تشهد أمريكا اليوم واحداً من أكثر الانتخابات الرئاسية حساسية وسخونة، من ناحية المنافسة بين كامالا هاريس عن الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، ومن ناحية أخرى فى ظل الأحداث الساخنة والملتهبة على الساحة العالمية والحروب المشتعلة فى عدة مناطق وعلى رأسها ما يدور فى غزة واوكرانيا.
من جانبى لا أرى خيرًا فى أى من المتنافسين، ولا أتفاءل بأى منهما، فكلا الاختيارين «مر» بالنسبة للعرب والمسلمين والشرق الأوسط، ولا خير فى هذا ولا تلك، وذلك ليس من قبيل التشاؤم، ولكن التاريخ والواقع يؤكدان ذلك، حيث ينحاز الأمريكان ضد مصالحنا وحقوقنا على مدار التاريخ الحديث.
ولم يكن هذا يقتصر على وجهات نظرنا نحن المتضررين من السياسة الأمريكية التى تكيل بألف مكيال، بل من داخل الولايات المتحدة نفسها، إذ يقول الخبير الأمريكى ويل شرايفر إن الانتخابات الرئاسية «اختيار للسم فى الحالتين»، ويرى أن ترامب يتظاهر خلال حملته الانتخابية بالسلام، وأنه خلال ولايته الأولي، لم يكن محبا للسلام كما يزعم الآن، وزعم قدرته على وقف القتال فى أوكرانيا فى غضون 24 ساعة، بينما خلال فترة رئاسته الماضية، تم بناء عدة قواعد ومختبرات سرية لإنتاج الأسلحة البيولوجية فى أوكرانيا، ولا شك فى أن الفترة الرئاسية الثانية لترامب، «إذا فاز» ستكون متهورة، على الأقل من الناحيتين الجيوسياسية والعسكرية، وفى نفس الوقت فإن رئاسة هاريس «إذا فازت»، لن تكون أفضل وستؤدى إلى نتائج مماثلة.
وقد أعربت هاريس عن رغبتها فى توقف الحرب فى الشرق الأوسط وعودة المحتجزين، وستفعل كل ما بوسعها لوقفها.
ويبقى هناك أمران مهمان، الأول أنه لا أحد يعول على ما يقال فى الحملات الانتخابية، فهى مجرد دعايات ووعود ولا محاسبة عليها، بجانب أن أمريكا تعيش مرحلة ركود سياسي، من بيات شتوى وخمول صيفي، فمنذ أن دخلت ولاية الرئيس الحالى جو بايدن السنة الأخيرة له فى الحكم، هى فترة تسمى «البطة العرجاء»، وهو اصطلاح أميركى يطلق على الرئيس فى السنة الأخيرة من عهده، لأنه يفتقر إلى الدعم لتمرير السياسات والمشاريع المهمة، وربما يكون هذا أحد أسباب استمرار الحرب الطاحنة على غزة، وعدم قدرة الإدارة الأمريكية على الضغط على الصهاينة لوقف الحرب خشية تأثير اللوبى اليهودى فى أمريكا على نتائج الانتخابات.
الأمر الثانى أن أى رئيس أمريكي، فى الواقع والحقيقة محدود الصلاحيات، ولا يحكم وحده، إنما هناك جهات عدة تشاركة المسئولية واتخاذ القرار خاصة الحساسة، لذلك يطلق عليها «الإدارة الأمريكية»، وتختلف سياساتهم مع الشرق الأوسط تحديداً، بين قرارات نابعة عن قناعات شخصية وأخرى تخضع للسياسة الأمريكية الأوسع.
ويرى وزير الخارجية الأمريكى الراحل هنرى كيسنجر فى كتابه «الدبلوماسية» الذى صدر عام 1994، «أن السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط تعتمد على المصالح الأمنية والإستراتيجية والاقتصادية، والتحالفات الإقليمية، وأن الولايات المتحدة تجد نفسها فى موقف حرج يتطلب دعم إسرائيل كشريك إستراتيجى وحليف ديمقراطى فى منطقة غير مستقرة».
وهناك مجموعات تُعتبر أساس اتخاذ القرار السياسى الخارجي، من بينها مجلس الأمن القومي، ووزراء ومستشارون كوزير الخارجية ووزير الدفاع والأمن القومى ومستشار الأمن القومى ووزير الأمن الوطني، وتلعب وكالات الأمن والاستخبارات دوراً كبيراً فى تشكيل سياسة الشرق الأوسط.
ولم تكن أمريكا الآن كما هى فى السابق، بل تعتريها القلاقل والخلافات الداخلية التى ربما تصل قريبا إلى حد الصراعات وحتى الاقتتال الداخلي، وهذا له بوادر كثيرة، منها احداث يناير بعد فوز بايدن ضد ترامب، كما خطط عدد من الأمريكيين الأثرياء لمغادرة البلاد فى الفترة التى سبقت هذه الانتخابات، خشية الاضطرابات والعنف مجددًا.
وتتزامن هذه الأحداث مع الذكرى الــ 107 لوعد بلفور المشؤوم والنكبة، التى تتحمل مسئوليتها بريطانيا والولايات المتحدة، اللتان قامتا بزرع الكيان الصهيونى ذلك الوباء السرطانى فى جسد الأمة العربية.