أرفض أن يصف البعض صفقة رأس الحكمة بأنها صفقة إنقاذ الاقتصاد المصري، أو أن يعتبرها منحة أو مساعدة من الأشقاء، لأن رجال الأعمال والشركات الاستثمارية الكبرى لا تضع فى دراسة جدواها بندا للعواطف والمشاعر، ولا تخضع مشاريعها لقوانين الاخوة والنسب .. فهى تتحدث فقط لغة المصالح، وتتقنها أشد الإتقان.
صفقة رأس الحكمة هى استثمار مباشر فى مشروع ضخم، تمت دراسته باحترافية، وبكل جدية ودقة متناهية من جانب خبراء ماليين وقانونيين يتمتعون بأكبر قدر من الكفاءة والمهنية، وأسفرت هذه الدراسة عن أن المشروع سيحقق لجميع المشاركين مكاسب أكيدة، وأرباحاً طائلة، سواء على المدى القريب أو البعيد، فكان القرار، وتم التوقيع.
المشروع اعتبره الجانب الاماراتى نجاحا غير مسبوق ونقلة نوعية من حيث ضخامة وأسلوب الاستثمار والشراكة فى مشروعات استراتيجية مع دولة كبيرة بحجم مصر، وفى منطقة جغرافية وسياحية بامتياز، سواء بقربها من السوق الأوروبية، المُصدر الأول للسياحة فى العالم، أو بإطلالتها الساحرة على البحر المتوسط.
اما الجانب المصرى فاعتبر المشروع جزءا مهماً من مخطط التنمية العمرانية لمصر حتى عام 2052، والذى يضع ضمن أولوياته التنمية العمرانية المتكاملة لمنطقة الساحل الشمالى الغربي، باعتبارها من أكثر المناطق القادرة على استيعاب الزيادة السكانية المستقبلية لمصر.
وهذا المخطط الذى جرى إعداده منذ عامين ، قد نص بالفعل على ضرورة إنشاء عدد من المدن الجديدة المستدامة والذكية من الجيل الرابع التى تستطيع استقطاب ملايين السكان، وكانت البداية مدينة العلمين، تليها مدن رأس الحكمة، والنجيلة، وجرجوب، بالإضافة لتطوير المدن القائمة، مثل مرسى مطروح والسلوم.
وبعد إنشاء مدينة العلمين الجديدة، وتجهيز البنية الأساسية لمنطقة الساحل الشمالي، جاء دور التسويق والتفاوض للوصول لأفضل صيغة لاستثمار مدينة رأس الحكمة، ونجح المفاوض المصرى مع الجانب الإماراتى للوصول إلى ما تم التوقيع عليه يوم الجمعة الماضي.
وكما كان هذا المشروع بمثابة نقلة نوعية ضخمة للاستثمار الاماراتي، فقد كان أيضا قفزة هائلة فى مشروعات التنمية العمرانية والسياحية فى مصر، وفى أسلوب جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المصرية.
قد تكون أكثر النتائج الإيجابية العاجلة التى جلبتها تلك الصفقة هى حالة التفاؤل التى سادت السوق المصرية، وعززت ثقة المصريين فى اقتصاد بلادهم، وانتهاء أزمة نقص الدولار مع بداية ضخ الدفعات الأولية من مبلغ الصفقة، وعودة الانتعاش مرة أخرى للشركات والمصانع التى عانت بسبب صعوبة استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج . لكن هناك نتائج أخرى لاتقل أهمية عن موضوع الحصيلة الدولارية، ومنها على سبيل المثال زيادة ثقة المستثمرين الأجانب فى مناخ الاستثمار فى مصر، وجذب أنظار الشركات العالمية الكبرى لإمكانية إقامة مشروعات مماثلة لمشروع رأس الحكمة، وأعتقد أن هناك بالفعل مشروعات وصفقات أخرى سيتم الإعلان عنها قريبا.
مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة لم يكن أبدا طلب إنقاذ، ولا منحة أو مساندة، رغم أن الأشقاء فى الإمارات لم يتأخروا يوما عن تقديم الدعم والمساندة، لكنه كان عبارة عن صفقة خير، ومشروع مشترك يعكس حجم العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين .. قيادة وشعبا.