فى وقت مبكر من صباح الخميس الماضي، لم يكن آلاف الفلسطينيين الجياع الذين توجهوا إلى نقطة توزيع المساعدات الغذائية عند مفترق دوار النابلسى بشارع الرشيد غرب غزة يعرفون أنهم سيلقون مصيرًا مشئومًا جراء نيران القوات الإسرائيلية فبحسب مصادر إسرائيلية لوكالة فرانس برس– و–أدقق هنا بأن المصدر إسرائيلي– فقد أطلق جنود إسرائيليون النار على الحشود الذين اقتربوا من شاحنات المساعدات بعدما شعرالجنود بتهديد والحقيقة لا نعرف أى تهديد قد يشكله أناس جوعى أنهكهم الجوع حد المرض يبحثون عن حفنة دقيق ولا يعرفون أن الثمن هو الموت ليسقط 112 شهيدا ونحو 760 بين قتيل وجريح وهذه واحدة من أشكال جرائم الإبادة الجماعية التى يمارسها الاحتلال بحق المدنيين فى إطار حرب التجويع الإسرائيلية وفى ظل فشل مجلس الأمن و منظمات المجتمع الدولى من وقف هذه الجرائم.
السؤال الذى يطرح نفسه: أين ضمير العالم من جوعى ذهبوا بائسين لتلقى طحين وعادوا شهداء مقتولين محمولين على نفس الشاحنات التى انتظروها بالأيام والساعات؟، كانت أحلامهم أن يستبدلوا طعامهم من علف الحيوانات وأوراق الصبار بطعام بشر، لكن رصاص الاحتلال اخترق أمعاءهم الخاوية.
عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة، بناء على طلب الجزائر، التى طرحت مشروع بيان رئاسى يعبّر فيه أعضاء المجلس الـ 15 عن «قلقهم العميق» إزاء مجزرة شارع الرشيد ويحمّل المسئولية لقوات الاحتلال الإسرائيلى التى أطلقت النار صوب الآلاف من المدنيين العزّل لكنّ النصّ لم يمرّ لأنّ إقرار البيانات الرئاسية لا يتمّ إلا بالإجماع، حيث أيّد النص 14 عضوًا وعارضته الولايات المتحدة الأمريكية لرفضها تحميل مسئولية ما جرى إلى إسرائيل وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت «الفيتو» الأسبوع الماضى للمرة الثالثة لعرقلة مشروع قرار يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة.
بالنظر إلى هذه الجريمة فى سياق التحركات الدولية التى تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة والتى كانت أقرب للتوصل إلى اتفاق هدنة طويلة نسبيا قبيل شهر رمضان فيمكننا القول إن ما حدث كان مقصودا ومخططا له من جانب حكومة نتنياهو لإفشال هذه الهدنة المرتقبة فى ظل الضغوط التى تتعرض لها لإبرام اتفاق وإعادة ما تبقى من أسراهم لدى حماس كما أن هذه الطريقة التى نفذت بها المجزرة تم تجريبها سابقا من قبل إسرائيل فبحسب تقارير حقوقية دأب جيش الاحتلال على استهداف المدنيين عند تجمعهم قرب نقاط دخول وتوزيع الإمدادات الإنسانية فى غزة، سواء بإطلاق النار أوالقصف المدفعي، وهكذا تتعمد إسرائيل استخدام سلاح الجوع ضد المدنيين بمنع وصول المساعدات بكمائن تستهدف الباحثين عن الطعام ما يؤكد الإصرار على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد السكان المدنيين فى القطاع منذ السابع من أكتوبر من العام الماضى فى ظل معاناة مئات الآلاف فى غزة من شبح الجوع.
فى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس الأمريكى بايدن قبل يومين هذه المجزرة أنه يتوقع التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الاثنين كان نتنياهو يصرح بأن المعطيات على الطاولة لا ترضى إسرائيل وأنه لا تفاؤل بهدنة كما قال بايدن وبعد مجزرة شارع الرشيد عاد الرئيس الأمريكى ليسحب تفاؤله ويعترف بأن الأمور تعقدت.
كان الرئيس الأمريكى يريد التوصل لاتفاق الهدنة يوم الاثنين لكنه لم يسأل نفسه ماذا قدمت الولايات المتحدة فى يومى السبت والأحد لتأخذ بهما النتيجة يوم الاثنين؟ أوبالأحرى ماذا قدمت الولايات المتحدة فى هذه الأزمة منذ السابع من أكتوبر لتوقف هذه الحرب؟ المثل الشعبى المصرى يقول «من يقدم السبت يأخذ الأحد» وللأسف كل ما قدمته الولايات المتحدة منذ بداية الحرب حتى الآن هو الذى يدفع إسرائيل على التمادى فى جرائمها!! يكفى التذكير بأن السلاح الذى استخدمه الجنود الإسرائيليون فى قتل الجوعى الفلسطينيين عند دوار النابلسى وكذلك القذائف التى أطلقت وتطلق عليهم منذ السابع من أكتوبر هى سلاح أمريكى جاء لإسرائيل كهدايا متدفقة منذ بداية هذه الحرب لا يغرنكم الخطاب الإعلامى الركيك الذى يتم ترويجه فى بعض الصحف الأمريكية والإسرائيلية بأن هناك خلافا بات شبه معلن بين الرئيس بايدن و نتنياهو فكل الأمور تسير بحسب خطة الدعم الأمريكى اللامحدود لإسرائيل والولايات المتحدة الآن ينظر إليها فى العالم على أنها شريك فى الحرب وليست مجرد داعم لإسرائيل.
أخيرا: أين كانت الرحمة والإنسانية و حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات «الأمريكية البراقة» عندما اعترضت مندوبة الولايات المتحدة فى مجلس الأمن على خروج بيان يحمل إسرائيل مسئولية ما حدث؟! وهو فى الأخير مجرد بيان لايقدم ولا يؤخر ولا يعيد القتلى للحياة فقط مجرد إشعار بالقلق!! فحتى القلق من جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين لا تقبله أمريكا وكأنها اعتادت أن تقلق فقط على إسرائيل وترفض أن يقلق أحد منها بهذه الطريقة مع الأسف تظل الآمال لإنهاء هذه الحرب معدومة مالم تغير الولايات المتحدة موقفها.