من حق المصريين أن يفرحوا بإعادة تشغيل شركة النصر للسيارات، ومن حق الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء أن يصف يوم الاحتفال ببدء التشغيل بـ «يوم العيد»، فالشركة تشكل احدى قلاع الصناعة المصرية، واعادتها للعمل و»الحياة» تمثل حدثاً وطنياً كبيراً وتحولاً مهماً فى مسيرة التنمية وتوطين الصناعة بمصر، وليست مبالغة فى أن نعتبر هذا اليوم أحد أهم محطات النجاح والإنجاز فى الجمهورية الجديدة التى يجب أن نتوقف عندها بالقراءة والتحليل، وفى إطار معان كثيرة نحتاج لاستعادتها للتغلب على مشاعر القلق والتوتر التى تسيطر على البعض منا فى الوقت الحالى بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها السلبية على مصر، وبسبب التحديات العديدة التى تواجه مصر نتيجة الحروب والصراعات فى دول الجوار الشقيقة.
فهذه التحديات جعلت البعض يتصور أن الدور المصرى سيتراجع وأن الكثير من المشروعات التنموية الكبرى ستتوقف وهو ما لم يحدث على الإطلاق، ومن ثم فإن إعادة تشغيل «النصر للسيارات» تحمل فى طياتها الكثير من الإشارات و»الذكريات»، ما يكفى للتأكيد على أن مصر بخير رغم ما تعانيه من بعض الأزمات وأنها ماضية فى تنفيذ «رؤية 2030» وما تحمله من طموحات كبيرة فى كافة المجالات، أيضا فإن هذه الإشارات تكفى للرد على حملات التشكيك التى تشنها جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من الجهات الأجنبية التى تتآمر على مصر وتحاول توريطها فى سيناريوهات الفوضى والأزمات التى تعانى منها بعض دول المنطقة.
لقدت أسست شركة النصر للسيارات فى العام 1959 أى بعد ثورة 23 يوليو 1952 بسبع سنوات- وتعلقت بها أجيال عديدة كأول شركة مصرية وطنية نجحت فى انتاج أول سيارة تحمل علامة «صنع فى مصر»، واحتلت الشركة مساحة كبيرة تقترب من 900 ألف متر مربع فى منطقة وادى حوف بحلوان، وضمت 9 مصانع عمل بها آلاف العمال المهرة فى صناعة السيارات والمركبات، وذلك فى اطار مشروع الحكومة المصرية فى ذلك الوقت والمسمى «من الإبرة إلى الصاروخ» وبهدف تجميع السيارات فى المرحلة الأولى ثم الانتقال لتصنيع السيارات بشكل كامل فى مرحلة لاحقة.
غير أن الشركة توقفت عن العمل والإنتاج لمدة خمسة عشر عاما قبل إعادة تشغيلها هذا الأسبوع، ما يعنى أن الصناعة الوطنية المصرية تعرضت لانتكاسة كبيرة فى العقود الماضية، لأسباب عديدة لا داعى لذكرها الآن، لكن الملاحظة المهمة فى هذا السياق هى أن شركة النصر للسيارات تم اغلاقها بقرار خاطئ عام 2009 وهو نفس ما حدث فى هذه الحقبة بالايقاف أو البيع مع شركات ومصانع تعمل فى مجالات أخري، مع فتح المجال للشركات الأجنبية المتخصصة للعمل بالسوق المصرية، لذا تأثرت الصناعة الوطنية وبشكل كبير فى هذه المرحلةالتى مرت بها البلاد وشهدت مصر خلاها العديد من التحولات والسياسات الخاطئة التى استغلها الغرب و» الإخوان المجرمون» فى إشعال أحداث يناير 2011 وما انتهت إليه من انخفاض الاحتياطى النقدى الاستراتيجى إلى مستوى متدن، ووصول الجماعة الإرهابية للحكم، ثم ظهور الإرهاب ومخاوف الحربالأهلية التى انقذتنا منها ثورة 30 يونيو 2013.
من هنا يمكن القول أن اعادة تشغيل «النصر للسيارات» وقبلها تطوير عدد كبير من مصانع الغزل والنسيج ومصانع أخرى فى مجالات متعددة، ينعش ذاكرة المواطنين بأحداث وانجازات عشر سنوات مضت تضمنت إنقاذ الدولة المصرية من إرهاب الإخوان ومن الوهن الذى أصاب قطاعات كثيرة فى عقود سابقة، وقد تحمل الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ عام 2014 مسئولية إعادة البناء كاملة، وأطلق «رؤية مصر 2030 « والتى حملت العديد من البنود والأهداف تصب جميعها فى تأسيس الجمهورية الجديدة واطلاق المشروع التنموى العملاق فى كافة المجالات، وهو ما نجنى بعض ثماره الآن.
فى الأخير، فإن أهم ما يجب أن نستوعبه من هذه التطورات هو أن الدولة المصرية تعمل ليل نهار، وتريد التقدم والنجاح وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا تريد الانتقام مثل الجماعة الإرهابية، أيضا إن القيادة السياسية المصرية تجابه أعتى التحديات فى العصر الحديث، وهى فى ذلك لا تخشى المؤامرات الخارجية بقدر ما هى مشغولة بمواصلة النجاحات والحفاظ على أمن واستقرارمصر، ووحدة وتلاحم المصريين.