استغرب من حماسة وفرحة البعض بفوز دونالد ترامب برئاسة امريكا، الذى وصل لوقوفهم خلفه فى الانتخابات الامريكية ومنحه أصواتهم من أجل هزيمة هاريس.
والآن بدأت تظهر خيبة الأمل، خاصة من المسلمين الأمريكان الذين أعطوه أصواتهم مع بدء اعلان ترامب عن اختياراته للمناصب الوزارية.
سبب دهشتى من سذاجتهم، أنه لا أحد على وجه الأرض يعتقد أن هناك ثمة اختلاف بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى ولو درجة طفيفة فى تأييدهما لإسرائيل.. الفارق بينهما فقط، فى وقاحة الطرح.. بعضهم تصل فجاجته بإظهار انعدام حسه الانساني- ولن أقول السياسي- حين يطالب بطرد الفلسطينيين من أرضهم وحق اسرائيل فى القضاء على الفلسطنيين وإبادتهم.. الفارق بينهما فقط فى الطريقة.. احدهما يقتلك بقفاز حرير، والثانى بخنجر.. واحد يقتلك بمسدس، والثانى يقتلك بالغاز.. يعنى كله قتل.
الغريبة، أننا نتمتع جميعا بذاكرة السمك وبدرجة مدهشة التى تصل إلى حد السذاجة.
المسلمون الامريكان مندهشون من اختيارات ترامب لمعاونيه، وكأن ترامب لم يفعل فى ولايته الأولى ما لم يفعله أى رئيس أمريكى سابق مثل افتتاح السفارة الامريكية فى القدس واطلاق قطار التطبيع بسرعة جنونية فى العالم العربى بالعصا والجزرة!
الغريب، أن الموجودين داخل المجتمع الامريكى نفسه لم يفهموا محددات السياسة الامريكية.. لم يفهموا أنه من أباد الهنود الحمر ليستولى على أرض أمريكا، يدعم الآن وبلا هوادة إبادة الشعب الفلسطينى بالحرق بالقتل بالغاز.. لا تفرق الوسيلة، مادام الهدف واحداً!!
سبب استغراب الامريكان المسلمين من نهج وتفكير ترامب وكأنهم فوجئوا به، ترشيحه مثلاً لعضو مجلس الشيوخ الأمريكى عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، والمعروف عنه تأييده العلنى لإسرائيل ورفضه الضغط عليها لوقف إطلاق النار.. وكأن هذا الرأى لم يعلنه ترامب نفسه، حين انتقد الرئيس بايدن فى تصريحاته «لزوم التمويه» وتوزيع الأدوار، عندما طالب «نتن ياهو» بعدم الإفراط فى القوة وعدم استهداف المدنيين!
ترك المسلمون الامريكان ترامب الذين منحوه أصواتهم وتذكروا الآن ردماركو روبيو على ناشطة أمريكية مناهضة لاستمرار الحرب، عندما سألته عما إذا كان يؤيد وقف إطلاق النار فى غزة نهاية عام 2023، أجابها روبيو: لا، لن أفعل، على العكس أريدهم أن يدمروا كل عنصر من حماس يمكنهم الوصول إليه.. يندهشون الآن من قول روبيو إن «حماس» لا إسرائيل هى من تتحمل مقتل المدنيين فى غزة.
المعروف أيضا عن روبيو انتقاده الشديد لإيران وتأييده دعوات تشديد العقوبات الأمريكية عليها، يعنى ترامب لا يحمل خيراً للعرب أو إيران مثل بايدن، لكن مع اختلاف الطريقة!
لم يقف الأمر عند اختيار وزير الخارجية، لكن ترشيح ترامب للنائبة الجمهورية فى مجلس النواب إليز ستيفانيك لشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة، التى وصفتها من قبل بأنها «وكر لمعاداة السامية» ومعبرة عن تضامنها الكامل مع إسرائيل ورافضة أى دعوات لمقاطعة إسرائيل أو حظر إرسال السلاح الأمريكى إليها، ووصل الشطط بطلبها المساندة غير المشروطة للجيش الإسرائيلى بكل ما يحتاجه، متى يحتاجه، من دون أى شروط تعوق إنجاز النصر الكامل.
ولأن المسلسل مستمر وأنا لا أستغربه لأنه من الطبيعى أن يختار أى مسئول معاونين له يتفقون مع توجههه، الذى لا يعقل اختيار المختلف معه.. لذلك رشح ترامب حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابى لمنصب سفير الولايات المتحدة فى إسرائيل، وهو المعروف بتأييده الكبير لإسرائيل الذى وصل لقوله عام 2008 إنه يعتقد أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطيني.. لذلك يرفض قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.
فهل بعد هذه الاختيارات يوجد أدنى مساحة لاندهاش المسلمين الامريكان ولوم النفس على تأييدهم لترامب الذى وصل إلى حد تأسيس حملة «مسلمون من أجل ترامب» احتجاجاً على دعم إدارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل فى حربى غزة ولبنان.
على الجانب الآخر، تنبأت «جيروزاليم بوست» بأن ترامب سيأتى بالتطبيع مرة أخرى إلى الشرق الأوسط.. والغريب، أن البعض يصر على الاستمرار فى طريق السذاجة والأوهام إلى حد المرض الذى وصل إلى ترديد البعض لمقولات ساذجة، من عينة إن مرشحى ترامب قد يغيرون آرائهم بعد توليهم مناصبهم!
افيقوا يرحمكم الله «لن يحك جلدك سوى ظفرك»، ومن شهد إبادة أهله أمامه فى غزة وهدموا بيته على رأسه وشاهد حرب الإبادة أمام صمت العالم كله، لن يسكت عن حقه حتى لو كنا كلنا ضده!!