هذه السلسلة من المقالات التى تحمل عنواناً واحداً «يحدث فى إفريقيا»، هى محاولة منا لكشف ما يدور داخل دول هذه القارة التى تمثل للدولة المصرية عمقاً إستراتيجياً واقتصادياً كبيراً لا يمكن إغفاله أو التقليل من شأنه، خاصة أن القيادة السياسية حريصة بين الحين والآخر على التأكيد على تلك العلاقات المميزة بينها، وبين دول القارة فى مختلف أقاليمها الخمسة، بل حريص أيضا على تقديم كافة أشكال الدعم الفنى والمعنوى لشعوبها فى مختلف المحافل الدولية المعنية بهموم القارة وشعوبها، «لا ينكر ذلك سوى الغافل، عما يقوم به الرئيس السيسى منذ توليه المسئولية» .
الجميع يعلم أن إفريقيا هى قارة المستقبل، والتى دأب الغرب الاستعمارى على نهب ثرواتها منذ قرون، وحتى حينما نالت جُل الدول الأفريقية استقلالاً شكلياً تولت تسييرها نخب رديئة وفاسدة، حرص الاستعمار على حمايتها وتوجيهها نحو نماذج تنموية وخيارات اقتصادية واجتماعية كرست الفقر والإفلاس والصراعات الأهلية.
وكما نعلم فإن هناك تنافس الثالوث الأمريكى الصينى الروسى على موارد القارة الأفريقية ومقدراتها ليس وليد اللحظة؛ وهو تنافس ممتد ومستمر وتختلف أدواته ومحدداته من حين إلى آخر.
ولكن ما يهمنا ما أعلنه الرئيس الصينى إن تحديث الصين وأفريقيا سوف يجلب موجة من التقدم لجنوب العالم بأكمله، والأمر متروك لنا أن نجمع قوى أكثر من 2.8 مليار صينى وأفريقي، لمواصلة مسيرتنا نحو الحداثة، والمساهمة، من خلال تحديث الصين وأفريقيا، فى تحديث الجنوب العالمي» تلك العبارات كانت من خطاب شى جين بينج، أمام منتدى الفوكاك 2024 «الصينى الأفريقي» وهذه العلاقة هى محور مقالنا اليوم.
منذ عام 2000 قامت الصين على بتنظيم منتدى التعاون الصينى الأفريقى «فوكاك Focac» كل 3 سنوات، مرة فى الصين وأخرى فى أفريقيا. ومنذ ذلك التاريخ تنامت علاقة التعاون الصينية الأفريقية، وخصوصاً منذ عام 2013 تاريخ إطلاق الصين مبادرة «الحزام والطريق».
وقد جاء انعقاد المنتدى التاسع فى ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، بحيث يشهد العالم تبعات الركود الاقتصادى الذى تزامن مع جائحة «كوفيد»، وأثر فى حجم المساعدات الصينية لأفريقيا وارتفاع وتيرة الصراع الدائر بين أمريكا وحلفائها وقوى تتطلع إلى نظام عالمى جديد كروسيا والصين وإيران ،وقد لا نبالغ إذا قلنا إن الحرب الأوكرانية الروسية والحرب على غزة ما هى إلا تجليات لهذا الصراع.
وبعد أن انتقد الرئيس الصينى المسار الغربى للتحديث وما سببه من معاناة عميقة للدول النامية، ومحاولات دول العالم الثالث، بما فيها الصين والدول الأفريقية، بعد الاستقلال، دعا إلى تصحيح المظالم التاريخية فى عملية التحديث، وأضاف: «فى سعينا المشترك للتحديث، سنطلق موجة من التحديث فى الجنوب العالمي، ونكتب فصلاً جديداً فى بناء مجتمع ذى مستقبل مشترك للبشرية».
وفى اعتقادى الشخصى أن سر تميز الوجود الصينى فى أفريقيا يعود إلى السياسة التى اتخذتها الصين منذ انطلاقها نحو دول القارة وهو ما أشار إليه بوضوح الرئيس الصينى شى جين بينج، أمام أكثر من 50 ممثلاً للدول الأفريقية حضروا المنتدي، بمنزلة خريطة طريق رسمت آفاق التعاون بين الصين وأفريقيا، ومناسَبة لإظهار تفهم الصين لتخوفات الأفارقة وانتظاراتهم.
حينما قال إن بلده وأفريقيا، فى مواجهة الموجة العظيمة للعولمة الاقتصادية، عززا قدراتهما وطورا تعاوناً مثمراً لمصلحة المليارات من الشعب الصينى والأفارقة، واقترح «رفع العلاقات الثنائية بين الصين والدول الأفريقية إلى مستوى استراتيجي»، وايضا حين قال فى خلال المنتدى التاسع الصين ـ افريقيا سبتمبر الماضى تحت شعار «العمل معاً لتعزيز التحديث وبناء مجتمع المستقبل المشترك الصينى الأفريقى رفيع المستوي» : «إن تحديث أى بلد لا يجب أن يحترم القواعد العامة فحسب، بل يجب أيضاً، قبل كل شيء أن يتكيف مع الظروف الوطنية، وأن بلاده تعتزم دعم مختلف البلدان فى استكشاف طريق التحديث الذى يتكيف مع الواقع الوطني، والعمل على ضمان الحقوق والفرص المتساوية للجميع، إذ إن التنمية، المنسقة على المستويين المادى والروحي.
ومن ملامح تلك الكلمات التى اطلقها الرئيس الصينى سوف نلاحظ أن يتحدث بلغة مختلفة عما تعودت عليه الشعوب الأفريقية من قبل الدول الغربية، خاصة دول الاستعمار القديم حيث أكد أن التحديث الذى تراه الصين يجب أن يحترم البيئة ويتسم بالسلام والأمن المشترك والاستقرار فى العالم، ثم اعقب ذلك طرح شى جين بينج 10 إجراءات شراكة تعتزم الصين إنجازها فى الأعوام الثلاثة المقبلة للمساهمة فى التحديث فى أفريقيا، وهى:
الشراكة من أجل الإلهام المتبادل بين الحضارات وتبادل الخبرات فى مجال الحوكمة، ومن أجل ازدهار التجارة، والتعاون فى مجال السلاسل الصناعية والعلمية والتكنولوجية والتحول الصناعي، ومن أجل الربط البينى عبر شبكة ربط برية وبحرية صينية فى إطار مبادرة الحزام والطريق، وفى مجال التعاون الإنمائي، والصحة، والتنمية الزراعية، والتبادل، إنسانياً وثقافياً، والتنمية الخضراء، والشراكة الأمنية المشتركة.
لضمان تنفيذ إجراءات الشراكة العشرة، وعد الرئيس الصينى بتوفير مليون فرصة عمل على الأقل، ومنح أفريقيا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة دعماً مالياً قدره 50 مليار دولار أمريكي: 29 مليار دولار فى شكل خطوط ائتمان، 11 مليار دولار فى شكل مساعدات و10 مليارات دولار فى شكل استثمارات .