استكمالا للحديث الذى بدأته فى الأسبوع الماضى حول ضرورة تنمية الريف المصرى بما يحقق كل احتياجات المواطنين من السلع الرئيسية الإستراتيجية نواصل اليوم استكمال هذا الحديث المهم والذى يعد من أهم الموضوعات التى يمكن مناقشتها فى ظل التنمية المستدامة التى تقوم بها الدولة المصرية. فى الحقيقة ان الريف المصرى يمتلك العديد من المقومات التى تجعله منتجا للسلع الرئيسية التى يحتاجها المواطنون بدلا من الاستيراد من الخارج وتوفير العملات الأجنبية الكثيرة التى يتم انفاقها من أجل استيراد السلع الأساسية التى يحتاجها المواطن.. إن الريف المصرى لديه الكثير من المقومات لذلك وضربنا أمثلة بما كان فى الماضى عندما كانت الفلاحة المصرية وزيرة للمالية والاقتصاد فى آن واحد. فهى تنتج الكثير من هذه السلع التى يتم استيرادها الآن بمبالغ طائلة تكلف ميزانية الدولة الكثير من الأموال فى استيرادها. فقد كانت تقوم بتربية الدواجن والحصول منها على بيض المائدة وخلافه. إضافة إلى تربية جاموسة أو بقرة حلوب تدر الألبان الكثيرة التى يصنع منها الزبد والجبن بكل أنواعه المختلفة. السؤال إذن لماذا تراجع دور الريف المصرى عن أداء هذا الأمر البالغ الأهمية؟!.. هذا السؤال يستحق المناقشة بكل جدية لأن الأمر بات جد خطير. اعتقد انه فى ظل ما تقوم به الدولة حاليا من الاتجاه إلى تنمية الريف بشكل صحيح سنجد هذا الدور يعود من جديد لأداء دوره. وهذا يتمثل فى أمور كثيرة.. لم تعد التنمية فى الريف تكتفى فقط بما نقول، وإنما هناك أمر بالغ الأهمية يتمثل فى كيفية تحديد الزراعات المطلوبة،طبقا لما كان فى الماضى والمعروف بنظام الدورة الزراعية. بمعنى أن المطلوب هو إصدار توجيه لقطاعات معينة من الفلاحين بزراعة القمح مثلا أو الأرز أو أى سلعة إستراتيجية طبقا للمتطلبات التى تحتاجها الدولة لسد العجز فى هذه السلع الأساسية والرئيسية.وهذه فكرة ليست صعبة ويتم من خلالها التنسيق بين وزارات الزراعة والرى والتجارة والصناعة، بمعنى ألا تعمل كل وزارة بمعزل عن الأخري. وبهذا نستطيع أن نتمكن من التقليل من الفجوة فى نقص السلع الأساسية التى تكلف الدولة أموالا باهظة فى استيرادها لسد احتياجات المواطنين.
من غير المعقول أو المقبول على الاطلاق أن نجد المزارعين يحددون بأنفسهم ماذا يزرعون وتكون النتيجة أن الرقعة الزراعية يتفتت إنتاجها بشكل عشوائى لا يغنى ولا يفيد. فلو أن الحكومة حددت لكل محافظة من المحافظات ماذا تزرع فى اطار خطتها القومية لتوفير وسد العجز فى السلعة الرئيسية لاختلف الوضع تماما. وبذلك نضمن وتحديدا تقليل الفجوة ما بين الإنتاج والاحتياجات لهذه السلعة. فمثلا زراعة القمح.. كلنا يعلم أن نسبة عالية جدا من القمح يتم استيرادها من الخارج بأموال باهظة. ونجد فى ذات الوقت أن هناك مساحات واسعة من الأرض الزراعية لا يتم استغلالها فى زراعة القمح، ويتم استغلالها فى زراعات أخرى قد لا تفيد وممن الممكن أن يستغنى عنها المواطن، ولا تكون ضرورية بالنسبة له مثل الموز وخلافه. وللأسف نجد أن مساحات شاسعة من هذه الأراضى تستغل فى أمور لا حاجة للبلاد بها. ضربنا من قبل مثلا بزراعة القمح هناك لدينا أراض صحراوية كثيرة ولدينا أراض طينية واسعة فى الوادى والدلتا تصلح لزراعة القمح، ورغم ذلك لا نجد المزارعين يقبلون على زراعة هذا المحصول الإستراتيجي.
والأسباب واضحة وظاهرة وهى لجوء الفلاح إلى ذلك خوفا من عدم ضمان تسويق محصوله والحصول على أكبر عائد منه. لكن الأمر بسيط جدا لو أن هناك توجيها من الحكومة، وتحديدا من وزارتى الزراعة والرى بزراعة هذا المحصول لإختلفت الصورة. وقلت الكمية التى نستوردها من الخارج ولابد من توفير كل الضمانات الكافية للمزارع واطمئنانه على محصوله، بأن الدولة ستحصل عليه بالسعر المناسب وليس بسعر متدن. وبذلك نضمن قيام المزارع والفلاح بالإقدام على زراعة القمح. لكن للأسف الشديد هذا لا يوجد على الاطلاق. ومن هذا الأساس لابد من إعادة النظر كلية فى السياسة الزراعية الحالية، خاصة فى توجيه المزارعين ماذا يزرعون وما تحتاجه البلاد من سلع رئيسية،وعلى رأسها القمح.. إذن الأمر يتطلب فقط هو قرارات فوقية ويتم ذلك من خلال التنسيق بين الوزارات المختلفة بمعنى ألا تعمل كل وزارة فى جزيرة منعزلة عن الأخري. وبالتالى لا نجد أن وزارة التجارة المطلوب منها استيراد السلع الأساسية أو الإستراتيجية الناقصة لديها برقم معين، فى حين أن الناتج المحلى من هذه السلعة لدينا قليل ،لو أن هناك تنسيقا بين هذه الوزارات ستختلف الصورة تماما وتقل الفجوة بين المنتج والمستهلك، وتنحصر عملية الاستيراد فى كمية أقل مما يوفر على الدولة الكثير من العملات التى تنفقها من أجل الحصول على هذه السلع لتوفيرها للمواطن.
المطلوب هو إعادة التخطيط مرة أخرى للتنسيق بين كل الوزارات المعنية بتوفير السلع الإستراتيجية للمواطنين، بحيث لا تعمل كل وزارة بمعزل عن الأخرى لأنه من غير المنطقى على الاطلاق أن تعمل وزارة الزراعة فى واد والتجارة فى واد آخر والرى فى واد ثالث. فكل هؤلاء مسئولون بالدرجة الأولى عن توفير السلع الأساسية التى يحتاجها المواطن. ومن هنا لابد من ضرورة القيام بعمليات تنسيق واسعة فيما بينهم، إضافة إلى قيام كل وزارة بأداء دورها المنوط بها، ويأتى على رأس ذلك وزارة الزراعة فى ضرورة تنمية الريف، واستغلال أراضيه المختلفة فى زراعة السلع الأساسية التى يحتاجها المواطنون، بدلا من استيرادها من الخارج بأموال باهظة.
.. وللحديث بقية..