من القاهرة للدوحة ذهابا وعودة، نحن أمام اجتماعات وجولات جديدة، من المفاوضات أملا فى الوصول إلى هدنة فى قطاع غزة و وقف إطلاق النار تمهيدا لإنهاء هذه الحرب الظالمة التى جاوزت العام، ولهذه المفاوضات تحديدا ظروفها التى تختلف عن نظيراتها السابقة، كونها تأتى فى خضم الاستعدادات لاستحقاق دولى يشغل العالم هو الانتخابات الأمريكية، التى قد تؤثر سلبًا أو إيجابًا على جهود الوسطاء وحراكهم الدبلوماسى المكثف، الذى انطلق الأسبوع الماضى وسيستكمل خلال الأيام القادمة.
فى القاهرة كشف الرئيس عبدالفتاح السيسى الأحد الماضى عن مقترح لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة يومين فى قطاع غزة، ينص على الإفراج عن أربعة رهائن إسرائيليين وبعض الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض على استكمال الإجراءات فى القطاع وصولا لإيقاف كامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات وهى المسألة التى لطالما شددت عليها مصر فى ظل عرقلة إسرائيلية لجهود توصيل الغذاء والدواء وغير ذلك من الإمدادات الإنسانية الأساسية لسكان غزة، مما يعرض حياة الناس للخطر.
أعلن الرئيس السيسى عن مقترحه بالتزامن مع بدء جولة محادثات جديدة لنفس الغرض فى الدوحة بين الإسرائيليين والأمريكيين والقطريين، وهو ما يعكس رغبة وعزم الوسطاء لتحريك المياه الراكدة منذ أكثر من شهرين والوصول إلى هدنة لإنهاء هذا الوضع المتأزم.
فى نفس السياق تبدو إدارة بايدن فى أيامها الأخيرة أكثر تفهمًا ودفعًا باتجاه البحث عن حلول ومخارج سياسية، لكنها فى نفس الوقت تبقى عاجزة عن الضغط على إسرائيل قبل أيام من الانتخابات الأمريكية وتريد بأى حال أن تضمن لإسرائيل مكاسبها عند إنهاء هذه الحرب كما أن نخبًا متزايدة فى إسرائيل، وبالذات فى المستويين: الأمنى والعسكرى، باتت تعتقد أن الحرب استنفذت أغراضها، وأن إسرائيل تواجه استنزافًا حادًا.
المتفائلون بفرص نجاح المفاوضات يبنون مقاربتهم على جملة من التطورات، السياسية والميدانية، فميدانيا ما زالت المقاومة صامدة وثابتة، وهى تواصل عمليات الاستنزاف لجيش الاحتلال، على الرغم من قسوة الميدان وهول المعاناة الإنسانية ويرى المتفائلون أيضا أن الانتخابات الأمريكية، أيًا كانت نتائجها، ستعجل فى وضع نهاية للحرب، لكنى أختلف فى هذه النقطة وأرى أن من سيحكم نهاية هذه الحرب هو اسم الرئيس الأمريكى القادم، فإن جاءت كامالا هاريس، أتصور أن نتنياهو سيسعى إلى صفقة موسعة تدعمه فيها هاريس لكنها ستكون صفقة على المزاج والمقاس الإسرائيلى على طريقة «هذا ما لدينا لإنهاء الحرب لو كنتم تريدون إنهائها»، بفرض الرؤية الإسرائيلية للحل النهائى، لتغيير قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط، والتطلع لدور إسرائيلى مهيمن فى إقليم، يراد استتباعه بالكامل.
وإذا جاء دونالد ترامب، فالأرجح أنه سيكون أكثر سخاء مع نتنياهو وسوف لا يعنيه وقف الحرب قدر ما يعنيه مكاسب إسرائيل وبهذه المعادلة قد يسعى نتنياهو إلى مزيد من التصعيد وتوسيع رقعة الصراع وسيزداد الصدام مع إيران.
لكن فى الواقع الحالى حتى وإن أبدت حماس بعض اللين فى مواقفها نزولا على رغبة الوسطاء كالقبول مثلا بوقف مؤقت لإطلاق النار أو انسحاب جزئى للجيش الإسرائيلى من القطاع وهى التى كانت تتمسك بالوقف الدائم والانسحاب الكلى فأتصور أن نتنياهو لن يبدى أى لين فى موقفه وسيتمسك برؤية اليمين المتطرف فى إسرائيل الذى يتزعمه وزيرا المالية والأمن القومى المتطرفان سموتريتش وبن غفير وهدف هؤلاء ليس إنهاء الحرب وعودة الرهائن ولا حتى القضاء على حركة حماس، إنما الهدف هو التخلص من فلسطين ومنع الحديث حول إقامة دولة فلسطينية، ومن لم يمت بالتفجير أو الرصاص سيموت من الجوع والعطش والمرض، وصولا إلى إعادة احتلال غزة والعودة لما قبل 2005، فوزير الأمن القومى الإسرائيلى المتطرف إيتمار بن غفير يطالب دائما ببدء استيطان إسرائيلى فى غزة، متبنيا مبدأ «حيث لا يوجد استيطان، لا يوجد أمن» ويزعم أن إسرائيل باتت مهيأة لحروب طويلة الأمد، بخلاف ما كان يعتقد سابقًا، وأن جبهتها الداخلية، أصبحت أكثر استعدادًا لدفع فواتير الحرب وتكاليفها، لا سيما حين تكون هذه الحرب، حرب وجود، كما جرى ويجرى وصف طوفان الأقصى فى الأدبيات الإسرائيلية.