لكل واحد منا حكاية، أما الشيخ صبرى فله حكايتان الأولى دبرها بعض شباب القرية من الأشقياء أما الثانية فجاءت بمحض الصدفة، بلا تخطيط سابق أو تدبير من أى إنسان.
حدثت وقائع الحكايتين قبل دخول الكهرباء إلى القرية.. الحكاية الأولي: يعمل الشيخ صبرى مؤذنا بالجامع الكبير كما يؤم المصلين فى بعض الأحوال إذا تخلف وهو يحفظ القرآن الكريم، ويرتله بصوت قوى جميل.
يستيقظ الشيخ من نومه مبكرا قبل الفجر بوقت كافٍ يخرج من بيته إلى المسجد يتوقف قليلا عند القنطرة الضيقة ويعبرها بحذر شديد، بعد أن وقع ذات مرة فى ماء الترعة.
حفظت قدماه الطريق جيدا يضرب بعصاه على الأرض، يضبط بها إيقاع خطواته، ويؤنس نفسه فى الشوارع الخالية المظلمة ويدفع بها شر الكلاب أو القطط إذا اعترضت طريقه.
وكان بصره ضعيفا مما جعله حذرا مترددا فى مشيته فى كل ليلة يطرق الباب على بعض أصدقائه مما يوصونه حتى يستيقظوا ويذهبوا لصلاة الفجر، وينادى كل واحد باسمه، أو يكنيه باسم أكبر أبنائه.
إذا وصل إلى الجامع دخل من الباب القبلي، المواجه للشارع الذى يسلكه، وينحرف يمينا ليضع حذاءه فى مكان أمين ويتوجه إلى دورة المياه ليتوضأ قبل أن يرفع الأذان.
دبر جلال الجن خطة شيطانية يدخل بها الرعب إلى قلب الشيخ صبرى فى هذا الوقت من الليل وعرضها على أصدقائه فى المقهى وسهروا طوال الليل ينتظرون اللحظة الحاسمة.
قال لهم إن الدسوقى نوفل يترك حمارته خارج الدار فى هذه الأيام الحارة ومعها وليدها الصغير يجرى من حولها فى الجرن القريب من الجامع وشرح لهم باقى الخطة.
هبط الشيخ إلى دورة المياه وسمع صوت المياه مفتوحة على آخرها نادى بصوت مسموع أغلق الماء يا أخى حرام عليك كل هذا الماء يضيع بلا فائدة خسارة الماء خسارة يا ناس.
قرر الشيخ نداءه لكنه لم يتلق جوابا ظن أنه أحد شباب القرية وغير طريقة الكلام أغلق الماء يا بنى حرام عليك لكن دون جدوي.
دفعع الباب فخرج من خلفه جحش صغير اندفع إلى الخارج وسقط الشيخ على ظهره قرر الشيخ أن يتوضأ فى بيته ولا يدخل دوره المياه حتى تزول آثار الكارثة المرعبة.وكان الجن وعصابته قد أدخلوا الجحش الصغير إلى دورة المياه وأغلقوا عليه الباب وفتحوا الماء عليه قبل دخول الشيخ بوقت قليل.
الحكاية الثانية: فى الليلة الموعودة شق الشيخ صبرى طريقه وسط الظلام الحالك، وطرق نوافذ أصدقائه كما يفعل كل ليلة واتخذ سبيله إلى المسجد حتى انتهى إليه.
صعد درجات السلم وعبر الباب واتجه يمينا ليضع حذاءه فى المكان المعتاد وهو مكان اختاره بعد تفكير طويل وظن أنه لن يخطر على بال أحد من لصوص الأحذية وهم قلة قليلة فى القرى بوجه عام وفى قريته بوجه خاص لكن الاحتياط واجب على كل حال وأسعار الأحذية فى صعود مستمر.
كان المكان الأمين هو نعش القرية الذى يوضع بجوار الحائط الخلفى للجامع.
فى هذه الليلة توجه ليضع الحذاء فى مكانه لكنه أحس بوجود شخص نائم فى النعش.
استعاذ الرجل من الشيطان الرجيم وسمى باسم الله لامست يداه رأس النائم وشعره فصرخ قائلاً: من؟
– زحف النائم فى النعش وجلس فى وسطه.
– صرخ الشيخ مرة أخري:
من أنت؟
وأجاب الجالس فى النعش:
أنا..
كان النائم فى النعش شاباً من القرية، يحمل نفس الاسم، هرب من بطش والده بعد خطأ ارتكبه ولم يجد مكانا يقضى فيه ليلته غير الجامع، ولم يجد مكانا يختفى فيه بعيدا عن عين والده سوى هذا المكان.
أعاد الشيخ مرة ثالثة:
من أنت؟
أنا صبري؟
أخذ الشيخ حذاءه وعاد من حيث أتى وهو يقرأ آية الكرسي، وخرج عائدا إلى بيته وهو يقول: أنت صبرى فمن أنا؟
ومضى يكرر هذه العبارة حتى وصل إلى منزله.