بالتأكيد، أن عودة شركة «النصر للسيارات» إلى الحياة مرة أخرى بعد تعطل دام نحو عشرين عاماً، لن تكون هى الفرحة الأخيرة التى تثلج قلوب المصريين وتجعلهم يجددون الكثير من الذكريات حول عرباتها مصرية الصنع سواء تلك السيارات التى شاعت للركوب سواء فى «الملاكي» أو الأجرة وأيضا أتوبيساتها التى كانت تستخدم فى النقل العام وكانت العلامة التجارية «نصر» هى أول ما كان تقع عليه عيونهم وهم يترقبون وصولها إلى المحطات فى هذا الزمن الذى كانت تقل فيه السيارات الخاصة التى كانت قاصرة على طبقة بعينها وبماركات عالمية معروفة لم يكن لبلد نامِ مثل مصر فى هذه الفترة قادرة على المنافسة معها.
ولكن تفتق الذهن وقتها وفقاً للقول الشائع ما لا تدركه كله لا تتركه كله.. فكان الاتفاق مع شركة «فيات» الايطالية أن تشارك الصناعة المصرية بنسبة فى هذا التصنيع مع أمل فى أن تتزايد هذه المكونات سنة بعد أخري، وشاعت هذه المركبات وتكاثرت وأحيت الأمل فى نفوس المصريين لكى يمتلكوا سيارات شعبية من صنع بلادهم بأسعار معقولة تشجعهم على الادخار وتحقيق هذا الحلم، حتى جاء زمن الهجرة والعمل فى الخارج لتخلو الساحة لزمن الخصخصة وتراجع الصناعة والمصانع المصرية والخروج إلى المعاش المبكر واستسهال عملية الاستيراد من الخارج على طريقة «تسليم مفتاح»، وغابت العلامة المصرية عن هذا القطاع المهم فى الإنتاج وحلت محله مصانع أخرى للسيارات تعتمد على مجرد «التقفيل» فى مصر.. .
>>>
وإذا كانت فرحة المصريين كبيرة بعودة الشركة المصرية الأم لسيارات الركوب والأتوبيسات.. وأتصور أنها سوف تكون أكبر وأعظم مع شركة مصرية وطنية أخرى كانت تعمل فى مجال الأغذية والتصنيع للإنتاج الحيوانى وهى شركة «مصر للألبان والأغذية» التى مازالت أطلالها باقية فى حى الأميرية بشرق القاهرة مجرد مخازن لمعداتها وخطوط إنتاجها تعبث بها الفئران، بعد أن توقفت هذه الشركة العملاقة التى كانت تضم 9 مصانع يغطى إنتاجها من الألبان والجبن بأنواعه والزبادى والمسلى والأيس كريم كل محافظات الجمهورية.. وذلك بسبب الفساد الإدارى والمالي، حتى أنه جاء إليها 14 مفوضاً على مدار السنوات العشر الأخيرة قبل توقفها، فشلوا فى إصلاحها.. حتى أطلقت الحكومة عليها رصاصة الرحمة فى التسعينيات لتترك الساحة للشركات الخاصة التى صارت منتجاتها الآن صعبة المنال على الزبائن من الطبقة الوسطى والبسطاء، وعاد أغلب الناس إلى الزمن الماضى فى محاولة منهم لمكافحة غلاء الأسعار وصرنا نشاهد حتى فى الأحياء الراقية بائع اللبن المتجول بقسطه الشهير الذى كانت تحذر منه إعلانات وزارة الصحة.. ولكن ماذا يفعل الناس بعد أن قارب سعر علبة الجبن المعقم 50 جنيهاً وكوب الزبادى 10 جنيهات ونصف كيلو الجبن الطبيعى غير النباتى 90 جنيهاً، إلخ.
بالتأكيد، من الصعب أن تعود زجاجات اللبن المبستر التى تتحدث عنها أجيالنا الآن عبر السوشيال ميديا يتغنون بالزمن الجميل والأسعار الزهيدة، ولكن يمكن أن تعود إلينا شركة وطنية تعمل فى منتجات الألبان تنافس تلك الشركات الخاصة التى تزيد من أسعارها بمبررات واهية، ويمكن أن تحقق الطفرة فى الإنتاج الحيوانى وفرة للتصنيع فى ظل النهضة الزراعية التى تسعى إليها القيادة السياسية بخطوات جادة ومتابعة عبر الاجتماعات والجولات الميدانية.
>>>
باختصار، أتصور أن عودة شركة «مصر للألبان» سوف يكون «نصراً» آخر جديداً للصناعة المصرية مع إنتاجها ليدخل كل البيوت المصرية.
أتمنى أن توجه وزارة التربية والتعليم بأن تشمل الرحلات المدرسية زيارة المصانع ومواقع العمل والإنتاج، مثلما كان يحدث معنا فى فترة الستينيات.. على سبيل المثال كنا نزور فى شرق القاهرة شركة «مصر للألبان والأغذية» وشركة «بسكو مصر» التى تجاورها.. نتشرب طعم الوطنية والانتماء مع فخر الصناعة المصرية من خلال بعض عينات الإنتاج التى تقدم للضيوف الزائرين وهم يتمنون لنا مستقبلاً واعداً مع العمل فى مثل هذه المصانع كأجيال شعب عامل منتج لا يعمل شبابه فى «الدليفري» أو تصبح بلده سوقاً لإنتاج مصانع دول أخري.