ذهبت إدارة الديمقراطيين فى الولايات المتحدة غير مأسوف عليها، بعد أن أضاعت كل ذرة حب أو تعاطف من العرب والمصريين.. بعد مأساة حرب غزة ودماء أكثر من 150 ألف فلسطينى بين شهيد ومصاب، 70 ٪ منهم من الأطفال والنساء.
صحيح ان الاهتمامات الاقتصادية للأمريكيين دائماً ما تحسم السباق الانتخابى لصالح المرشح الأكثر عطاء للمواطن الأمريكى وما يدخل جيبه ويخفض من نسبة ضرائبه ويوفر له الرعاية الصحية الجيدة.. ولكن الأمر بالتأكيد يختلف لدى العرب والمسلمين، خاصة خارج الولايات المتحدة، الذين يضيرهم كثيراً تلك المواقف الأمريكية المنحازة دوماً للربيبة المدللة اسرائيل، التى زرعوها فى المنطقة العربية لتكون ذراعاً طولى للمصالح الغربية سواء للولايات المتحدة أو أوروبا، بغض النظر عن أى تحالفات أخرى استراتيجية مع البلدان العربية، لاسيما الغنية منها يستنزفونها عند الحاجة ويستخدمون الفزاعات التى يطلقونها من وقت لآخر للحفاظ على هذا الحبل الصرى الذى يضمن لهم استدامة المنفعة فى كل الأحوال.
ورغم أن ترامب الذى حسم السباق الانتخابى نحو البيت الأبيض، لم يكن هو الرئيس الأمريكى المتوازن تجاه القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية وإنجاز حل الدولتين الذى يمكن أن يحقق السلام فى المنطقة.. بل سارع بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وأعلن عن مشروعه المؤجل «صفقة القرن» التى تضمن لإسرائيل أطماعها وتوسعاتها.. إلا أنه قد يبدو رئيساً أمريكياً قوياً وواضحاً كمعظم الرؤساء الجمهوريين الذين يمكن قراءة مواقفهم بلا لبس أو التفاف كحال الديمقراطيين الذين أساء إلى تاريخهم الرئيس بايدن وإدارته المائعة التى خضعت لأصوات اللوبى اليهودى وسمح لسفاح القرن نتنياهو أن يمارس أقصى درجات صلفه وغروره بانتهاكاته القبيحة لكل القوانين الدولية والإنسانية فى العالم، دون أن يتردد حتى فى قتل موظفى مؤسساتها الإغاثية، بل وإزاحتها من الخدمة مثلما نرى الآن ما يحدث لـ «الأونروا» و«اليونيفيل» فى الأراضى الفلسطينية ولبنان.
>>>
الحقيقة، إننى أرثى للحال التى أصبحت عليها مشاعر العرب، خاصة المصريين تجاه تلك المواقف الأمريكية على مدى نصف القرن الأخير، ومنذ زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون لمصر فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي.. وقد أخذت العلاقات المصرية– الأمريكية على المستوى الشعبى والإنسانى طبيعة دافئة عندما وجه الرئيس السادات الدفة صوب الولايات المتحدة وبدأ عصر الانفتاح ودغدغ مشاعر البسطاء الذين كانوا يظنون أن «أمريكا الضاحكة» كما صورها الصحفى الكبير مصطفى أمين فى كتابه الشهير سوف تضمن لهم الشهد والعسل والرخاء الذى وعدهم به، لاسيما بعد أن نجح الرئيس الأمريكى الطيب جيمى كارتر فى ترجمة مبادرة السلام التاريخية إلى اتفاقات ملزمة فى كامب ديفيد، استكملت تحرير المصريين وأرضهم المغتصبة وأذهبت رئيس الوزراء الاسرائيلى مناحم بيجين إلى قبره مكتئباً، لأنه اكتشف خديعة السادات المنتصر، الذى منحه أوراقاً لم تضمن لإسرائيل التطبيع من الشعوب العربية الرافضة لهذا الكيان الصهيونى المحتل.
ولكن سرعان ما أخذ هذا الود العربى والمصرى والأمريكى يتآكل مع الإدارات الأمريكية المتتابعة، خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 والغزو الأمريكى لأفغانستان والعراق وثورات الربيع العربى الزائف فى 2011 التى أضاعت دولاً وشردت شعوباً، لاسيما مع التحالف مع قوى الشر والجماعات الارهابية المتأسلمة التى لفظها المصريون فى ثورة الثلاثين من يونيو.
ولكى تبدأ مصر فى عهد الرئيس السيسى علاقات متوازنة تعتمد على الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية مع كافة القوى الدولية، بما يحقق المصالح المصرية فى المقام الأول ويحافظ على حقوق الأشقاء العرب، وفى مقدمتهم الشعب الفلسطينى الصامد الذى كان قد رفض تهجيره وتصفية قضيته التاريخية علامة فارقة فى تاريخ العلاقات المصرية– الأمريكية.
>>>
باختصار، لقد تغير المزاج العربي، خاصة المصرى تجاه الولايات المتحدة.. وتظل مسألة المشاعر والحب والكره مقرونة بالوعى والاحترام وتحقيق المصالح، وهذا هو الحال مع ساكن البيت الأبيض الجديد، القديم.. وحتى إشعار آخر.