الحب مفتاح الصحة وسر الحياة وطلسم السعادة.. هذا ليس إلهاماً شعرياً جادت به قريحة قيس بن الملوح أشهر مجانين العشق فى التاريخ، بل خلاصة تجارب عملية علمية معملية فذة انتهت إلى أن الحب يطيل العمر ويؤخر الشيخوخة ويقاوم تجاعيد الزمن.. هل هذا معقول؟.
الحب لم يسلم من تدخلات العلماء ومداخلاتهم.. وبسببهم تحول من رعشات وخفقات ومناجاة وشوق ورغبة ورجفة ولهفة عند اللقاء.. وغصة وحسرة عند الفراق، إلى هرمونات وتفاعلات كيميائية تطلق الأعراض وتتحكم فى التأثيرات والمضاعفات.. وبسببهم تخلى القلب مجبراً مكرها عن أحلى أدواره وأروع مهامه ..لم يعد موطنا للحب ولا منبعا له بل مجرد مضخة تدفع الدم فى الشرايين تماما كمضخة البترول التى تدفع البنزين فى السيارات. ويبدو أن العلماء اكتشفوا حجم الظلم الذى أوقعوه على الحب والمحبين فحاولوا رد اعتباره دون الإخلال برؤيتهم لطبيعته الكيميائية الهرمونية معلنين نصيحتهم الجديدة المدوية: أحبوا تعمروا وتصحوا. الوصفة الطبية الغرامية الجديدة تنصح بكل أنواع الحب.. كل أنواع المشاعر التى تتملك القلب وتهز الوجدان.. وليس فقط الحب الذى يجمع بين العشاق.. وتؤكد أن المحبين يعيشون حياة أطول.
الأكاديمى الإسترالى مارك كوهين، من جامعة رميت فى ملبورن أعلن هذه الحقيقة الجديدة والمهمة فى مؤتمر دولى حول الشيخوخة مؤكدا أن «وجود الحب فى حياة المرء يطيل العمر».
مفهوم مارك للحب واسع جداً، فهو أوسع من كونه حباً رومانسياً، ويتسع ليشمل الهوايات وغيرها من الاهتمامات الخاصة، أى أنه يعتبر أن جميع الأنشطة التى يركز فيها المرء تماماً على عمل وتنقطع معها علاقته بالزمن، هى أنشطة غرامية.. فالغرام العلمى يتسع مداه ليغطى كل أشكال الحب التى تستأثر بالمشاعر وتجعل الزمن يذوب ويتلاشى من قاموس المحب العاشق.. وهو يرى أيضاً أن المرء عندما يقوم بنشاط يحبه سواء كان ذلك صنع طائرات ورقية أو القيام بزراعة أزهار فى حديقة أو قراءة قصة عاطفية أو النظر إلى عينى حبيبة القلب، يعيش لحظات يتوقف فيها الزمن أو يتجاوزه فيها الزمن فلا يفعل فيه فعله المضاد لشباب الخلايا وحيوية أجهزة الجسم.
وقبل أن نبحث عن الحب.. ليس «حبا» فيه ولكن رغبة فى طول العمر.. يصيبنا العالم مارك ببعض الإحباط عندما يكشف لنا أن الملاحظة التى قادته إلى هذه النتيجة كانت تتعلق بالأرانب وليس بالبشر.. حيث أشار إلى أن الأرانب التى يدللها العلماء فى مختبرات التجارب تعيش حياة أطول بنسبة 60 بالمائة مقارنة بالأرانب التى لم يتم تدليلها.. وبالطبع لم يوضح لنا طريقة تدليل الأرانب وما إذا كانت قابلة للتطبيق على البشر وإن كان لم يستبعد أن يكون الحب نوعاً من الدلال الذاتى بمعنى أن المحب يدلل نفسه بالمشاعر الجميلة التى تسعده ليصل إلى نفس النتيجة التى حققتها الأرانب.. وحتى يخرجنا من دائرة الشك ويدفعنا إلى تدليل النفس بالحب أشار إلى أن أحد أهم أسباب طول عمر العمر عند النساء والذى أكدته الدراسات الإحصائية هو أن نصيب الحب فى حياة المرأة واهتماماتها أكبر بكثير من نصيب الرجل ..ودائرة الحب عندها أكثر اتساعاً.. وربما كان يحاول مغازلة زوجته عندما أكد فى ختام حديثه عن دراساته الغرامية، أن النساء هن عناصر الحنو الرئيسية على الأرض، لذلك من المنطقى أن يعشن حياة أطول لأن فى حياتهن حبا أكبر.