شهدت الآثار المصرية فترات من التجاوز سمحت لجماعات تخصصت فى سرقة الآثار بأن تقوم باقتطاع أجزاء من التاريخ والهوية المصرية وتبيعها بثمن بخس لسماسرة يقومون بشراء تلك الكنوز ثم يعرضونها على المتاحف الدولية ممن يرغبون صناعة تاريخ لأنفسهم على حساب حضارات غيرهم..ولذلك حرص د.زاهى حواس أبرز رموز علم الأثريات فى العالم على تشكيل لجنة لاسترداد القطع الأثرية والممتلكات الثقافية التى خرجت بطرق غير شرعية، وهدف اللجنة محورى يبدأ بالبحث عن القطع الأثرية ومتابعتها فى صالات المزادات أو مواقع بيع المباشر أو حتى المتاحف، وتتعاون اللجنة مع الجهات المختلفة بهدف استعادة التاريخ المصرى المنهوب، وبالفعل نجحت فى استرداد 30 ألف قطعة منذ عام 2011 ولا يزال البحث مستمرا حتى تعود الآثار المنهوبة إلى أحضان متاحف مصر .
«الجمهورية» حاورت شعبان عبد الجواد مدير الإدارة العامة لاسترداد الآثار الذى كشف العديد من التفاصيل حول طبيعة عمل اللجنة ونجاحاتها والمعوقات التى تقف فى طريق تنفيذ أهدافها ومعرفة قدرتها على تخطى تلك الحواجز.
> سألناه عن تاريخ إنشاء إدارة الآثار المستردة ؟
>> انشئت عام 2002 بقرار من د. زاهى حواس وقتما كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار، بهدف متابعة ما يتم رصده من آثار مصرية بصالات المزادات الخارجية أو مواقع البيع المباشر أو ما يتم ضبطه فى المطارات والموانئ العالمية، وعمل الإدارة مرتبط بالتعاون مع وزارة الخارجية، وإدارة التعاون الدولى بمكتب النائب العام، والجهات الأمنية والرقابة على استرداد الآثار التى تم تهريبها من مصر بطرق غير شرعية.
> هل توجد قوانين مُنظمة لإجراءات استرداد الآثار وهل تستطيع مواجهة جميع حالات التهريب أم تحتاج تعديلات؟
>> القوانين المنظمة لإجراءات الاسترداد تم النص عليها فى اتفاقية اليونسكو الصادرة عام 1970م وقامت مصر بالتوقيع عليها عقب الانضمام إليها عام 1973م، وتتضمن الاتفاقية حماية الإرث الثقافى والحفاظ عليه، وإبرام مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع البلاد التى يتم عرض الآثار بها أو الأماكن التى يمكن استخدامها من المهربين بهدف تمرير تلك القطع لدول أخري، ونعمل وفق آليات تلك الاتفاقية على استرداد كثير من الآثار المنهوبة، ومنها ما تم استرداده من بلاد حدودية لمصر وبعض الدول الأوربية وأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها، وتلك القوانين تكفى لاسترداد الآثار خاصة التى خرجت من مصر بطرق غير مشروعة، وفى حالة احتياجنا لتعديل قانونى وفق المستجدات فإن الدولة تستجيب بما يحقق مصلحة التاريخ المصري، ومؤخرًا تم تعديل قانون الآثار المصرى الصادر عام 1983م بقانون صدر فى 2010م، وتم تعديله مرة أخرى فى 2018م وأخيرًا فى 2020م، فالقوانين مرنة والإعداد التشريعى نعمل عليه، ولكن هناك دول لديها تجارة الآثار تجارة مشروعة مما يصعب علينا إجراء الاسترداد.
> هل يمكنكم اقتراح تعديلات على اتفاقية اليونسكو، بما يساعد فى استرداد آثارنا بالخارج؟
>> منظمة اليونسكو تعمل تحت مظلة اتفاقية إطارية دولية كبيرة قام بالتوقيع عليها أكثر من 193 دولة على مستوى العالم لمنع تداول الآثار والممتلكات الثقافية بين الدول بطريقة غير مشروعة، وتعديل أياً من بنود هذه الاتفاقية يحتاج لاتفاق عدد كبير من الدول الأعضاء الموقعين وهو ما يصعب عملاً تحقيقه، لكننا قمنا بالاستعاضة عن ذلك بإبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول الحدودية وكان الإطار الأكبر مع دول الاتحاد الأوروبى هذا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت مصر أول دولة إفريقية وشرق أوسطية تم إبرام اتفاق ثنائى معها عام 2016م تم تجديده فى 2021م لخمس سنوات أخري، وهناك اتفاقيات مع دول أخرى تعانى مثلنا من تهريب آثارها لتبادل المعلومات من دول أمريكا اللاتينية مثل: بيرو، والإكوادور، وجواتيمالا، وجارى العمل على إعداد مجموعة من الاتفاقيات سوف نعلن عنها فور التوقيع عليها فى حينه.
> هل نتجت عن تلك الاتفاقيات الثنائية استرداد مصر أى قطع أثرية؟
– بالطبع نتجت عن تلك الاتفاقيات الثنائية فى إعادة كثير من القطع ولا يمر عام دون استرداد قطع أثرية نتيجة تلك الاتفاقيات، وأبرز تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وإسبانيا وإيطاليا.
> انتشر مؤخرا بيع الآثار عبر المواقع الإلكترونية، والمزادات، هل يمكنكم ملاحقة وتتبع تلك القطع لإعادتها؟
>> هذا هو الدور الرئيسى للإدارة والذى أنشئت من أجله لمتابعة ما يتم عرضه من آثار مصرية فى دور المزادات أو مواقع البيع المباشر على الإنترنت ويتم رصدها والعمل على التأكد من طريقة خروجها من مصر أولاً، وفى حالة ثبوت إخراج تلك القطع من مصر بطرق غير شرعية يتم التعامل معها بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية عبر قنصلياتها الموجودة بالخارج ومع إدارة التعاون الدولى بمكتب النائب العام المصرى وكافة الجهات الأمنية والرقابية ويكون العمل فى سرية تامة حتى يتم نجاح القضية واسترداد تلك القطع والإعلان عنها، ولا يمر شهر حتى نحقق استرداد مجموعة من القطع الأثرية من الدول المختلفة.
> القطع الأثرية المصرية تزين معظم متاحف العالم، هل لدينا خطة لاستردادها؟
>> الإدارة تقوم بمتابعة جميع القطع سواء فى صالات مزادات أو مواقع أو حتى متاحف إذا ثبت خروجها من مصر بطريقة غير شرعية أياً كان مكان تلك القطع طالما تثبتنا من عدم شرعية خروجها وفقًا للقوانين المصرية أو الاتفاقيات الدولية
> تعمل الوزارة مع العدل والخارجية لاسترداد الإرث الثقافى كما ذكرت، ما هى أهم الحالات التى أنجز فيها الشق القانونى لإعادة القطع؟ وما هى أهم القطع التى فُعل فيها الشق الدبلوماسي؟
>> لدينا قضايا مختلفة وكثيرة منها ما تم استرداده بالطرق الدبلوماسية ومنها بالطرق القانونية، وأهم القطع التى فعل فيها الشق القانونى وتم العمل عليه كثيرًا حيث لاحظنا أن متحف متروبوليتان بنيويورك، يعرض تابوتًا أثريًا للكاهن «نجم عنخ» وعلى الفور تمت مخاطبة المتحف لإيقاف عرضه، كما تم إثبات أن سند الملكية الذى كان بحوزة المتحف مزور، وتم تسليمه وإعادته لمصر مرة أخري، وهناك بعض القطع الأخرى التى تم استردادها عن طريق الدبلوماسية المصرية والمفاوضات، وكل قضية تحتاج لصفحات لسردها وتوضيح مدى الجهد المبذول من كافة الجهات المشاركة لاسترداد أى من تلك القطع والتى لا يسع المجال لذكرها
> ما هى عدد القطع التى عادت إلى مصر بجهود إدارة الاسترداد ؟
>> عدد القطع التى تم استردادها منذ 2011م وحتى الآن ما يقرب من 30 ألف قطعة أثرية من كثير من دول العالم أمريكا وكندا والمكسيك.
> ما هى أهم القطع المستردة ؟ وهل تمت الاستعانة بها فى سيناريوهات العرض المختلفة للمتاحف حاليًا؟
>> بالفعل القطع المستردة تلعب دورا هاما ويتم عرضها فى مختلف المتاحف فعند زيارة متحف الحضارة سنرى تابوت نجم عنخ المُذْهَب وكذلك الهيكل العظمى المسمى بهيكل نزلة خاطر فى صالات عرض المتحف، ويوجد أيضا فى المتحف المصرى بالتحرير ومتحف الغردقة ومتحف شرم الشيخ ومتحف الأقصر وغيرها من المتاحف المصرية.