على مدار الشهور القليلة الماضية استطاعت القيادة السياسية أن تؤكد للجميع بالداخل والخارج أن الأمن القومى للدوله المصرية لم يغب لحظة واحدة عن تفكيره منذ توليه مسئولية إدارة البلاد فى الظروف الصعبة، والتى كانت تمثل تحدياً حقيقياً لأمن واستقرار البلاد وكان هذا التحدى له الأولوية القصوى لدى القيادة، ونجح فى ذلك بامتياز حينما قضى على الإرهاب فى سيناء، وعمل على قدم وساق فى تنمية تلك الأرض التى تمثل خطّ الدفاع الأول عن الدولة المصرية وتحقيق الأمن والأمان لشعبها.
تدريجياً بدأ الرئيس السيسى فى التعامل مع التحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى بحكمة، وهدوء، وصبر لما يتعود عليه المصريون وأيضا القوى الكبرى، وغيرها من الدول ذات الأطماع فى خيرات مصر، حيث استطاع على مدار السنوات الماضية من تأمين حدود الدولة الأربعة، ومن ثم التعامل مع التهديدات الإقليمية بخطوات مدروسة بشكل يتفق مع كافة القوانين والأعراف الدولية، وبما لايسمح لأى إن كان أن يتطاول أو يهدد مصر وشعبها.. هنا سوف نكتفى بالإشارة إلى التنسيق الواعى الفاهم لهذه التهديدات، والمتعلق بالتنسيق مع كل من الصومال، واريتريا بما يساعد على تحقيق واستمرارية الملاحة فى البحر الأحمر، والمرور بقناة السويس – تمثل جزءاً هاماً من الدخل القومى للدولة المصرية.
فى نفس الإطار كان تأكيد الرئيس على أن الدائرة الأفريقية تدخل ضمن محددات الأمن القومى المصرى – ظهرت فى ستينيات القرن ثم اختفت لأكثر من ثلاثة عقود حتى عادت إلى مكانتها مع تولى الرئيس السيسى المسئولية – هذا التأكيد ظهر بوضوح فى حرصه شخصياً على المشاركة فى المحافل الدولية المعنية بدول القارة وهمومها والتحديات التى تواجه دولها ومتحدثاً مع زعماء دول العالم باسم أفريقيا وهمومها التى تعتبر بصورة أو أخرى ضمن هموم الدولة المصرية وتحدياتها، مثلما حدث خلال كلمته فى اجتماعات «البريكس بلس» التى عقدت مؤخراً فى روسيا برئاسة الزعيم الروسى بوتين.
كلنا نعلم ما تعانى من دول القارة من أشكال متنوعة من الإرهاب، وتنامى معدلات الجريمة المنظمة العابرة للدول والهجرة غير الشرعية، والتهريب، ولكن يبقى التهديد الرئيسى ممثلاً فى وجود جماعات إرهابية تمتلك لترسانة من القدرات العسكرية تقارب ما تملكه الجيوش النظامية، فضلاً عما تملكه هذه الجماعات من موارد اقتصادية، وقدرات إعلامية، ووسائل اتصالات تكنولوجية متطورة.
مخاطر هائلة دفعت دول التجمع للساحل والصحراء إلى وضع آلية تنسيق متكاملة أتاحت لها تبادل المعلومات والخبرات فى التصدى لكافة التهديدات، وتسارعت الخطوات نحو إنشاء المركز الإقليمى لدول الساحل والصحراء على أرض مصر بالاتفاق الواضح بين دول القارة على ضرورة إنشاء مركز لمكافحة هذا النوع الجديد من الإرهاب والاستفادة من الخبرات المصرية المتنوعة والمتعددة فى هذا المجال.
الجديد الذى يستحق الإشارة إليه، والتأكيد عليه قيام مجلس الوزراء بتنفيذ توجيهات الرئيس السيسى بتأسيس آلية تخصص لتمويل دراسة وتنفيذ المشروعات التنموية والبنية الأساسية بدول حوض النيل، وبما يتواكب مع سعى الدولة لتطوير الإستراتيجية الإنمائية المصرية فى أفريقيا لتتواكب مع المتغيرات المتسارعة التى تشهدها القارة والعالم بأسره فى المرحلة الراهنة، مع التركيز فى المرحلة الأولى على منطقة حوض النيل فى ضوء العلاقات التاريخية والوثيقة بين مصر ودول حوض النيل.
كما أشارت تصريحات رئيس الوزراء عقب إقرار المقترح لهذه الألية إلى أن مصر تولى اهتماماً خاصاً بتعزيز علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، ولاسيما دول حوض النيل، باعتبارها عمقاً إستراتيجياً للدولة المصرية، وهناك حرص شديد على تحقيق نوع من التكامل الاقتصادى والتنموى معها، بجانب تحقيق التنمية الشاملة وتفعيل الشراكات متعددة الأطراف بما يلبى طموحات الشعوب الأفريقية الشقيقة، لافتاً إلى الجهود التى تبذلها الخارجية المصرية فيما يخص العمل التنموى فى القارة الأفريقية خلال الفترة الماضية، والمساعى الجارية لتطويرها خلال الفترة المقبلة.
كما تشير التصريحات لرئيس الوزراء فإن الآلية تهدف إلى تحقيق التنمية على أساس المشاركة والتعاون بين مصر وأشقائها فى دول حوض النيل من خلال تعزيز الاستثمار فى المشروعات التنموية ومشروعات البنية الأساسية فى هذه الدول، على أن يتم ذلك وفقاً للمعايير الاقتصادية السليمة لتعزيز فرص نجاح تلك المشروعات وجذب التمويل الأجنبى.
هذه الآلية «العبقرية» من وجهة نظرى المتواضعة تمثل نقطة تحول حقيقية فى دعم العلاقات بين مصر، وهذه الدول، وكنا فى حاجة شديدة لوجودها لتعمل بشكل اكثر ديناميكية وفاعلية، وقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة فى الوقت المناسب، وبما يتناسب مع قدرات الدولة المصرية التى يعلمها شعوب النيل، وذلك بحكم معايشتى لهذه العلاقات المميزة على مدار أكثر من عشرين عاماً من خلال عملى الصحفى حيث تنظر هذه الشعوب إلى مصر باعتبارها «الشقيقة الكبرى» لهم، وما أسعدنى صراحة بهذه الآلية أنها سوف تعتمد فى تمويلها على ثلاثة مصادر للتمويل ميزانية الدولة المصرية، والشراكة مع القطاع الخاص المصرى، والشراكة مع الأشقاء فى دول حوض النيل، وشركاء القارة الأفريقية من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، مما يعطيها حرية التحرك، واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، والتنسيق مع الشركاء الدوليين المعنيين بتنمية دول القارة والاستفادة من الخبرات المصرية فى هذا الشأن الأفريقى.
فى النهاية تبقى تحية واجبة للرئيس السيسى على قدرته على العمل فى صمت، ورؤيته المستقبلية والإستراتيجية للتحديات الراهنة والمستقبلية التى تواجه الأمن القومى المصرى، ووضع أسس متينة وقوية وقادرة للتعامل معها.
خارج النص:
يبقى إنشاء هذا المركز الإقليمى لمكافحة الارهاب على أرض مصر خطوة كبرى للتعاون الإفريقى لدول تجمع الساحل والصحراء، ليظل الإخاء عنواناً لدول القارة السمراء مساراً واحداً ومصيراً مشتركاً.