فى وسط القاهرة بميدان التحرير يقبع قصر أنيق عريق تتحدث تفاصيله عن تاريخ مصر القديم وتحكى كيف كانت تقام حفلات الزفاف والمآدب الرسمية وتحكى الصور الفوتوغرافية المعلقة على جدران إحدى قاعاته تاريخ مصر القديم والحديث وتضم صور الرؤساء الذين حكموا مصر منذ تحولت للجمهورية العربية بعد عزل الملك فاروق ورحيله، ومن الطريف ان نجد على جدران المدخل الخلفى للقصر صور تحكى مراحل بنائه وتشييده المختلفة سجلها مصورون عالميون محترفون. بنى هذا القصر الذى يطلق عليه حالياً قصر التحرير والتابع لوزارة الخارجية بتصميم خاص جداً رسم بأنامل المهندس الايطالى الشهير أنطونيو ليشياك أحد أبرز المعماريين الذين عملوا فى مصر واعتمدت عليهم الاسرة المالكة فى تشييد قصورها والذى أصبح فى عام 1907 رئيس مهندسى القصور الملكية. وقد جمع المهندس الايطالى فى هذا المبنى بين الجمال والرقة والدقة والعناية بالتفاصيل فى جميع أجزائه، كما اهتم بتوزيع الظل والنور. وكان قد تم تشييد القصر فى الأساس لإقامة الأميرة نعمة الله توفيق ابنة الخديوى توفيق بن إسماعيل بن محمد على باشا الذى حكم مصر منذ عام 1879 إلى عام 1892، وهى ايضاً شقيقة الخديوى عباس حلمي. الذى حكم البلاد من 1892 إلى 1914 والذى خلفه السلطان حسين كامل والد زوجها كمال الدين. وعند تشييد القصر كان اسم الميدان (ميدان الإسماعيلية) نسبة إلى الخديوى إسماعيل قبل ان يتغير إلى ميدان التحرير نسبة إلى التحرر من الاستعمار. ويحاكى الميدان فى تصميمه ميدان شارل ديجول المقام فى العاصمة الفرنسية باريس، وكان الخديوى اسماعيل مغرماً بالعاصمة الفرنسية واراد تخطيط القاهرة على غرارها وبدأ بميدان الإسماعيلية . وقد ولدت الأميرة نعمت الله عام ١٨٨١ وتوفيت عام 1966 ودفنت فى جنوب فرنسا، وقد تزوجت الأميرة بهذا القصر زوجها الاول الدبلوماسى وابن عمها الأمير محمد طوسون وأنجبت منه ابنها الوحيد الأمير عادل طوسون وقد انتهى هذا الزواج بالطلاق وبقيت الأميرة مقيمة فى القصر وزوجتها الأسرة بعد ذلك من المير كمال الدين حسين ابن عمها السلطان حسين كامل حيث كان من تقاليد الأسرة ان يكون زواج الأميرات من داخل افراد الاسرة المالكة، ولذلك أطلق على القصر اسم قصر الأمير كمال الدين حسين. وقد شاهد القصر العديد من المناسبات السعيدة والحزينة حتى ان البعض أطلق عليه اسم قصر الاحزان، حيث لم ترزق الأميرة نعمت بأطفال من زوجها الثانى وحتى عندما تزوج ابنها الأمير عادل طوسون من أمينة عبد الرحيم صبرى شقيقة الملكة نازلى زوجة الملك فؤاد الاول فى حفل أسطورى اقيم فى القصر حلت كارثة على القصر عندما ماتت العروس بعد ولادتها مباشرة مما دفع الأمير عادل للسفر إلى لندن للحياة هناك، وقد انطلق فى شهر ديسمبر عام 1914 موكب السلطان حسين كامل لتنصيبه سلطاناّ إلا انه لم تكن هناك بهجة أو سعادة فى هذه المناسبة لأن السلطان اضطر وقتها ان يقبل حكم مصر بأمر من بريطانيا التى كانت تحتل مصر وأعلنت الحماية عليها بعد ان قامت بخلع الخديوى عباس الثانى ولوحت باحتمال تنصيب شخص آخر ملكاً على مصر ليس ان يكون بالضرورة مصرياً أو من الاسرة العلوية، فقبل المنصب حرصاً على الحفاظ عليه للأسرة. ويضم القصر فى الطابق الاول صالوناً به صور الاسرة العلوية ورؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية قبل الثورة وبعدها، وقاعة اخرى بها صور شهداء وزارة الخارجية وجوازات سفر الوزراء وأعضاء الوزارة بالإضافة لصالونات استقبال وحجرة لعدد 48 فرداً. اما الطابق الأرضى فيضم مكتب الوزير وقاعة الاجتماعات الكبرى وأخرى للمؤتمرات الصحفية بها نظام ترجمة فورية بالاضافة لعدة صالونات استقبال وحجرة طعام كبرى لعدد 24 فرداً. وعند تشييد القصر تم استخدام الحوائط الحاملة والذى تراوح سمكها من البدروم حتى الطابق الأرضى بين 120 إلى 90سم بينما يتراجع السمك كلما ارتفعنا فى الطابق الاول ليصل إلى 60سم، أما واجهات المبنى فقد زينت بعقود نصف دائرية وكرانيا وتيجان. وفى الخمسينات تم بناء دور جديد استخدمت فيه الخرسانة المسلحة. وقد ظلت وزارة الخارجية تشغل قصر الأميرة نعمت الله حتى تم بناء مقرها المسمى زهرة اللوتس على كورنيش النيل بحى بولاق وانتقلت اليه رسمياً عام 1994 فى عهد وزير الخارجية السابق عمرو موسى مع الاحتفاظ بالقصر مقراً اضافياً يتم فيه لقاء كبار الشخصيات العربية والعالمية.