كرة القدم ليست مجرد الجري خلف الكرة والكل يتسابق لركلها إلي داخل الشباك، ولا مجرد اللهث والجري لأمثل الأهلي أو الزمالك.. ويصبح لدي سيارة وشقة ولقاء علي الشاشة.. هذا كل طموحنا وعهدنا بالساحرة المستديرة.. الكرة.. أو معشوقة الجماهير.. تلك الساحرة المستديرة.. صارت صناعة كبيرة وعلمًا يبني علي أسس ومعايير.. وبناء إنسان فني وبدني وصقل مواهب وصناعة نجوم بالملايين.. وبمقارنة بسيطة بين تقييم اللاعب لدينا.. وأسلوب وطرق تقييم اللاعب في الدوري الأوروبي.. تدرك المسافة البعيدة كما بين الأرض ومجموعة الكواكب القمرية بين الكرة لدينا.. والكرة لديهم.
>>>
عندما نرفع اللاعب إلي عنان السماء لمجرد تسديدة محظوظة سكنت شباك الخصوم.. أو تمريرة ساعدها «الهوا» في الوصول إلي زميل.. أو مراوغة بالصدفة شربها المنافس.. تتحدث الصحف والبرامج طوال الأسبوع عن المحظوظ الذي سجل بدعاء الوالدة.. ويصبح نجمًا يطالب بالملايين.. ثم ربما يذهب للأهلي أو الزمالك بهذا الهدف الصدفة.. وأذكر لاعبًا دون ذكر أسماء أجاد في تمريرة وهدف ومراوغة لمدافع السودان في مباراة المنتخبين.. وظلت البرامج تمدح في اللاعب.. وكيف أعاره الزمالك لسموحة.. وكيف.. وكيف.. وخرج رئيس نادي سموحة وقال اللي عاوز اللاعب يدفع ٠٥ مليون جنيه.. ويومها كتبت مقالاً تحت عنوان «تمريرة بـ ٠٥ مليونًا»، ولا أقلل من اللاعب فهو فوق رأسي وله كل تقدير.. ولكن أتحدث عن التقييم غير الموضوعي وغير العلمي للاعب لدينا تقييم بالقطعة.. واختفي اللاعب بعدها ولا أهلي ولا زمالك ولا حتي منتخب.. وأذكر أنه في بداية التسعينيات سجل لاعب من المنصورة في الزمالك.. ثم سجل في الأهلي.. فأسرع الزمالك بضمه.. ولم يكمل ولم يظهر.. هذا هو التقييم غير الموضوعي وصناعة نجم خيالي و»ريش علي مفيش» كما يقول مثلنا الشعبي.. وما يقال عن اللاعب يقال علي المدرب.. والفرق.. واذكر الموسم قبل الماضي فاز أسوان علي الزمالك بالحظ والحماس.. ومدحت البرامج حتي الصباح في المدرب والفريق ثم هبط الفريق للدرجة الأدني تقييم عشوائي وغير موضوعي.. للاعب.. والمدرب.
>>>
وطالعوا.. أسلوب بناء اللاعب بدنيًا.. وفنيًا.. وأسلوب تقييمه الموضوعي والعلمي.. وأسلوب تغذيته.. وتنظيم حياته.. في أوروبا لتعرفوا الفارق.. يرصد محلل الأداء لكل لاعب.. كم مباراة شارك فيها، وكم دقيقة لعبها.. وكم كيلو قطعه في المباراة.. وكم تمريرة سليمة.. وكم مراوغة مجدية.. وكم تسديدة علي المرمي بين الثلاث خشبات.. وخارجها.. وتحركه في الملعب بكرة وبدون وتسهيل مهمة زملائه عند استحواذهم علي الكرة وظهوره في موقع يسهل مهمة التمرير له.. والحفاظ علي وزنه اليومي وأداء التدريب.. ومواعيد حضوره.. كل شيء له حساب ودرجة ويؤخذ في الحسبان.. تقييم موضوعي بدقة متناهية ليس خلال مباراة ولا مباراتين ولكن طوال العام في التدريب وفي المباريات، لذلك يكون ثمن اللاعب واقعي وبلا مغالاة ولا مبالغة.. ولا يختلف ناديان علي المبلغ، ولا يزايد أحد علي الآخر لأن هناك محاسبة وتقييم موضوعي دقيق.. وليس كما يحدث لدينا، لاعب يأخذ الملايين ولا يعطي بملاليم.. وحتي نصنع لاعب بطولات، لابد من فتح باب الاحتراف.
>>>
ولأن الكرة أصبحت صناعة ومهارة ولياقة وعلماً.. التدريب يأتي من أهم أضلاع مثلث النجاح الكروي «اللاعب، المدرب، الإدارة» والمدير الفني يجب أن يكون مؤهلاً علمياً وفنياً وذا شخصية قيادية ونموذجاً وقدوة في الملعب وخارجه، ولا يكفي أبداً أن يكون المدير الفني مجرد حماسي، يثير حمية اللاعب ويحفز عطاءه علي البساط الأخضر، وإلا زودنا الجمهور بالأغاني الوطنية المحفزة والدفوف لتشجيع الفريق دون هوادة، التدريب شيء آخر غير الحماس والزعيق والوقوف علي الخط.. واسألوا ديجو سيميوني المدير الفني لأتلتيكو مدريد، وجارديولا المان سيتي وأنشوليتي الريال، مع الفارق الكبير في الدخول والرواتب، لكن التدريب علم وخطط وإدارة وقيادة وقراءة ملعب ودراسة وتطور فكري وتدريبي متجدد.. فماذا درس مدربونا في عالم الكرة والتدريب؟!.. التدريب ليس نجومية، وإلا كان مارادونا وبيليه ودي ستيفانو والخطيب أفضل مدربي العالم.. حتي وإن تصادفت النجومية مع الإنجاز مثل البعض علي المستوي المحلي مع الجوهري وشحاتة.
>>>
قطعاً كلنا خلف المدرب الوطني ومنتخبنا الوطني.. لكن التدريب دراسة وقيادة وعلم.. وليس مجرد تحميس اللاعبين.. لكن هذا هو الموجود.. وهذا هو المتاح.. وكلنا نسعي إلي النجاح.. وحتي تعرفوا التقييم العشوائي مع أول فوز للمنتخب.. سوف نصنع من المدير الفني «أسطورة».. ومع أول خسارة، سنعلق له المشانق!!