نعيش ذكرى تحويل القبلة التى وقعت فى منتصف شعبان فى العام الثانى من الهجرة، والتى نستطيع أن نسميها حادثة اختبار الايمان، أو صناعة المسلم الخالص ، ونستطيع أن نلحظ الهدف التربوى منها فى قوله تعالى من سورة البقرة: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ».
ولأن العرب قبل الاسلام كانوا يعظمون البيت الحرام ويعلمون أنه بيت الله فى الأرض وقد بناه جدهم ابراهيم ويعلمون أن أباهم هذا كان نبيا وهم على دينه، وأن الناس تأتى إلى هذا البيت من كل مكان ليعظموه ويقدسوه ويذبحوا الذبائح عنده، بل إن مكانة القريشين ومكة بين العرب كانت من خلال هذا البيت.وقد تأكد للناس ذلك من خلال ماتناقلوه من اخبار أجدادهم، بل ومن خلال ما حاق بأبرهة الحبشى عندما فكر فى هدم البيت، وكذلك مما كان من موقف كبيرهم عبد المطلب الذى ترك البيت دون دفاع عنه فى وجه أبرهة، وهو يثق أن صاحب البيت سيحمى بيته وهو ما حدث.
الأكثر من ذلك أن المسلمين الذين آمنوا برسول الله علموا بما نزل عليه من قرآن يؤكد هذه الحقائق التى تتمثل فى أن الكعبة بيت الحرام وقد نالت مكة القداسة والمكانة لدى الله من خلال ذلك فأقسم بها فى سورة البلد حيث يقول تعالى فى سورة البلد: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» كما تأكدث هزيمة أبرهة فى سورة كاملة من سورالقرآن وهى سورة الفيل وهى سورة مكية. ثم ينزل الأمر فجأة من السماء بالصلاة إلى بيت المقدس هنا يكون الاختبار الشاق للمؤمنين وهو ما أشار إليه قوله تعالي: «وما جعلنا القبلة التى كنت عليها» يقصد بيت المقدس لأن الايمان يقتضى التسليم بما جاء به مهما كانت المشاعر متباينة معه ومهما كانت الحقائق لكى يصنع مؤمنا خالصًا قويا، لذا كان قوله تعالى «إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه» بل أن القرآن الكريم يقر بصعوبة هذا الاختبار إلا على المؤمنين حقا فقال: «وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله».
وبعد أن يستقر المؤمنون الخلص على السمع والطاعة– ويتخلصوا من قيم الجاهلية التى تتمثل فى التعصب القبلى والتعصب لما عليه أجداده ويلتزموا بما تأمر به السماء حتى ولو شكك اليهود فى دينهم بسبب اتخاذ نفس ما يتخذونه من قبلة– يأتى أمر السماء مرة أخرى بالاتجاه إلى البيت الحرام وهنا لا يسع المؤمن الحقيقى إلا التسليم بالأمر لأنه يوقن فى إيمانه مصدق برسول الله واثق بما يقضى به ربه.