هل الحب أعمي؟.. نعم وأعمى جدا جدا أيضا. هذا ليس رأى شاعر مكلوم ولا عاشق محروم، بل رأى طبى علمى معملى أثبت خلاله العلماء أن جنون الحب سببه العمى العاطفى الذى يجعل الحبيب هو الأجمل والأروع والأكمل والأفضل والأبدع وكل مشتقات أفعل التفضيل، ويجعل الحياة لا تستقيم بدونه.
هناك مئات القصص الواقعية التى تجسد هذا المعني: طبيبة متفوقة من أسرة عريقة أحبت «سباك» وتزوجته رغم انف أسرتها، ثم لجأت إلى القضاء لينقذها من الزوج «الورطة» الذى يعاملها كما لو كانت «جلدة حنفية» أو «ماسورة مسدودة».
وقصة ثانية: موظف كبير سقط صريع هوى راقصة وضحى بكل شيء حتى تزوجها لينتقل سريعا من عش الزوجية إلى سرير فى غرفة الإنعاش، بعد أن تلقى «علقة» ساخنة من «الطبال» عندما اعترض على «بدلة» الرقص، وعلى إصرار بعض الزبائن على وضع النقوط فى أماكن حساسة، تقديرا للفن.
قصص عديدة ومثيرة وغريبة، تؤكد أن «العمي» يمكن أن يكون سيد الموقف فى الكثير من حالات الحب، وبرغم ذلك كنا وما زلنا نؤمن بأن العيب ليس فى الحب ولكن فى أبطال مثل هذه الحكايات، ونؤمن بأن الوجه الآخر للحب شديد الإشراق رائع الجمال: قمر وسهر وأشواق وأحلام وردية.. ولكن يبدو أن العلماء لهم رأى آخر، وأنهم يصرون على إفساد الكثير من المعانى الجميلة فى حياتنا، تماما كما افسدوا ليل المحبين العاشقين للقمر المناجين له عندما أكدوا أنه ليس سوى صخور وجبال وصحارى وجليد وأجواء موحشة.
القلب الذى عشنا آلاف السنين نؤمن بأنه مركز الحب ورمزه وعنوانه، ليس سوى عضلة أو مضخة من أنسجة تنقبض وتنبسط بالكهرباء، أما آهات المحبين وزفراتهم الحارة وتنهداتهم فهى ليست سوى ردود فعل لنشاط هرمونى يطلق المشاعر، لأن الحب ما هو إلا غدد صماء وتعليمات دماغية وحركات لا إرادية.. هذا بعض ما خرج علينا به العلماء بعد أبحاث علمية معملية فذة افسدت علينا مشاعرنا وعواطفنا.
واخر اكتشافات العلماء أن الحب أعمى بشكل مطلق، وان كل المحبين يعانون من تشويش فى الرؤية، واضطراب فى النظر لا تصلحه النظارات الطبية ولا العدسات اللاصقة، وأن المحبين يعانون من تشوش التفكير وغياب المنطق، وهم يستندون فى ذلك إلى صور الأشعة والفحوص المعملية.
اكتشف العلماء ــ إياهم ــ بعد إجراء عدد من المسوحات الدماغية باستخدام التصوير الوظيفى بالرنين المغناطيسى لعدد من المحبين عند عرض صور أحبائهم، أن الواقعين فى الحب أظهروا نشاطا أقل فى أجزاء الدماغ التى تتحكم فى التفكير وتسيطر على المزاج، بينما تَركّز أكثر النشاط فى المناطق الدماغية المسئولة عن العواطف والأحاسيس والمشاعر، واستندت الدراسة، على متابعة الحالات العاطفية والمسوحات الدماغية لعدد من المتطوعين والمتطوعات، وكلهم فى العشرينات من العمر، ويعيشون حبا حقيقيا، وأظهرت النتائج أن الحب نشط أجزاء الدماغ المسئولة عن الحدس والبديهة، وعن الشعور باضطرابات المعدة، ولكنه ثبط نشاط المناطق المسئولة عن التفكير والإدراك، وهكذا اكتشفنا حقيقة عاطفية جديدة وهى أن أوجاع الحب اللذيذة لا تقتصر على القلب بل المعدة أيضا. الخبراء أكدوا أن هذه الدراسة أثبتت بصورة قطعية أن الحب هو أحد وظائف الدماغ، وفسرت السبب الذى يكمن وراء التصرفات «الحمقاء» للمحبين.
هؤلاء العلماء ــ سامحهم الله ــ اثبتوا لنا أن الحب يعطل التفكير، وأن المحبين أكثر تعرضا للفشل.