على اليهود».. أو أنزل غضبه على «شعب الله المختار».. كما يقولون داخل معابد اليهود فى تل أبيب.. وفى معابد اليهود فى كل مكان.. وعلى ألسنة حاخامات اليهود فى اعترافاتهم.
.. وأكد بن جوريون فى الخمسينيات من القرن الماضى أن حدود إسرائيل لا يحددها سوى المواقع التى يصل إليها جنود الجيش الإسرائيلى فى أى حرب مع العرب.. وهذا يعنى أن خريطة إسرائيل قابلة للامتداد والتوسع دائماً.. على حساب جيرانها العرب.
.. وتتحدث الصحف الإسرائيلية حالياً بوضوح وتؤكد أن حدود دولة إسرائيل.. والخريطة السياسية لدولة إسرائيل.. تحددها قوة الأسلحة الأمريكية التى يحصل عليها الجيش الإسرائيلي.. وفى معابد تل أبيب.. يقف الحاخامات بأكاذيب جديدة يدعون من خلالها أن أى أرض يحتلها الجيش الإسرائيلي.. هى جزء من أرض إسرائيل التوراتية.
الوعد لسيدنا إبراهيم
.. ومع توغل الجيش الإسرائيلى بدأ الحاخامات فى تل أبيب يتحدثون عن أراضى جنوب لبنان باعتبارها جزءاً من «أرض الميعاد».. التى وعدها الرب للنبى إبراهيم!!
ويؤكدون بالتحديد أن وجود مقابر لليهود فى مدن صيدا وصور فى جنوب لبنان.. يؤكد أن هذه المدن جزء من شمال إسرائيل.. وجزء من حدود إسرائيل التوراتية.
.. والمثير للدهشة أن نبى الله إبراهيم لم يكن يهودياً.. وطبعاً لم يكن إسرائيلياً.. وبالتأكيد لم يكن من أتباع صهاينة هيرتزل فى أواخر القرن الـ 91.. ولم يكن من عملاء بريطانيا العظمى حين صدر وعد بلفور فى 7191.. وبالتأكيد لم يمكن من عملاء المخابرات الأمريكية فى القرنين العشرين والحادى والعشرين!!
.. ولا يمكن أن يقال إن أى أراض يوجد بها مقابر لليهود أن هذه أراضى إسرائيل التوراتية.. فهذه هى أطماع صهاينة تل أبيب فى أرض العرب.. التى تعتمد على قوة السلاح الأمريكى الحديث الذى تحصل عليه إسرائيل يومياً.. وعلى قوة الأساطيل الأمريكية التى توفر الحماية لأرض وسماء إسرائيل ضد صاريخ إيران وحزب الله وحماس.
فى انتظار الامبراطور
وتنتظر إسرائيل حالياً يوم تنصيب الرئيس الأمريكى القادم دونالد ترامب وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ترامب له نظرية خاصة فى السلطة والحكم.. تعطى المزيد من السلطة للرئيس الأمريكي.. أى له شخصياً.
ويحاول البعض فى كواليس الكونجرس الأمريكى فرض ما يطلقون عليه «الروح المحافظة الأمريكية» على الدستور الأمريكي.. ويقوم حلفاء ترامب حالياً فعلاً بمناورات يمكن أن يكون لها نتائج عميقةعلى شكل وأداء إدارة ترامب القادمة فى البيت الأبيض.
أكدت نيويورك تايمز أن المقترحات المعروضة على الكونجرس يمكن أن تجعل من الرئيس الأمريكى القادم.. دونالد ترامب أعظم امبراطور.. يحكم الولايات المتحدة الأمريكية فى زمن السلام.. وليس فى زمن الحرب.. بسلطات واسعة جداً يمكن أن يتمتع بها دونالد ترامب وقد لا يبقى لدى الكونجرس سوى سلطة إعلان الحرب.
وهذا يعنى أن إسرائيل ليست فى انتظار رأى الرئيس الأمريكى فى 02 يناير 2025.. بل إنها فى انتظار تنصيب الامبراطور دونالد ترامب.. وإدارته القادمة التى وصفتها صحيفة لوموند الفرنسية بأنها أسوأ حكومة أمريكية معادية للشعب الفلسطينى فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
إدارة معادية
ذكرت لوموند أن كل أعضاء إدارة ترامب القادمة تضم شخصيات معروفة بالعداء الشديد للشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة فى الأرض والسيادة والدولة المستقلة.
وقد تخلت الولايات المتحدة عملياً ونهائياً منذ عهد الرئيس بوش الابن فى 2001 والحرب الأمريكية على الإرهاب.. عن أى رغبة جادة لإيجاد تسوية للصراع الفلسطينى الإسرائيلي.
وجاء عصر باراك أوباما.. كى تحصل إسرائيل على أكبر مساعدات أمريكية فى تاريخها بواقع 83 مليار دولار على مدى 01 سنوات قاربت على الانتهاء.. أى ما يعنى حصول إسرائيل على 3.8 مليار دولار سنوياً.
وخلال فترةرئاسة ترامب الأولي.. اعترفت أمريكا فجأة بالقدس عاصمة لإسرائيل.. وأمر ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس فعلاً.. وبقيت القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية لرعاية المصالح الفلسطينية.
ولم يتراجع الرئيس الأمريكى بايدن عن أى خطوة اتخذها ترامب. واعتبرها أمراً واقعاً.. وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حصلت إسرائيل على أكثر من 22 مليار دولار مساعدات وأسلحة أمريكية للجيش الإسرائيلى وهى أكبر مساعدات تحصل عليها إسرائيل فى عام واحد.. ويستعد الكونجرس للموافقة على صفقة مساعدات عسكرية أمريكية جديدة لإسرائيل هذه الأيام تزيد على 03 مليار دولار أخري.. أى أن إسرائيل يمكن أن تحصل على أكثر من 05 مليار دولارأمريكى مساعدات عسكرية خلال عامى 2024 و2025.
ويتردد فى إسرائيل أن نتنياهو لا يريد من ترامب ما هو أقل من الاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية.. وضم الجزء الأكبر منها على الأقل لأرض إسرائيل.. وذكرت لوموند أنه فى عصر الصفقات تحت قيادة ترامب.. فإنه يوجد تخطيط لفرض صفقة على الجانب الفلسطينى أكثر وحشية من صفقة القرن فى 0202.
.. وأكد الأمريكى ستيفين سايمون أنه رغم غياب جاريد كوشنر زوج ابنة ترامب عن التشكيل الرسمى لإدارة ترامب القادمة.. إلا أن ترامب يمتاز بأنه رجل الصفقات.. ولا يوجد حاجز عند ترامب بين ما هو عائلى وما هو رسمي.. المسألة صفقات.
عودة كوشنر
هناك فقد يظهر جاريد كوشنر اليهودى الصهيونى من جديد سواء رسمياً.. أو بصورة شبه رسمية.. وفى النهاية سيتم طرح مبادرة جديدة تجاه الشعب الفلسطيني.. وهى مبادرة اقتصادية وليست سياسية.. أى أن «حل الدولتين».. لن يكون له وجود.. ولن يكون مطروحاً على مائدة المفاوضات.. كما تريد إسرائيل ويريد نتنياهو ويقال حالياً فى واشنطن إن مبادرة كوشنر قد تكون هى «اللعبة الوحيدة» فى المدينة.
فقد قام دونالد ترامب باختيار أعضاء إدارته من شخصيات شديدة الارتباط بإسرائيل وشديدة الاقتناع بالتزام أمريكا بأمن وبقاء إسرائيل.. ومنهم «ميت هيجيث» وزير الدفاع الأمريكى القادم.. وهو من الشخصيات «المسيحية القومية».. وهو شديد الإيمان بأن الصهيونية والروح القومية الأمريكية هما خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية وعن الحرية. وهى نفس لغة رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو.
.. وهناك أيضاً مايك هو كايي.. السفير الأمريكى الجديدة فى إسرائيل وهو مسيحى متطرف يؤمن بما جاء فى الكتاب المقدس.. وما جاء فيه من أن كل ما يحبه الإنسان المسيحي.. «له جذوره فى وعود الرب لليهود».
أما ماركو روبيو.. وزير الخارجية الأمريكى القادم.. فإنه من أشد المؤيدين لإسرائيل ولسياسات نتنياهو.. خلال الحرب الدموية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.. والحرب على لبنان.. ومن أكبر المؤيدين للضربات الانتقامية الإسرائيلية لإيران.
رسائل من طهران
.. ويتردد فى واشنطن حالياً أن إيران أعطت لأمريكا رسائل ومؤشرات بأنها لا تريد الحرب مع أمريكا.. فى إطار الخوف الإيرانى الواضح من خطط ترامب لفرض أقصى الضغوط والعقوبات الاقتصادية ضد إيران.. والهدف النهائى لترامب هو دفع إيران نحو هاوية الإفلاس المالى والاقتصادى والانهيار.
رغم أن ترامب هو الذى أعطى الأوامر باغتيال قاسم سليمانى قائد الحرس الثورى الإيراني.. إلا أنه يرفض الحرب كمبدأ.
ويبقى السؤال.. هل يعطى ترامب الضوء الأخضر لإسرائيل.. لتقوم بضرب إيران وتدمير منشآت البرنامج النووى الإيرانى؟!
ذكرت مصادر أمريكية أن ترامب قد يقوم بمناورة خادعة.. يعطى من خلالها الانطباع بأنه أعطى لنتنياهو الضوء الأخضر لتدمير منشآت إيران النووية.. على أمل أن تكون هذه وسيلة للضغط على إيران للعودة إلى التفاوض.. وعقد صفقة نووية أفضل من صقة أوباما التى سقطت فى عهد ترامب الأول.
.. الرئيس الأمريكى القادم ترامب يخطط للتركيز على المواجهة الإستراتيجية مع الصين.. القوة الصاعدة المنافسة لأمريكا.
هكذا.. يبدو أن إيران مستعدة للتفاوض.. وترامب مستعد للتحرك المزدوج ما بين استخدام القوة ضد إيران.. إلى اللجوء للدبلوماسية الجريئة لعقد الصفقات مع أعداء أمريكا.. ومنهم إيران.
فى باريس
.. فى باريس.. الصورة تختلف تماماً.. خاصة بعد موافقة الرئيس الأمريكى بايدن على السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسى بالصواريخ الأمريكية.
وذكرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية أن كبار الجنرالات فى الجيش الفرنسى قاموا بإلقاء نظرة باردة على المشهد الاستراتيجى العالمى من أجل الدراسة والفحص.. بعد الانقلاب الواقع فى النظام العالمي.. ولم تعد هناك أية فرصة للعودة إلى الوراء.
الزلزال
يؤكد جنرالات الجيش الفرنسى أن العالم يواجه «زلزالاً» استراتيجياً رهيباً.. ويدخل فى غياهب المجهول وانعدام اليقين.. بعد أن اختفى العالم الذى كنا نعرفه فى الماضى ولم يعد له وجود.
النظام الدولى الذى تقوده أمريكا.. يتلاشى ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
وهناك جنرال فرنسى يدعى برونو باراتز.. يتولى قيادة جديدة فى الجيش الفرنسي.. تسمى «قيادة قوات المستقبل».. وهو يتولى مسئولية إعداد الجيش الفرنسى لمعارك المستقبل ومعارك وحروب المستقبل.
ويؤكد الجنرال باراتز.. أن العالم الذى قمنا بتشكيله بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد اوفيتى يتلاشى وينتهى أمام عيوننا.. العالم يعيش الآن فى مناخ من انعدام الاستقرار والصراع والحرب.. وكل شيء فى هذا العالم يقودنا إلى المخاطر.. والتحديات الرهيبة والمخيفة.
وأكد الجنرال بييرسيشل رئيس أركان الجيش الفرنسي.. أن فرنسا لابد أن تكون مستعدة لجميع السيناريوهات.. فلا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحدث غداً.. أو ما هو الدور الذى يمكن أن تقوم به فى أى صراع أو مواجهة.. أو ربما حرب.
أزمات الحرب والصراع فى أوكرانيا تتفاقم بصورة خطيرة.. وحروب إسرائيل فى الشرق الأوسط تنطوى على مخاطر وسيناريوهات تثير الفزع.. ويبقى السؤال.. هل نحن حقاً قادرون على تعديل أو تغيير مسارات الأحداث.. أقصد مسارات «اللعبة الدولية» الخطيرة؟!
اللعبة
.. فى تل أبيب تتصاعد مسارات «اللعبة الصهيونية» الخطيرة من لحظة إلى لحظة. من ناحية تؤكد صحف تل أبيب رغم أن نتنياهو وافق على اتفاق وقف لإطلاق النار فى لبنان.. مقابل انسحاب ميلشيات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى فى جنوب لبنان.
لكن يأتى ذلك فى وقت يطالب فيه الجناح الصهيونى المتطرف فى حكومة نتنياهو يطالب بمواصلة الحرب فى جنوب لبنان وإقامة منطقة حزام أمنى عازلة لحماية مستوطنات شمال إسرائيل.
يأتى ذلك فى وقت ارتفعت فيه أصوات الحاخامات الصهاينة التى تؤكد أن أراضى جنوب لبنان ومدن صيدا وصور جزء من إسرائيل التوراتية التى وعد بها الرب سيدنا إبراهيم.
.. لكن نتنياهو.. لا يخطط للحرب فى غزة ولبنان فقط.. نتنياهو يخطط أيضاً.. للحرب ضد إيران.. وضرورة تدمير وتصفية البرنامج النووى الإيراني.. بل إن إسرائيل تريد تغيير وإسقاط النظام الحاكم فى إيران.
.. يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلى حالياً أنه لا يحتاج ما هو أكثر من ضوء أخضر من الرئيس الأمريكى القادم ترامب لتدمير البرنامج النووى الإيرانى نهائياً.. وتصفية الخطر النووى الإيرانى الذى يهدد وجود إسرائيل.
وذكرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو يريد فى الواقع أن تشترك القوات الأمريكية مع الجيش الإسرائيلى فى عملية عسكرية مشتركة لتدمير البرنامج النووى الإيراني.
طموحات بلا حدود
يقول الإسرائيلى «شالوم ليبنر» إن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو لديه طموح كبير فى أن يتمكن من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.. لصالح إسرائيل.. تحت قيادة الرئيس الأمريكى القادم دونالد ترامب.
ويؤكد شالوم ليبنر أنه بقدر ما يوجد لدى نتنياهو من طموحات كبرى وآمال بلا حدود فى شخص الرئيس ترامب.. إلا أن نتنياهو قد يكتشف فى النهاية أنه يعيش أوهاماً كبري.. بشأن ترامب وما يمكن عمله من أجل إسرائيل.
وعلى مدى 31 شهراً من الحرب الإسرائيلية التى لا تتوقف فى غزة ولبنان.. أصبحت إسرائيل اليوم فى مأزق حقيقي. اليوم المواطن الإسرائيلى يشعر بالإرهاق البالغ بسبب تأثير الحرب الطويلة على حياته اليومية.. مع تصاعد أعداد القتلى والجرحى فى صفوف جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.. وهناك ظاهرة جديدة وهى هروب جنود وضباط الاحتياط من العودة للخدمة فى الجيش الإسرائيلي. أكثر من 51٪ من جنود وضباط الاحتياط رفضوا العودة للخدمة العسكرية بعد الحصول على اجازات ميدانية من الحرب فى قطاع غزة أو فى لبنان.
.. لكن نتنياهو لا يضع متاعب الداخل الإسرائيلى فى اعتباره.. هو يرى فقط فرصة تاريخية نادرة أمام إسرائيل بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. وهو يرى فى عودة ترامب فرصة نادرة أمام إسرائيل للقيام بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لصالحها.. مرة واحدة وإلى الأبد.
الفشل الإسرائيلى
هذا الأسبوع حدث تحرك مفاجئ على خط الحرب بين إسرائيل ولبنان أمس.. وتم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار فى العاشرة ليلاً.. من جانب الرئيسين.. الأمريكى بايدن فى واشنطن.. والفرنسى إيمانويل ماكرون فى باريس.. على أن يتم التنفيذ بدءاً من الرابعة صباح الأربعاء.
رفضت إسرائيل مشاركة فرنسا فى ضمان وقف النار بسبب الخلاف الدبلوماسى بين رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو والرئيس الفرنسى ماكرون.
ذكرت معاريف الإسرائيلية أن الاتفاق يستمر لمدة 60 يوماً.. لكنها لا تعنى إنهاء الحرب.. لأن إسرائيل احتفظت بحق الرد على أى تهديد من حزب الله.. إسرائيل رحبت بالاتفاق لأنه يجعل حركة حماس معزولة وحدها فى غزة.
تعمدت إسرائيل القيام بغارات جوية عنيفة على بيروت وجنوب لبنان خلال الساعات الأخيرة.. قبل إعلان وقف النار، بل وواصلت بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
أكدت إسرائيل أن وحدات من الجنود الإسرائيليين وصلت تل نهر الليطاني.. فى جنوب لبنان.
أكدت تقارير تل أبيب أن الاتفاق يمكن أن يكون نقطة تحول فى الحروب الدائرة فى الشرق الأوسط.
ويبقى السؤال.. ما هى الخطوة القادمة لإيران.. هل يمكن أن تتحرك إيران نحو التسلح النووي.. وأهم ما فى الاتفاق أن يتزامن مع تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فى 20 يناير 2025.. بما يؤكد أن أولويات نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى تتوافق مع أولويات ترامب الذى سبق له أن طلب ضرورة وقف الحرب فى لبنان قبل وصوله إلى البيت الأبيض.. نتنياهو قام فى الواقع بتنفيذ وصية الامبراطور الأمريكى ترامب.
تؤكد إسرائيل أن وافقت على وقف النار بعد أن نجحت فى تدمير 80 ٪ من ترسانة حزب الله من الصواريخ والمسيرات.
لم تستطع إسرائيل رفض الاتفاق خوفاً من احتمال قيام بايدن بفرض حظر على تزويد إسرائيل بالسلاح.
بعد الاتفاق الآن يمكن لإسرائيل ضمان أن تقوم أمريكا بإعادة ملء مخازن السلاح الإسرائيلية بالصواريخ والقنابل والطائرات وقطع الغيار.
لا يوجد نص فى الاتفاق على إقامة منطقة عازلة فى جنوب لبنان.. لكن إسرائيل قامت بتدمير كل القرى الحدودية فى جنوب لبنان القريبة من إسرائيل.. حتى لا تتحول لنقاط انطلاق لأى هجوم قد يقوم به حزب الله.
احتفظت إسرائيل بحرية العمل العسكرى وإمكانية القيام بضربات جوية بهدف منع حزب الله من إعادة التسليح، وإعادة بناء قدراته العسكرية.
فهل تعود إسرائيل لضرب ومهاجمة حزب الله بعد الاتفاق؟! هذا هو السؤال الذى جائت إجابته سريعًا بضربات إسرائيلية للجنوب اللبنانى تحت حجج واهيه كالعادة .
وهذا يؤكد أنه رغم الموافقة على وقف الحرب فى لبنان الا أن نتنياهو يريد مواصلة الحرب.. حتى يتحقق لإسرائيل الانتصار الكامل.. إسرائيل تبدو حالياً على يقين من وقوف ترامب الكامل معها ضد كل أعدائها فى الشرق الأوسط.. الواقع يؤكد حالياً أن إسرائيل ربما حققت نجاحات عسكرية فى غزة وفى لبنان.. لكنها فشلت فى تحويل هذه النجاحات العسكرية إلى تسويات استراتيجية على الأرض.. وفى النهاية قد تجد نفسها فى مستنقع دموى عميق لحروب لا تنتهى سواء فى غزة أو فى لبنان.. أو حتى فى الصراع مع إيران.
هناك أوهام كبرى فيما يمكن أن يقدمه ترامب لإسرائيل كما يقول الإسرائيلى شالوم ليبنر.. لأن ترامب يرفض الحرب كمبدأ.. وبالذات الحروب الأبدية التى لا تنتهي.. وهناك حدود لما يمكن أن يقدمه ترامب لإسرائيل.
وتدرك إسرائيل جيداً أنه من المستحيل أن تحصل على تنازلات عربية أو على تأييد أى دولة عربية لأى مبادرة لا تنتهى بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة فى القدس والضفة الغربية وغزة.
.. قد يكون ترامب هو «الامبراطور الأمريكي» الذى انتظره نتنياهو.. ولكن هناك حدوداً لما يمكن أن يقدمه ترامب لإسرائيل على أطباق من فضفة أو من ذهب.. التاريخ يؤكد دائماً أن أمريكا تعلمت طويلاً منذ الدرس المرير لحرب فيتنام أن هناك حدوداً للقوة الأمريكية.. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاوزها.
.. وفى النهاية.. نكتشف أن البشرية تعيش حالياً فى أغرب عصور الزمن كما يقولون.. مع أن هذا العصر لا يبدو غريباً على طبيعة البشر. وكما تقوم الامبراطوريات وتسقط.. سوف يقول التاريخ كلمته.. النهائية حول مصير قيام ووجود دولة إسرائيل فى فلسطين.. ولا توجد دولة يمكن أن تعيش إلى الأبد بوسيلة واحدة.. هى القوة العسكرية.. هذا هو درس وكلمة التاريخ الأخيرة.