نفذت إسرائيل فجر يوم 26 أكتوبر الجاري، بعد دراسات مستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 25 يوماً ثلاث هجمات جوية بطائرات أمريكية الصنع مخترقة الأجواء الجوية للأردن والعراق، وأعلنت إسرائيل استهدافها لقواعد الدفاع الجوى الإيرانى فى ثلاث محافظات حول طهران ومصانع خلط الوقود الصاروخى الصلب المستخدم فى صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية.. وأعلن نتنياهو وجالانت أن الهجمات الجوية الإسرائيلية كانت دقيقة وقوية وستحقق شللاً لقدرات إيران التصنيعية فى مجال صناعة الصواريخ عامة والصواريخ الباليستية خاصة.
والسؤال هنا هل فعلاً الضربة الجوية الإسرائيلية لإيران كانت موجعة حالياً ومستقبلياً كما يعلن القادة الإسرائيليون؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب النظر إلى التطور العالمى فى صناعة الصواريخ.. حيث نرى عدم توافر قدرات عالمية لصناعة الصواريخ قبل الحرب العالمية الأولى حيث بدأت الجيوش المشتركة وخلال الحرب تصميم وتصنيع صواريخ ذات مديات حتى 14كم كوسيلة للتغلب على القصور فى مديات الذخائر التى لم تتعد الـ 8كم فى ذلك الوقت ومع نهاية الحرب نجح تصميم وتصنيع صواريخ ذات مدى حتى 20كم معتمدة على محرك صاروخى ورأس حربى وطابة وفونية وباستخدام الوقود الصاروخى الصلب ثنائى القاعدية المعتمد على النيتروجلسرين والنيتروسيليللوز وإضافات كيماوية عديدة أخرى وكانت طفرة كبيرة لوحدات المدفعية والمشاة فى الجيوش على مستوى العالم ومع تطور علوم وتكنولوجيات الصواريخ وخلال الحرب العالمية الثانية ولاحتياج القوات الألمانية لصواريخ ذات مديات أكثر من 250كم لقصف لندن من الأراضى الفرنسية نجح العلماء الألمان فى تصميم وتصنيع صواريخ v-1 وv-2 المعتمدة على محركات صاروخية ذات وقود صاروخى سائل من خلال تصميم محركات ذات جسم أسطوانى بداخله خزانات للوقود السائل المحتوى على عناصر الكربون والهيدروجين وأخرى للمؤكسد السائل المحتوى على عنصر الأكسجين مما يؤدى تفاعلهم فى غرفة الاحتراق إلى انبعاث غازات وحرارة عالية تؤدى إلى تحرك الصاروخ بسرعات عالية والوصول لمديات من 280كم إلى 350كم.. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية واستقطاب الولايات المتحدة الأمريكية 70٪ من العلماء الألمان المتخصصين فى مجالات تصميم وتصنيع الصواريخ ومكوناتها فى مجال الصناعات الميكانيكية والتوجيه والرؤوس الحربية والطابات وتصميم وصناعة الوقود الصاروخى واستقطاب الاتحاد السوفيتى على 25٪ من هولاء العلماء اقتحمت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى مجالات تصميم وتصنيع الصواريخ الموجهة ذات المديات الأطول خاصة مع تنفيذ برامج غزو الفضاء والاحتياج إلى محركات صاروخية حاملة لمركبات الفضاء ذات قدرات عالية وقوة دفع وزمن احتراق أطول.. ومع تطور علوم وتكنولوجيات البتروكيماويات نجحت كلتا الدولتين فى تصميم وتصنيع وقود صاروخى صلب جديد بمسمى الوقود الصاروخى الكمبوزيت «المختلط» ذى القدرات الأعلى من الوقود الصاروخى السائل.
وبالنظر إلى مكونات الصواريخ البالستية الموجهة وصواريخ الدفاع الجوى والصواريخ البحرية سطح/ سطح نجد إمكانية تصنيع المكونات الميكانيكية والإلكترونية والكهربائية فى العديد من المصانع بينما لا يتم تصنيع الوقود الصلب الكمبوزيت إلا فى خطوط إنتاج وخلاطات خاصة ذات مواصفات يصعب تكرارها وعليها حظر دولي، ومنذ عام 1960 حتى الآن حاولت عدة دول امتلاك تكنولوجيات تصنيع الوقود الصاروخى الصلب الكمبوزيت داخل أراضيها حيث نجحت فقط تسع دول من أفريقيا وآسيا فى توطين هذه التكنولوجيات داخل أراضيها لتحقيق القدرات الذاتية لتصميم وتصنيع الصواريخ البالستية وهى إيران وإسرائيل وجنوب أفريقيا وباكستان والهند وكوريا الجنوبية والصين وكوريا الشمالية واليابان وذلك بالإضافة إلى معظم الدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين والبرازيل.. ولذلك نرى أن التخطيط الإسرائيلى الأمريكى أدى إلى التركيز على تنفيذ هجمات جوية وقصف بطاريات الدفاع الجوى الإيرانى كوسيلة لاختيار القدرات الإيرانية فى مواجهة الطيران المعادى فى حالة تنفيذ هجمات إسرائيلية أو أمريكية أخرى مستقبلياً طبقاً للصراع الإيرانى الإسرائيلى الأمريكى وفى نفس الوقت استهداف القدرات والإمكانيات الصناعية للصواريخ الإيرانية الباليستية ومكوناتها الميكانيكية والإلكترونية والتركيز على وحدات تصنيع الوقود الصاروخى الصلب الكمبوزيت المتطور كوسيلة لإيقاف أو القضاء على قدرات تصنيع أهم مكونات الصواريخ.. ولذلك نرى أنه فى حالة نجاح إسرائيل فى استهداف المصانع الإيرانية وتدمير وحدات تصنيع الوقود الصلب الكمبوزيت كما تعلن وكالات الأنباء فإننا يمكننا القول إن الضربة الإسرائيلية الجوية تكون فعلاً مفجعة ودقيقة ونتمنى أن تكون الضربات الجوية الإسرائيلية قد فشلت فى تدمير هذه الوحدات الإنتاجية.