سابقا كتبت عن ان الأم شريان الحياة وبكل أسى اليوم أشير إلى أن القدر وضعنى فى مأساة الفقد لأمى وأغلى ما عندى وبفقدها فقدت كل شيء فى حياتى فقد أشرت سابقا إلى أن بر الوالدين من الفرائض التى أمر الله بها سبحانه وتعالى وقد حثنا القرآن الكريم على برّ الوالدين والإحسان إليهما، وجعله مقترنا بعبادته وطاعته، فقال سبحانه: )وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِياهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِما يَبْلُغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاََ تَقُل لهُمَا أف ولا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا( الإسراء: 23، واستفاض فى شرح وتفصيل أحد أهم أدوار الأم، فقال جل شأنه: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن» وقال تباركت أسماؤه: «ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا».. مشيراً إلى خطورة دور الأم فيها، فسلامة الجنين تعتمد على مستوى صحة أمه حال حملها، فلا عجب أن نجد رسولنا الكريم قد كرر فى وصيته الأم ثلاثا، فقال: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك».. إن بناء وعمارة المجتمع بأسره يقوم على الأم، فبدونها لا تقوم لبناته التى تُمثّل ثروته البشرية، وتقوم على سواعدها النهضة والتقدم، بل وضمانة استمرار الحياة بكل مكوناتها وأركانها، فهى التى تحتضن وترعى وتُعلم وتبث الطمأنينة فى نفوس أبنائها ومن تعول، وهى التى تزرع الخير وتحث عليه، وتشحذ الهمم نحو البر والعمل.. وشعوب الأرض جميعها تقر بفضل الأم، وتكن لها مشاعر التقدير والحُب، وتحتفى بها وبما تقدمه من تضحيات لأجل جيل يحقق آمال وطموحات الأسرة والمجتمع والعالم بأسره، فهى لا تنتظر مقابلاً تجاه ما تقوم به، فرؤيتها لأبنائها سعداء تُعد بمثابة الجائزة الكبرى التى تتشوق إليها وتملأ قلبها سعادة وسروراً.
فأمى العظيمه كان لها دور كبير فى الحفاظ على الترابط الأسرى حيث يستشعر الأبناء بفخر الانتماء إلى أسرتهم الصغيرة والكبيرة، مما يشيع الأمن والأمان والاطمئنان على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع بكامله، وتضرب أمى نموذجا يحتذى به فى العطاء لجميع أفراد أسرتنا.
وأمى – رحمة الله عليها – كانت تتسم بجينات التفاؤل والأمل، إذ يتطلع خيالها الراقى ليفوق التمني، حيث تبذل فى ضوء تحقيق ذلك الغالى والنفيس لتغرس فى أبنائها ما لديها من طموحات وآمال وأمان لتضع لبنات التوافق النفسى والثقة بالذات عبر تحقيق الهدف وكانت أمى الرشيدة – رحمة الله عليها – تمتلك مقومات التواصل الكلى مع ذوى أرحامها وأقاربها، فببشاشة وجهها، ولغتها الراقية، وحُبها العميق، وإخلاص نواياها، وكرمها الشديد تستقبل كل آت لمسكنها، لتقدم كل ما تملك لإسعاد الجميع، ولو على حساب راحتها وصحتها، فهى من تُضحى دون مقابل، ويكفيها بهجة وسعادة من حولها، ليصبح الترابط والاحتواء بديلا مقبولا عن التفكك والتشرذم.
ورحمة الله عليها كانت تستمد قوتها من رغبتها فى حب وإسعاد الآخرين فجهودها لم تتوقف، ومحبتها لم تفتر.
وختاما أؤكد وبكل ثقة وحب وصدق وإخلاص إننى اليوم بوداع أمى فقدت شريان الحياة الذى كان يعطينى القوة فى مواجهة اعبائها وحقيقة أذكرها دائما وأؤكدها على الدوام إن لم أكن اتخيل هذا الموقف الصعب ومرارة الفراق لأننى كنت أعشق روحها وبساطتها وكان ارتباطى بها وأنا فى هذه السن هو ارتباط طفل بأمه ولم أكن أتخيل لحظة ان أعيش دون وجودها فى حياتى فهى لأسرتنا كانت السند والعون والروح الجميلة التى تحملت وعانت هى ووالدى – رحمة الله عليه – ولكن هذه إرادة الله.
رحمة الله عليك يا أمى وإلى جنة الخلد بإذن الله واثقا ان ما قدمته فى حياتك من حب وخير وجبر الخواطر للجميع سيكون رصيداً لك بإذن الله فى الدار الآخرة.