«لا تكون الكلمة من الرأس.. إلا إذا كانت اللقمة من الفأس»، وتسعى مصر دائماً وعلى مدى تاريخها الطويل لأن تكون لقمتنا من أرضنا وجهد فأسنا، ليكون قرارنا مستقلاً وحراً خالصاً من تفكيرنا دون تأثير من شرق أو غرب، والحقيقة أن بلادنا تعرضت لكبوات ونكبات فى الزراعة والصناعة والإنتاج خلال القرن الماضى والعقود الأخيرة، معظمها بفعل تأثيرات وضغوط خارجية معروفة.
لا يعنى أننا نواجه أزمات اقصادية، أننا نقف فى حارة «سد» ونبكى على اللبن المسكوب، بالطبع هذا لم يحدث وتبذل القيادة السياسية جهوداً جبارة من أجل النهوض والنهضة، وجاءت الانطلاقة الجديدة من الاحتفال ببدء الإنتاج بشركة النصر للسيارات، بعد توقف 15 عاماً، واعتبار العودة يوم عيد، فالإنجازات الاقتصادية لا تقل عن الانتصارات العسكرية، فكلها من أجل رفعة الوطن ورفاهية المواطن.
شركة النصر – لمن لا يعلم- شركة مصرية عتيقة رائدة فى صناعة السيارات، كان إنتاجها فى الماضى بمستويات ونوعيات كثيرة ومتعددة، سمحت للفئة المتوسطة من المصريين بأن يقتنوا السيارات فى وقت كان اللاعبون الأساسيون فى هذه الصناعة من الدول الكبرى وبأسعار خيالية تفوق مستوى الدخل والإمكانات.
ويعود إنتاج «النصر» بسيارات ملاكى تعمل بالبنزين والكهرباء، وأتوبيسات سياحية بدأ إنتاجها بالفعل بمكون محلى 50٪، وتتضمن الخطة إنتاج 300 أتوبيس فى العام الأول تزداد إلى 1500 فى العام الثالث، وسيارات مينى باص، إضافة إلى خط لإنتاج البطاريات الكهربائية.
وعودة هذه القلعة الصناعية للحياة مرة أخري، بمثابة حلم كبير يتحقق – كما قال الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، إنها تتمتع ببنية أساسية ومقومات وقوة بشرية، تجعلها كنزا لا ينبغى التفريط فيه، مشددًا على أن الدولة تستهدف الاستغلال الأمثل لها، وأن المقومات التى تتمتع بها النصر للسيارات الآن تمكنها من إقامة صناعة كاملة.
هذا اليوم التاريخي، بداية عهد جديد لشركة النصر، إحدى القلاع الصناعية التى طالما كانت رمزًا للصناعة الوطنية المصرية، وبداية جديدة نحو تحقيق طموحاتنا الكبرى فى صناعة السيارات والمركبات، ليس هذا فقط بل إن الإنتاج يضاهى أحدث الحافلات عالمياً من حيث التكنولوجيا والكفاءة، وتتميز بالتصاميم المريحة والآمنة، وحقيقة فإن ما تضمنته المعلومات حول الشركة وإمكاناتها مدعاة للفخر، يجعلنا نطمع فى تكرار التجربة مع شركات وطنية كثيرة، لتعود إلى الصدارة، والتخلص من «سوءة» الخصخصة التى ابتلينا بها وكانت نوعا من الاستسهال فى التخلص من قلاعنا الصناعية وجعلتنا نعود آلاف الخطوات إلى الخلف، بدلاً من تحديثها وتطويرها وتشغيلها والتغلب على المعوقات.
ولعلى لا أبالغ فى أمنياتى وطموحاتى بأن تصبح سيارات «النصر» الراعى الرسمى والمستخدمة فى الجهات الرسمية بالدولة مثل الكثير من الدول فى هذا المجال التى لا ترضى عن إنتاجها المحلى بديلاً وفى مقدمتها اليابان وفرنسا وألمانيا وأمريكا، ونحن لسنا أقل منهم بالإصرار والعزيمة والجهد.
لعل شركة النصر، أن تكون البشارة على النجاح والتشجيع نحو انطلاقة صناعية جديدة ونهضة حديثة، ودفعة بأن الأمل موجود ولم نفتقده ولن نفقده، ولا نعرف المستحيل، ونتحدى كل الصعاب لإعادة الحياة الى الصناعة المصرية والكف عن الاستيراد الذى يكلفنا مليارات الدولارات.
وهنا أجد الوجه الآخر لمشكلاتنا الاقتصادية، كما أفصح عنها وزير النقل والصناعة نائب رئيس الوزراء، الفريق كامل الوزير، عن استيراد الحكومة «سلعاً استفزازية» بـ5.6 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2014 و2023، من بينها أثاث فاخر، وأوانٍ خزفية، وحلي، وورق فويل، وسجاد، وسيراميك وبورسلين، وشوكولاته، فى ظل ظروف صعبة، وتسببت فى ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، فليس من المعقول أن نستورد عطوراً ومزيلات عرق ومستحضرات تجميل، وحقائب يد، وشوكولاته وورق فويل بهذه الملايين من الدولارات، وتصل فاتورة استيراد الأجبان لأكثر من مليار و200 مليون دولار، وسيارات 25 مليار دولار.
الكثير من الحلول فى أيدينا، وإذا كنا نستورد المواد الاستهلاكية، فلن نستورد الحلول، لأنها وطنية خالصة، وقد بدأت.!