اندهشت وتعجبت عند سماعى أن الدولة تتحمل 90 مليار جنيه سنويا من أجل دعم رغيف العيش لبستفيد من ذلك حوالى 72 مليون مواطن.. هذا رقم خيالى ومعناه أن الفرد الواحد من الذين يصلهم الدعم يخصص له 1250 جنيهاً سنويا.. يعنى اكثر من مائة جنيه شهريا من أجل الحصول على 5 أرغفة عيش يلدى يوميا بالسعر المدعم من الحكومة وهو 5 قروش للرغيف الواحد.. بينما تبلغ تكلفته الحقيقية حوالى سبعين قرشا.. ومن أجل تحقيق ذلك تقوم الدولة بتوفير الدقيق اللازم لأكثر من 31 ألف مخبز على مستوى الجمهورية لتصنيع الرغيف الميرى بمواصفات معينة وبيعه بالسعر المدعم.. وهذا يستلزم تطبيق نظام ادارى ومالى ورقابى معقد ومكلف من أجل ضمان عدم التلاعب والتحايل فى التعاملات بين الدولة وبين المخابز وكذلك العلاقة بين المواطن والمخابز.. سلسلة طويلة من اجراءت الرقابة والمتابعة.. والتى دائما ما تفترض سوء النية.. وهى محقة فى ذلك تماما.. وبالطبع فهذه الإجراءات الرقابية لها تكلفة مرتفعة تتحملها الدولة وتضاف الى ما تتكلفه لدعم رغيف العيش.. ورغم كل هذه النظم الرقابية.. فإن الأمر لا يخلو من أساليب التلاعب والمراوغة والكسب الحرام.. وما أكثرها.. والتلاعب لا يحدث فقط من قبل المخابز.. ولكنه قد يمتد أيضا الى المواطن.. فليس من المتوقع أن يكون العدد الفعلى للمستفيدين من دعم الخبز هو 72 مليونا.. منهم من مات ومنهم من سافر ومنهم من لا يحتاج للدعم من الأساس.. وكثير وكثير من الاحتمالات .. وهل رغيف الخبز المدعم.. والذى يقال عليه «العيش البلدي».. هو يؤكل بالفعل من قبل كل من يصرف له.. أم أن مصيره ينتهى فى عشة الفراخ والبط أو الأرانب أو طعام للماشية.. بينما يقوم المواطن بأكل «العيش السياحي» والذى يدفع فيه جنيها كاملا.. ولا أعلم لماذا نسميه بالرغيف السياحي.. والذى هو بالفعل أجود مذاقا من نظيره البلدي.
دعم رغيف العيش مشكلة قومية واقتصادية كبيرة.. وصداع مزمن.. الكل يشكو والكل غير راض رغم التكلفة العالية التى تتحملها الدولة والعبء والجهد الكبير الذى تستلزمه الإجراءات الرقابية.. والتى من الصعب عليها أن تسد كل الثغرات أو القضاء على كل التجاوزات.. وقد حان الوقت أن نفكر جديا فى أسلوب آخر يضمن للدولة أن يصل دعمها الى من يحتاجه مباشرة وبشفافية وأسلوب واقعى وسلس.
أيام زمان الحلوة.. كان من الطبيعى أن كل منزل فى الأرياف يأكل من الخبز الذى يتم خبزه فى المنازل.. ولو سألت أى أحد ممن يعيش فى القري.. لسمعته يتمنى أن يعود هذا الرغيف بكل اشكاله الشهية.. فلماذا إذن لا نقوم بتوفير الدقيق المدعم الى المنازل مباشرة فى الأماكن القروية ليقوموا هم بخبزه فى المنازل كما تعودوا على ذلك منذ زمن بعيد.. وبذلك نتخلص من الثغرات فى تعامل الدولة مع المخابز وتعامل المخابز مع المواطن وتعامل المواطن مع الرغيف البلدي.. أرجو أن نتدارس هذا الاقتراح جديا.. وبفكر منفتح.. ومتقبل لكل فكر أو رأي.. بعيداً عن الآراء المتشنجة والتى لا تتقبل النقد أو التطوير.