إعجاب شعوب العالم عامة والشعوب العربية خاصة، بأمريكا له أسبابٌ كثيرة، منها أنهم يرونها حضارة فاتنة، وامتلاكها مقومات القوة والتقدم والرقى والجمال.. وأما كراهية بعض شعوب العالم لها لعدة أسباب، منها ابتزاز وتغيير أنظمة الحكم ونثر الدمار لبعض بلاد العالم، ومعاداة العرب والمسلمين، ومساندة الكيان الإسرائيلى لاحتلال أراضى فلسطين، والإبادة الجماعية والتهجير القسرى لشعبها.
ولذلك يمكننا التساؤل، لماذا… أمريكا:
ما هو السر الذى جعل من الولايات المتحدة قبلة للكثير من المهاجرين من مختلف ارجاء العالم، ولماذا صار الكل يحلم بالهجرة إليها، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية. ولماذا يبدو الكل مستعدا، للتخلى عن هويته ولغته ووطنه الأم، والارتماء فى أحضانها وبالتالى التفانى فى خدمتها؟. قد تكون الأسئلة من هذا النوع، لها أجوبة من وجهات نظر مختلفة، ولكن السر فى كون أمريكا قوة حقيقية، ومركزا جذابا لشعوب العالم، يكمن فى كونها «دولة»، ليس لها حُدود جغرافية، بل هناك أشياء أخري، هى التى تضفى على الدولة مفهومها الحقيقي، وتضمن لها التقدُّمَ والاستمرارية. ولأنها دولة بنيت على أسس متينة قوامها الوحدة والديمقراطية والقوة الاقتصادية والعسكرية، وتملك مجموعة من العوامل الأساسية:
العامل الأول: امتلاكها لأسباب القوة ..ومظاهر القوة عديدة ومتنوعة وأهمها:
أولا: بناؤها لمصانع عملاقة و بنية تحتية عصرية مجهزة بأحدث التجهيزات.
ثانيا: امتلاكها لمفاتيح التجارة العالمية وتحكمها فى الأسواق الدولية، وما تلا ذلك من قدرة على بناء المشروعات والمؤسسات. فكان أن بنت منظومة تعليمية متقدمة، التى كانت سببا وراء تفوقها العلمى والتكنولوجى والصحى والصناعي.
ثالثا: إنشاؤها قوةَ عسكرية ضخمة، من خلال بناء مصانع حربية متخصصة، لإنتاج كل أنواع الأسلحة المناسبة، للحروب البرية والبحرية والجوية.
العامل الثاني: امتلاكها أسباب «الوحدة»..كل هذه العوامل السابقة مهمة لبناء قوة الولايات المتحدة بدون شك. لكن هناك عامل أساسى هو الذى بدونه، لا يمكنُ لأى دولة ما أن تسودَ وتفرضَ هَيمنَتها على باقى شعوب العالم، ولا يمكن لقوتها أن تتصاعد، ونعنى به «الوحدة».. من حق أمريكا أن تفتخر باسمها الشهير «الولايات المتحدة».. إنَّ اتحاد ولاياتها واندماجَها، رغم اتساع جغرافيتها وتنوع أجناسها، فى إطار دولة عظمى موحَّدة، هو ما أَكسَبها القوة الحقيقية. والحقيقة أن طبيعة هذه الدولة، أنها أمة غير متجانسة لا جغرافيا ولا عرقيا ولا عَقَائدِيا. أى أن كل عوامل التفرقة والصراعات متوفرة بداخلها. غير أن الغريب هو تمكُّنها تاريخيا، من تذويب الخلافات القائمة بين أعراقها، والربط بين جغرافياتها المتنوعة، والقضاء على كل عوامل الصراعات الداخلية، من خلال سَن سياسات ديمقراطية، على الأقل داخل وطنها، جعلت المواطنَ الأمريكى يَشعر بنوع من الانتماء إلى وطن اسمه أمريكا. صحيح أن هناك تمييزا عنصريا ضد السود، وصحيح أيضا أن آلةَ الرأسمالية الطَّاحِنة، خلقتْ طبقات فقيرةً فى أمريكا. لكن على العموم، هناك شيء اسمه دولة، بمثابة مظلة تستظل بها جميع مكونات الشعب الأمريكى المتنوعُ الأعراق والمتعدِّدُ الأصول.
العامل الثالث: الاستقرار السياسي.. إن الاستقرار بكل معانيه السياسية، هو ما يمنحُ الدول معناها الحقيقي، وهو ما يَضمنُ استمراريتها فى كل الأحوال.
العامل الرابع: امتلاكها خيوط السياسة الخارجية.. إلى جانب قوة السياسية الداخلية، لقد عرفت الولايات المتحدة، كيف تَستثمر ظروف الحرب العالمية الثانية لصالحها. فاحتالت بكل الطُّرق من أجل التدخل فى حرب لا تعنيها بشكل مباشر، فحوَّلَتْ نصرَ الحلفاء إلى مجموعة من المكاسب، لعل فى طليعتها تأسيس مجلس الأمن. هذا الأخير مَكَّنها من امتلاك مركزية هذا المجلس، ومكنها بالتالى من تملُّكُ تلك الورقة السحرية المعروفة بـ»الفيتو». فبفضلها صارت «ساحر العالم»، بإمكانها أن تَقْلِبَ الموازين وتغيِّرَ المعادلات، والحقَّ يصير باطلا، أو يصير الباطل حقًّا، أمام اندهاش الجميع وذهول المتابعين. فبفضل «بطاقة الفيتو» العجيبة، يمكنها أن تتلاعب بمصالح الفرقاء الدوليين، فتُرَجِّح كفة البعض، وتسقط كفة البعض الآخر، ضاربة المشروعية الدولية عرْضِ الحائط.. وانفسَحَ المجال أمامها لكى تبسطَ هيمنتَها ليس فقط على مجلس الأمن الدولي، ومن ورائه الأمم المتحدة، وانما على السياسة الدولية بشكل عام.