عندما يعانى أحدنا من حالة اضطراب مزاجى يظهر ذلك جليا فى سلوكه، فإذا سألته سيقول ببساطة «مزاجى مش رايق» وعندما تناقشه فى الأسباب التى أدت إلى «تعكير مزاجه» قد تجدها أسبابا منطقية ومعقولة او أسبابا تافهة ومجنونة وهذا مفهوم. لكن غير المفهوم ولا المستساغ ألا يكون هناك سبب لهذا «الاعتلال المزاجي» وكأن الشخص قرر أن يكشر ويستدعى كل المواقف السلبية فى حياته حتى يصل إلى هذه الحالة من الاضطراب ! وحاصل جمع الحالات المزاجية هى حالة المزاج العام لأى أمة من الأمم فى وقت محدد والسؤال الذى طرحته من قبل وأعيد طرحه اليوم- عسى ان اجد له اجابة-
من يدير المزاج العام فى مصر؟ سؤال يبدو بسيطا لكن الإجابة عنه ستكون شديدة التعقيد، اولاً لابد من تعريف منضبط لمفهوم.
«المزاج العام» وهناك العديد من التعريفات أبسطها «هو حالة نزوع جمعى نحو» تصورات «ما سواء كانت سلبية او إيجابية بفعل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية محيطة بمجتمع ما خلال فترة زمنية معينة بصرف النظر عن صحة او خطأ هذه التصورات أو كونها مرضية أو غير مرضية» وهنا يجب التفرقة بين مفهومي«المزاج العام» و«الرأى العام» فالأول يعبر عن حالة عامة كما أوضحناها أعلاه، والثانى هو يعبر عن فكرة وحكم معين تجاه قضية محددة من قبل مجموعة من أفراد المجتمع، العالم بات مهموما بدراسات قياس المزاج العام للشعوب وذلك من اجل دراسة أسباب ومسببات الحالة المزاجية اياً كانت سلبية او إيجابية للوصول إلى آليات التحكم فى هذه الحالة ومن ثم صناعة «المزاج العام «، ويعتبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والشائعات من اهم أدوات صناعة هذه الحالة، وتبقى الأحوال الاقتصادية والظروف السياسية هى الموضوعات الأساسية التى يؤخذ منها سر هذه «الحالة المزاجية»، ومصر الآن وفى هذه الظروف العصيبة تتعرض لعاصفة من الأزمات خلقت حالة مزاجية سلبية تجاه المستقبل، ولا يمكن ان نقف فى حالة انكار لوجود ما يسمى القلق الجمعى والإحباط واليأس والصورة القاتمة تجاه الأوضاع الاقتصادية تحديدا، لذلك نحن فى حاجة ماسة وحتمية وضرورية وعاجلة لإعادة بناء وترميم «المزاج العام» ونفض غبار مشاعر القلق والإحباط واليأس من المشهد واستبدالها بمشاعر التحدى والعزيمة والتفاؤل لبناء جدران الأمل على انقاض وسراديب الإحباط، لابد من وضع خطة واضحة ومفهومة وعملية لتغيير المزاج العام ليصبح معتدلا تجاه القضايا العامة، تبدأ هذه الخطة بوقف التصريحات غير المنضبطة للمسئولين الحكوميين على كل المستويات وقصرها على المتخصصين البارعين فى مخاطبة الرأى العام، ثم تبدأ الحكومة فى وضع خطط وتصورات الإصلاح وتوقيتاتها بشكل دقيق فى كل القطاعات خاصة الاقتصادية، وما يرتبط بحياة الناس اليومية، البدء فى مواجهة كل الشائعات الموجهة من خلال غزارة المعلومات الرسمية وسرعة تغذية وسائل الإعلام بمتطلبات البيانات والمعلومات والأخبار، فى نفس الوقت يجب ألا نغفل الاستمرار فى تقديم الإنجازات المحققة على الأرض فى صورة مغايرة للأرقام والإحصاءات واستبدالها بمسارات استفادة المواطن مما جرى وتحقق وهنا يجب ان تسارع الدراما فى صناعة ذلك الهدف، كما ان تقديم مقارنات مع الدول الشبيهة وأحوالها مطلوب توضيحها بشكل غير مستفز، الخلاصة أننا إزاء حالة مزاجية مضطربة وقلقة وتحتاج قراءة وقياسا وإعادة ضبط وتوجيها مع الوضع فى الاعتبار ان الإعلام المصرى بات قادرا على الاضطلاع بهذه المهام وتحقيق النجاح فيها بسهولة لكن لن يصنع الإعلام وحده الحالة المزاجية وعلى الآخرين التحرك وبسرعة فى هذا الاتجاه.