الإفلاس الفكرى يقود إلى عاصفة من الرغى التى تهب على أى مجتمع فتؤدى إلى تسطيح العقل الجمعى وتعميق سلوكيات الفهلوة وشيوع ظاهرة اللقطة، وعندما يسود الرغى وينتشر يظهر تباعا الرغى الآخر الذى يؤدى إلى مزيد من الإثارة الكاذبة والوعى الزائف ومن هنا يحدث الانفصال عن الواقع وهجرة الحقيقة إلى ملاذات فى غرف العقل الخلفية تبحث عن فرصة للخروج من شرنقة التفاهة، المجتمع الذى يعانى من خفة وزن مثقفيه وتفاهة منظريه وانسحاب عقلائه سيعانى حتما من نوبات وتشنجات مع كل أزمة تلوح فى الأفق، فمن يحاول التحكم فى مزاج المجتمع صار مجهول الهوية معلوم الهوي، ومع غزارة إنتاج الشائعات وتنوعها فى ظل حالة الارتباك الثقافى والفكرى وندرة وغربة المعلومات الموثقة نجد الحقيقة منزوية فى ركن ركين لا تجد إلا قليلاً من الشرفاء يدافعون عنها وبعضهم يفعل ذلك على استحياء مخافة الوقوع فى شرك وشراك أهل الشر، فالباطل وأهله ومناصروه وحواريوه تراهم ركعا سجدا فى محاريب الشيطان وسيماهم فى وجوههم من أثر النفاق والسخرية والكذب، أما أهل الحق والفضيلة فتراهم أخفض صوتًا وأقل حركة يتخفون ويخفتون بقولة الحق حتى وهم فى محاريب الحقيقة وبين يدى الحق، المجتمع المصرى يحتاج إلى عملية قلب مفتوح لتغيير الصمامات المتهالكة والتى ينزف منها وعى الأمة، نحتاج إلى تغيير كامل للسوفت وير الذى يحكم ويتحكم فى العقل المصرى ويفرز كل تلك السلوكيات التى نقف امامها كثيرا بالنقد دون أن نحرك ساكنا، لقد كنت وما زلت أبحث عن الرأى الآخر المغاير والمختلف، فالتنوع البشرى هو الأصل والتطابق هو الاستثناء، الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، هذا التعارف لن يتأتى إلا بالحوار والنقاش وتبادل المعارف والثقافات والعادات، فالتنوع جنسًا وعرقًا ولونًا ودينًا وثقافة هو سر البقاء، غير مُتصور أن نكون جميعا فى قالب واحد.. جنس واحد وعرق واحد ودين واحد ولغة واحدة وثقافة واحدة ورأى واحد، نحب جميعًا نفس نفس الشيء ونكره جميعًا نفس الشيء، هذا ضرب من الخيال ولون من الجنون، من هنا كان التنوع ثراء، وكان الرأى الآخر والفكر الآخر والثقافة الأخرى من ضرورات البقاء، أقول هذا وانا مؤمن بأن هناك خطاً فاصلاً بين المفكرين والمدمرين، بين أصحاب الرأى وأصحاب الهوي، أزعم أننى أحترم الرأى الآخر وأقدس وجوده وادافع عن حقه فى التواجد، لكننى لا أرى –وقد أكون مخطئا – أصحاب رأى آخر بل أصحاب هوى وغرض ولا يهدفون إلى تقديم فكرة جديدة أو رأى مغاير أو معارض يمكن أن يضيف إلى الصورة زوايا جديدة، لا أعمم فالتعميم باب الخطيئة ونافذتها، فهناك مفكرون ومثقفون وساسة لديهم الكثير، ولديهم آراء مختلفة تتسم بالتجرد والنقاء فهؤلاء يجب أن نبحث عنهم ونقدمهم للناس مع احترامنا لما يحملونه من آراء قد نختلف معها كليًا أو جزئيًا، أما مرتزقة الرأى الذين يحملون معاول الهدم من خلال اطروحاتهم التى تستهدف وعى الناس وتشويش معارفهم فنحن لهم بالمرصاد، نكشف ونفضح ونوضح وسلاحنا دومًا هو الكلمة.