تابعت قمة مجموعة العشرين التى اختتمت أعمالها فى البرازيل أمس، ضمن متابعتى لكل ما يعقد من قمم على مستوى العالم وقاراته وأقاليمه، وقراءة بياناتها الختامية بحثاً عن نقطة ضوء أو شعاع أو ارهاصات موقف يتعلق بقضايا منطقتنا شديدة الاضطراب، وتداعياتها التى أصبحت تحاصر مصر من كل صوب بالأزمات والتحديات.
قمة مجموعة العشرين مهمة، وأهميتها تنبع من تشكيل المجموعة نفسها الذى يجعلها تجمعاً مصغراً لكل قارات العالم وأقاليمه، ومنظماته وكياناته.. والمجموعة بهذا يمكن وصفها بأنها تمثل »خلاصة« ما نسميه بالمجتمع الدولي.
ومجموعة العشرين تضم العشرين دولة صاحبة أقوى الاقتصادات العالمية.. وأظن أن القارئ المهتم بقضايا وطنه ومحيطه وعالمه، قد يحتاج بعد هذه المقدمة إلى ما يؤيدها من تفاصيل.. وهذا ما سأفعله.
الدول العشرون أعضاء المجموعة هي:
»الولايات المتحدة ــ بريطانيا ــ فرنسا ــ روسيا ــ الصين ــ كندا ــ المكسيك ــ ألمانيا ــ إيطاليا ــ اليابان ــ كوريا الجنوبية ــ الهند ــ تركيا ــ اندونيسيا ــ استراليا ــ جنوب أفريقيا ــ البرازيل ــ الأرجنتين ــ السعودية، ثم الاتحاد الأوروبي«.
نظرة سريعة على هذه الدول سوف تكشف لنا عناصر »التفرد« الذى تحظى به هذه المجموعة خلافاً لما سواها على مستوى العالم.
-1 فهى تضم الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين أصحاب حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى »الولايات المتحدة ــ بريطانيا ــ فرنسا ــ روسيا ــ الصين«.
-2 وهى تضم الدول السبع الصناعية الكبرى التى تشكل مجموعة بهذا الاسم وهي: »أمريكا ــ بريطانيا ــ فرنسا ــ ألمانيا ــ إيطاليا ــ اليابان ــ كوريا الجنوبية«.
-3 وهى تضم الدول الخمس المؤسسة لتجمع »بريكس« وهي: »روسيا ــ الصين ــ البرازيل ــ الهند ــ جنوب أفريقيا«.
-4 وهى تضم ممثلين عن كل المنظمات الإقليمية والقارية على مستوى العالم كالتالي:
»السعودية من جامعة الدول العربية ــ تركيا واندونيسيا إلى جانب السعودية من منظمة التعاون الإسلامى البرازيل والأرجنتين من منظمة دول أمريكا اللاتينية ــ جنوب أفريقيا من الاتحاد الأفريقى استراليا دولة وقارة ــ اندونيسيا من منظمة دول جنوب شرق آسيا »الآسيان« ــ ثم الاتحاد الأوروبى الذى يحتسب كعضو وهو يمثل فى نفس الوقت سبعاً وعشرين دولة.
هذا يعنى أن هذه المجموعة:
تملك كل مصادر القوة الاقتصادية أولاً باعتبار دولها صاحبة الاقتصادات الأقوى فى العالم.
وأنها لا تمثل نفسها أو دولها فقط، وإنما هى تعكس ــ بشكل عام تمثيلاً دولياً متكاملاً سواء على المستوى القارى أو تمثيل الشمال والجنوب العالميين.
وأنها أيضاً لا تمثل النظام العالمى القائم، فحسب، بل أيضاً إرهاصات النظام العالمى »القادم«، بتعددية أطرافه وتنوعها، كما تعبر عنه مجموعة »بريكس«.
فى إطار هذه المواصفات، فإن المتابع لمخرجات قمة هذه المجموعة، حين تنعقد فى عالم مضطرب مثل عالمنا اليوم، يتوقع أن تكون هذه المخرجات مختلفة عن سائر مخرجات أى قمة لأى تجمع غيرها فى العالم.
فلدى قادة هذه المجموعة الفرصة و القدرة على مناقشة أى قضية تهم شعوب العالم أو تؤثر فيها.. ولديهم الفرصة والقدرة لاتخاذ »قرارات« قابلة للتنفيذ على الأرض وليس الاكتفاء بتسجيل مواقف، فهم أقرب حتى من مجلس الأمن الدولى نفسه إلى أن يكونوا »مجلس إدارة« للعالم، وأكثر تعبيراً منه عن خلاصة المجتمع الدولى بمتغيراته المعاصرة.
بالطبع، لا ينبغى أن نتجاهل حقيقة أن هذا التنوع الذى تتشكل منه المجموعة، وإن كان يمثل ميزة تنفرد بها عن غيرها، وتحملها مسئوليات أكبر، وتجعل آمال الشعوب تتعلق بها أكثر، فإن لهذا التنوع وجهه الآخر، وهو أنه يشكل قاعدة للاختلاف أكثرمما يدفع على الاتفاق، وبالتالى يجعل مسألة الوصول إلى إجماع أو حتى توافق حول القضايا الخلافية مسألة بالغة الصعوبة، إلا إذا كان هذا الإجماع أو التوافق على »الحد الأدني« لما هو مطلوب اتخاذه، وهذا يفرغ المخرجات من قوتها.
أضرب مثالاً بما تضمنه البيان الختامى للقمة عن قضيتنا فى الشرق الأوسط وهى القضية الفلسطينية، والحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة، وضد الشعب اللبناني:
ــ الدعوة إلى ضرورة وقف إطلاق النار فى غزة ولبنان.
ــ ضرورة توسيع المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وتعزيز حماية السكان المدنيين.
ــ حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره.
ــ الالتزام الذى لا يتزعزع برؤية حل الدولتين بما يتماشى مع القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
حسناً.. قرارات جيدة، ومطروحة على الساحة إلى جانب عشرات من القرارات الصادرة عن أجهزة الأمم المتحدة وفى مقدمتها مجلس الأمن والجمعية العامة، وتوصيات محكمة العدل الدولية.. إلى آخره.
ما ينقصنا هو تنفيذ هذه القرارات.. كيف؟ أو بأى آليات؟! ووفقاً لأى جدول زمني؟! وبتحديد لعواقب عدم التنفيذ أو الالتزام على الطرف الذى يرفض أو يتلكأ أو يتحايل.
وأضرب مثالاً آخر، من ذات القمة لذات المجموعة، كنموذج للقدرة على الفعل، وأعنى به مبادرة الرئيس البرازيلى »لولاداسيلفا« بإطلاق تحالف عالمى لمكافحة الفقر والجوع، فقد حظيت هذه المبادرة بدعم أكثر من ثمانين دولة وقعت عليها أو أعلنت الانضمام للتحالف وفى مقدمتها مصر، كما تعهد قادة قمة العشرين فى بيانهم الختامى بالتعاون لفرض ضريبة فعالة على أكبر أثرياء العالم لصالح المبادرة.
ولنا فى هذا النموذج قدوة ــ رغم اختلاف القضايا ــ وهو التحالف الذى أطلقته المملكة العربية السعودية مؤخراً لدعوة دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو يحتاج حشداً عربياً وإسلامياً لإنجاحه والوصول بعدد الدول المنضمة إلى النصاب الذى لا يجعل أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن مفراً من إقرار الحق الفلسطينى فى العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية فى المنطقة الدولية.
إن ما أبديه من ملاحظات على مخرجات قمة العشرين ينطلق من قاعدة حسن الظن وحجم الآمال المعقودة عليها وعلى قدرتها على الضغط لتفعيل القرارات الدولية العالقة بشأن قضايانا وأى قضايا أخرى تهم شعوب العالم.