حين أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق دعا الناس إلى عبادة رب الكون الواحد الأحد، وأن يتركوا عبادة الأوثان فهى لا تنفع ولا تضر، فآمن به القليل وأنكر عليه الكثير وكان فى مقدمة المنكرين العوراء الحاقدة «أم جميل» كانت لها عين كريمة فاقدة إحدى عينيها، وهى زوجة عمه «أبى لهب» وكان من أشراف قريش واسمه الحقيقى «عبدالعزى بن عبد المطلب».
كانت أم جميل امرأة غنية ذات مال وشرف فى قومها لكنها كانت تسعى بالنميمة بين الناس وتتحدث بها فى مجالس النساء وعلى مسامع الرجال ومع ذلك كانت شديدة البخل على غيرها بل وعلى نفسها فلا تنفق كما كان ينفق الناس ولا تتصدق كما يتصدقون.
كانت أم جميل تصنع لنفسها حبلا ثم تجمع الحطب من جبال مكة.. ولا تكلف بهذا العمل أحدا من فقراء الناس حتى لا تنفق درهما أو درهمين رغم غناها الشديد.. و سورة «المسد» التى نقرأها فى القرآن الكريم نزلت فى أم جميل و زوجها؟
أوحى إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– قوله تبارك وتعالي: «تبت يدا أبى لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، فى جيدها حبل من مسد» «المسد رقم:111» وهى مكية نزلت بعد الفاتحة.
ومن هنا نتساءل ماذا فعل النبى –صلى الله عليه وسلم– عندما نزلت عليه هذه الآيات؟
أرسل –صلى الله عليه وسلم– لمن كان عنده من كتاب الوحى ليكتب ما أنزل عليه ولما انتهى من تسجيل قول الله أخذ يفكر فى ذلك الهجاء الشديد لعمه وامرأته وتبين للنبى –صلى الله عليه وسلم– انه قد انقطعت كل الصلات الطيبة بينه وبينهما حيث كان «عتبة» و«معتب» ابنا عمه قد تزوجا «رقية» و«أم كلثوم» بنتى رسول الله– صلى الله عليه وسلم– وذاعت سورة المسد فى أرجاء مكة كلها.
والسؤال الذى يطرح نفسه كيف كان أثر السورة الكريمة على أبى لهب وزوجه؟
لما سمعت أم جميل بها جاءت إلى المسجد تلتمس رسول الله –صلى الله عليه وسلم– فلم تجده فظلت تسب النبي.
فقال إن محمدا يقول: «إن الله أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين إنى لا أملك لك من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله» فراحت أم جميل تشارك زوجها فى سخريته لأن فى طبعها الأنانية.
ومن شدة حقدها لما بلغها أن النبى –صلى الله عليه وسلم– يأتيه الوحى من السماء ودعا قومه إلي: شهادة أن لا إله إلا الله و انه عبده ورسوله، زاد حقدها على ابن عبد الله وزوجته خديجة.
واستمرت أم جميل فى حقدها وغلها على النبى – صلى الله عليه وسلم– وأبت أم جميل أن تصغى لصوت الحق ولقلبها الذى حاول أن يقنعها بأن نبوءة محمد –صلى الله عليه وسلم– شرف عظيم لها ولزوجها وظلت تدخل الدار تلو الدار فى مكة كلها تسب النبى وتنال من خديجة لتشفى مرض قلبها ، ولم تكتف بذلك بل ذهبت تحرض الناس على من جعل الآلهة إلها واحدا وزعم أنه يكلم من السماء فظلت على هذا الحال تنفث سمومها وتبثها وتزين للناس كيفية مقاومة الدعوة التى فرقت بين الأخ و أخيه والمرء وأبيه والرجل وصاحبته وفصيلته التى تؤتيه.
وظلت أم جميل وهى فى طريق عودتها إلى دارها تجمع الحطب كعادتها فلم تنس بخلها الذى تعودت عليه ولم تكتف بهذا فقط بل تشن حربها الشعواء على النبى –صلى الله عليه وسلم– كان النبى –عليه الصلاة والسلام– قد عانى فى مكة من خلال دعوته الكريمة إلا انه قابل ذلك من أعدائه بالصبر والحكمة والموعظة الحسنة بل والدعوة إلى المحبة الخالصة لله وللناس أجمعين.