> مما لاشك فيه أن الاسلام يدعو الى (التفكير) لكنه يرفض (التكفير) بكل صوره منذ بدء الدعوة الاسلامية على يد النبى الاكرم (محمد صلى الله عليه وسلم) وحتى يومنا هذا (2024) إن (الفتوي) الدينية التى تبرر القتل أو الحرق أو الذبح بالسيف، باسم الدين، نعتقد جازمين أنها أخطر من (الرصاصة) أو (القنبلة) لأنها تغسل عقل الإرهابي، خاصة إذا كان إخوانيا أو داعشيا سلفيا كما كان حالهم فى سيناء المصرية فى بلادنا العربية.
إن الدعوة الجادة لتطوير وتجديد الخطاب الدينى سواء فى مصر أو بلادنا العربية ينبغى له أن يبدأ من الجذور، من الفتاوى القديمة خاصة تلك التى أفرزتها عصور غير عصورنا وفقهاء من غير زماننا كانت لهم رؤى خاصة بزمانهم وتحدياته، ممن مازالت فتاواهم تدرس وتقدس (من القداسة) لدى التيارات الدينية على اختلافها رغم أنها فتاوى يصب معظمها فى فقه استحلال قتل وتكفير وإرهاب الناس.
> إن العنف الذى تمارسه بعض الجماعات التى تُنسب للإسلام، إنما هو إفراز لفلسفة معينة تتبناها هذه الجماعات، وثمرة لفقه خاص له وجهته ومفاهيمه وأدلته التى تستند إليها هذه الفئة من الناس، ومن نظر إلى جماعات العنف القائمة اليوم فى عالمنا العربى والإسلامى مثل الاخوان و داعش والقاعدة وأخواتهما سيجد لها فلسفتها ووجهة نظرها وفقهها الذى تدعيه لنفسها وتسنده بالأدلة الزائفة من القرآن والسنة، ومن أقوال بعض العلماء، صحيح أنها تعتمد على المتشابهات وتدع المحكمات، وتستند إلى الجزئيات وتهمل الكليات، وتتمسك بالظواهر وتغفل المقاصد، كما تغفل ما يعارض هذه الظواهر من نصوص وقواعد، وكثير ما تضع الأدلة فى غير موضعها، وتخرجها عن سياقها وإطارها، ولكن -على أية حال- لها فقه مزعوم يبرر العنف، ويروج لدى بعض الأغرار من الشباب والسطحيين من الناس، وأساسه فقه الخوارج قديما الذين كانوا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
> لقد بدأت هذه الجماعات ممارسة العنف داخل أوطانها أنفسها، أى العنف ضد المجتمعات بصفة عامة، فعلى أى أساس بررت ذلك وأجازته من الوجهة الشرعية، فى نظرها على الأقل؟، إن فقه جماعات العنف يقوم على (تكفير ) حكومات المجتمعات الاسلامية المعاصرة
إلا أن واقع المجتمعات المعاصرة (خاصة العربية منها) يعارض هذه التهم بدعاوى مختلفة، منها: أنها تعلن أن دينها الرسمى هو الإسلام، وأنهم ينشئون المساجد لإقامة الصلاة، ويعينون الأئمة والخطباء والمؤذنين، ويؤسسون المعاهد الدينية، والكليات الشرعية، ويوظفون الوعاظ ومدرسى الدين فى المدارس وغيرها، ويحتفلون برمضان وعيدى الفطر والأضحي، ويذيعون تلاوة القرآن فى الإذاعات والفضائيات، إلى غير ذلك من المظاهر الدينية، التى تثبت إسلامية الدولة بوجه من الوجوه، كما أن بعض دساتير هذه البلاد يعلن أن الشريعة مصدر رئيس أو المصدر الرئيس للتقنين، وبعضها لا يذكرها لأن المجتمع إسلامى بالأساس دون حاجة لوضعه فى الدساتير؛ إذن.. لا أساس لهذه الدعاوى الداعشية المتطرفة ؟ ولا مبرر أو سند دينى أو واقعى لها خاصة فى بلادنا (مصر)!!
> لقد نسى هؤلاء ما قاله فقهاؤنا من قديم عن إسلامية المجتمعات ورفض وحرمة التكفير بالمطلق كما يفعلون هم اليوم، وترى جماعات العنف الاخوانية والداعشية أن هذه المنكرات يجب أن تغير بالقوة لمن يملك القوة، ويغفل هؤلاء الضوابط والشروط اللازمة لتغيير المنكر بالقوة التى قررها القرآن، فليس كل شاب أو جماعة متطرفة مثل داعش والاخوان ترى منكرا أن تقوم بمنعه من تلقاء نفسها، وإلا دخل المجتمع فى فوضى أخلاقية وسياسية واجتماعية، لأنه من الممكن أن يقود ذلك إلى جعل كل شاب يبدأ بأبيه أو أمه أو أقاربه، فيقوم إما بتكفيرهم والخروج عليهم، وإما بتكفير كل المجتمع، وهذا ليس فيه من دين الله أى شيء.
> وبعض تلك الجماعات تأخذ بالقاعدة التى يزعمونها أن (من لم يكفِّر الكافر فهو كافر!.) وبهذا توسعوا فى التكفير وكفروا الناس بالجملة، ولا يبالون من يقتل من هؤلاء المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل؛، كما يرون بالنظر إلى الأقليات غير المسلمة أنهم نقضوا العهد بعدم أدائهم للجزية، وبتأييدهم لأولئك الحكام المرتدين وأنظمتهم الوضعية، ولرفضهم للشريعة الإسلامية، وبهذا لم يعد لهم فى أعناق المسلمين عهد ولا ذمة، وحل دمهم ومالهم، وبهذا استحلوا السرقة والسلب والنهب لغير المسلمين بفهم متعسف وخاطئ لآيات القرآن التى تحقن دم كل إنسان مهما اختلف دينه، كما استحلوا سرقة بعض المسلمين وإهدار دماء البعض منهم …إذن إن منابع الفكر التكفيرى واحدة فى كل مكان يحل فيه أهل التكفير وجماعات القتل العشوائي.
> إن جماعات التدين المغشوش قادة (التكفير) ترى -أيضا- أن السياح وأمثالهم الذين يدخلون بلاد المسلمين بتأشيرات رسمية، وترخيصات قانونية، والذين يعدّهم القرآن الكريم (مستأمنين) ولو كانت دولهم محاربة للمسلمين، يرون هؤلاء مستباحى الدم، لأنهم لم يأخذوا الإذن من دولة شرعية؛ وهذا تلبيس وشذوذ على صحيح الدين والدعوة المحمدية الشريفة
> إن هذا هو المبرر الخطير والتاريخى الذى استخدمته تلك الجماعات بقيادة الاخوان وداعش التى صنعتها المخابرات الأمريكية والفتاوى المتطرفة، وهو مبرر وفقه نراه يخالف صحيح الإسلام ونصوص قرآنه العظيم.
> خلاصة القول: إننا نحتاج فى بلادنا العربية ضرورة تغيير هذا الفكر من جذوره، وخطابا دينيا متقدما يطالب بـ(التفكير) وليس (التكفير) وهذا هو دور الأزهر ومهمته التاريخية ومهمة كل مثقفى مصر وإعلامييها الشرفاء!