منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بفوز كاسح لدونالد ترامب هناك تحركات كبيرة تجرى فى العالم وتوقعات نشطة حول طبيعة وشكل العالم فى اليوم التالى لاستلام ترامب السلطة من الرئيس الأمريكى جو بايدن، الغريب أن هذه التفاعلات والتغيير فى بعض المواقف، خاصة على صعيد الحرب الروسية ــ الاوكرانية، أو مساعى إسرائيل الحثيثة لابرام اتفاق مع لبنان لايقاف الحرب ليس لانها تقدم هدية لترامب كما يشيع الإعلام العبرى والأجنبي، ولكن لأنها باتت تنزف بغزارة، من فرط الضربات المؤلمة لصواريخ ومسيرات حزب الله بالإضافة إلى اسقاط عشرات القتلى والجرحى فى صفوف جيش الاحتلال وتباعد الهدف المعلن من قبل نتنياهو وهو إعادة المستوطنين الصهاينة إلى مستعمرات الشمال فى ظل اشعال حزب الله لشمال إسرائيل بل والوصول إلى مواقع وقواعد عسكرية واستخباراتية ومصانع حربية فى العمق الإسرائيلى سواء حيفا أو تل أبيب، بل وصلت مسيرات حزب الله التى ظنت إسرائيل أنه فقد قدراته بعد طوفان القصف الجوى والاغتيالات إلى حجرة نوم نتنياهو نفسه، لذلك فإن دولة الاحتلال تريد الوصول إلى اتفاق مع لبنان أكثر من لبنان نفسها وتسعى إلى الإيحاء بالقوة والانتصار وفرض شروط فى صالحها لكنها لن تنجح وستوافق على الالتزام بالقرار 1701 الذى لن تتنازل عنه بيروت وحزب الله ومن هنا نعرف قيمة الضربات المؤلمة والمدمرة فى اخضاع إسرائيل للموافقة على شروط التفاوض والاتفاق وتفويت الفرصة على الغطرسة الصهيونية، والغريب أن إسرائيل تبحث عن وساطات من أجل إبرام اتفاقات سواء مع سوريا أو لبنان أو الاطراف الداعمة لإيران وتحاول ترويج ذلك بأنها تريد تقديم هدايا لترامب قبل 20 يناير القادم وهذا غير صحيح لأن إسرائيل فى مأزق حقيقي، ووصل حجم الاستنزاف فى دولة الاحتلال إلى مخاوف وذعر يخشى منه نتنياهو وسط مطالبات وصلت إلى 69 ٪ حسب الاستطلاعات الأخيرة يريدون صفقة مع المقاومة الفلسطينية لتبادل الأسرى والرهائن والمحتجزين وايقاف الحرب على لبنان لأنها ليست ذات جدوى وأن جيش الاحتلال فشل فى تحقيق أهداف العدوان على لبنان.. فى ظل نجاح حزب الله فى تحويل الشمال الإسرائيلى إلى حرائق مشتعلة على الجانب الآخر.. فإن الشرق الأوسط والمنطقة، يضع يده على قلبه وسط مخاوف كثيرة لعل أبرزها ما أعلنه دونالد ترامب قبل فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتأييده لإسرائيل ووصفها بأنها صغيرة وفى حاجة للتوسع وهو ما يتماهى مع تصريحات المتطرف بتسلئيل سيوتريتش بأن ستضم الضفة وتعلن السيادة الصهيونية عليها وأن تل أبيب لن توقف العدوان على قطاع غزة وهو ما يتسق أيضا مع اختيارات دونالد ترامب لفريق الإدارة الأمريكية الجديدة سواء وزراء الدفاع والخارجية، والأمن القومي، وسفيرة الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة حتى السفير الأمريكى المرشح لإسرائيل، جميعهم متطرفون فى تأييدهم لإسرائيل وينكرون الحقوق الفلسطينية المشروعة والحق فى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحق إسرائيل فى ابتلاع الأراضى الفلسطينية، وتبقى هذه مجرد توقعات ومخاوف، لكن تجربة ترامب فى الفترة الرئاسية الأولى تشير إلى أن هناك تناقضًا بين ما يعلنه قبل الانتخابات وبين ما يعلنه بعد الفوز، وهو ماحدث مع كوريا الشمالية، كما أن ترامب معروف بأنه يبيع ويتخلى عن حلفائه، ولا يبحث سوى عن مصالح أمريكا وما يحققه لها من مغانم لإرضاء الرأى العام الأمريكى لذلك من الممكن أن يقلب الطاولة على نتنياهو وأوهامه، حتى وأن استعان ترامب بفريق من المتطرفين فى تأييدهم لدولة الاحتلال الإسرائيلى فرغم ما يعلنه ترامب من عداء مع إيران إلا أن لقاء أيلون ماسك مع السفير الإيرانى لدى الأمم المتحدة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين رغم نفى طهران يتناقض مع تهديداته لها قبل الفوز فى الانتخابات الرئاسية المؤكد أن ترامب لا يبحث إلا عن مصلحة أمريكا، ويعلنها أمريكا أولاً لذلك هناك مخاوف من حلفاء أمريكا سواء فى أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا ودول أخرى ثم اليابان وكوريا الجنوبية هو ما بدا فى ولايته الأولى عندما ذهب إلى زعيم كوريا الشمالية والتفاوض معه دون أدنى اهتمام بحلفائه فى «طوكيو» و«سول» وهما فى حالة عداء مع كوريا الشمالية.
وصول ترامب لقيادة أمريكا اثار مخاوف أوروبا، فالرئيس الأمريكى المنتخب شعاره لا حماية مجانًا، أدفع حتى تحظى بالحماية لذلك فإن مخاوف الأوروبيين بأن ترامب سوف يكون عبئًا على الاقتصاد الأوروبي، وهناك تفكير أو ارهاصات بدأها الفرنسى إيمانويل ماكرون من أجل وحدة واستقلال أوروبا، وامتلاك قوة أوروبية مستقلة للدفاع عن القارة العجوز بعيدًا عن الولايات المتحدة لكنه لا يفتأ أن يعلن ذلك إلا وتعرض لخبطات مؤلمة على رأسه سواء فى تحريض الرأى العام الفرنسى ضده فى شكل احتجاجات وتظاهرات قبل ما حدث فى مظاهرات السترات الصفراء أو إلغاء صفقات أسلحة فرنسية لاستراليا مثلاً بقيمة 54 مليار يورو عقابًا لماكرون وبعد نجاح ترامب بدأت المخاوف تتجدد لكن هذه المرة فعلها المستشار الألمانى أولاف شولتس الذى قام بمهاتفة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رغم القطيعة لأكثر من عامين لم تحدث بينهما اتصالات تذكر أو لقاءات والمعنى هنا واضح، محاولات ألمانية لايجاد حل للحرب الروسية ــ الاوكرانية قبل أو مع مجيء ترامب، ولعل أكثر المتضررين من الحرب بين موسكو وكييف هم الأوروبيون واقتصادهم ونزيف الخسائر وأزمات الطاقة بسبب تدمير المخابرات الاوكرانية لخطى نوردستريم واحد واثنين لنقل الغاز من روسيا إلى الدول الأوروبية خاصة ألمانيا.. وبطبيعة الحال فإن مكالمة شولتس اغضبت زيلنسكى الذى انقلب موقفه رأسًا على عقب فى مواققه وأحلامه وأهدافه وأحاديثه، وبات يتحدث عن ضرورة إنهاء الحرب مع روسيا فى بداية العام الجديد، وأنه يثق أن حقبة ترامب ستؤدى إلى سلام مع روسيا، وبالتالى تخلى زيلنسكى عن أهدافه فى الانضمام للاتحاد الأوروبى وحلف الناتو وهو أمر لم يكن ليحدث قبل الحرب أو خلالها أو بعدها لأن الخطوط الروسية واضحة، وأيضا فانه كان مجرد أداة أمريكية لاستنزاف الدب الروسى والآن وبعد وصول ترامب الرافض لاستمرار الحرب ودعمها من قبل أمريكا بدأ زيلنيسكى يتغير، ويتحول بشكل جذرى ويتحدث عن ضرورة وأهمية السلام وصعوبة الموقف الميدانى للجيش الاوكرانى فى مواجهة الروس وسط دمار وخراب وخسائر فادحة للجانب الأوكراني.
البطولة الآن فى المنطقة لأصحاب المواقف الثابتة والراسخة والتى لا تتغير مع أى إدارة أمريكية، وأيضا لمن بنى واستعد مبكرًا والحقيقة أن مصر ــ السيسى لديها مباديء وثوابت لا تحيد عنها وقوة ترتكز عليها لكن اجمالاً لابد للعرب أن يكون لهم موقف واحد ورؤية واضحة لمجابهة ما يحدث أو يعرض فى الأيام القادمة، خاصة فى حالة الالحاح الصهيونى على عقل ترامب لكنه لن يفعل شيئًا إلا ما يحقق مصالح أمريكا.