لقد كنت أتابع مؤخرًا التوسع السريع فى تسويق الذكاء الاصطناعى والنقاش الكبير الذى دار بين صناع السياسات والتكنولوجيين والجمهور. فى صميم هذا الأمر تكمن قضية حاسمة، وهى أن السيطرة المتزايدة على تطوير ونشر الذكاء الاصطناعى من قبل الشركات الخاصة، وغالبًا على حساب المصلحة العامة والمراقبة، تمثل إشكالية كبيرة.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعى وسيلة للربح السريع، لكنه فى الوقت نفسه يتجه نحو الاحتكار بشكل متزايد. فأولئك الذين يمتلكون موارد مالية كبيرة، تصل إلى المليارات، يمكنهم تحمل تكاليف دخول هذا المجال، مما يؤدى فعليًا إلى خصخصة الأرباح والمكاسب الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتزداد هذه الحصرية سوءًا بسبب أن العديد من نماذج ومحركات الذكاء الاصطناعى تُبنى باستخدام الأبحاث والبيانات الحكومية/العامة، مما يثير تساؤلات أخلاقية حول عدالة وإنصاف تقدمات الذكاء الاصطناعي.
وبصفتى خبيرًا استراتيجيًا فى التجارة العالمية ومستشارًا رئيسيًا للتكنولوجيا فى مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، لاحظت أن شركات التكنولوجيا عادة ما تعارض اللوائح الصارمة، زاعمةً أن هذه الإجراءات ستقيد الابتكار. وهى الآن تبرز الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل تشخيص الأمراض، وتسريع البحث العلمي، وزيادة الإنتاجية. ومع ذلك، غالبًا ما يتجاهل هذا السرد التداعيات الأوسع لتطوير الذكاء الاصطناعى دون رقابة. فمن خلال تقييد الحوكمة، تهدف هذه الشركات إلى الحفاظ على السيطرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يضمن خصخصة الأرباح بينما تظل المخاطر والمخاوف الأخلاقية موزّعة على الجميع.
تاريخيًا، تم تطوير تقدمات تكنولوجية كبيرة، مثل الإنترنت وتقنية الأقمار الصناعية، باستثمار حكومى كبير، وتمت إتاحتها على نطاق واسع لفائدة الجمهور. فى المقابل، يشهد الاتجاه الحالى فى تطوير الذكاء الاصطناعى استغلال الشركات الخاصة للأبحاث والبيانات الممولة من القطاع العام، حيث تجنى المكافآت المالية دون إعادة استثمارها لمصلحة العامة. يمثل هذا التحول ابتعادًا عن مبادئ التقدم المشترك والمنفعة العامة التى ميزت الثورات التكنولوجية السابقة، ما يضع سابقة خطيرة.
وبمجرد أن تصبح فى يد صناعة الذكاء الاصطناعي، تسعى الشركات الخاصة غالبًا إلى احتكار المعرفة العلمية، من خلال تأمين براءات الاختراع واستغلال قوانين السرية التجارية لحماية ابتكاراتها، مما يخلق حواجز دخول صعبة. هذا السلوك الاحتكارى يخنق المنافسة والابتكار، ويركز السلطة والمعرفة فى يد عدد قليل من الشركات. وبدون الأبحاث الأساسية والحمايات القانونية التى توفرها الكيانات العامة، ستعانى هذه الشركات لتحقيق هيمنتها الحالية.
الحجة القائلة بأن الأسواق تعمل بشكل أفضل دون تدخل حكومى وتنظيم ليست بالأمر الجديد. بصفتى رئيسًا لاتحاد التحضر المستدام، شهدت استخدام هذه الحجة من قبل صناعة النفط والغاز لنفى مخاطر تغير المناخ، حتى عندما تشير الأبحاث الخاصة إلى خلاف ذلك. نفس المنطق يُطبق الآن على الذكاء الاصطناعي، مع عواقب محتملة خطيرة. إن تطوير الذكاء الاصطناعى بلا رقابة فى أيدى شركات التكنولوجيا الخاصة يمكن أن يؤدى إلى أضرار اجتماعية كبيرة، بما فى ذلك دفع الأجندات السياسية وأفكار مؤسسيها، مما قد يؤثر على الرأى العام ويشكل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية.
وبصفتى من دعاة إضفاء الطابع الديمقراطى على التكنولوجيا والحد من الفجوة الرقمية، أجد أن تطوير الذكاء الاصطناعى غير المنظم والذى تحركه أساسًا المصالح الخاصة يشكل مخاطر كبيرة على رفاهية الجمهور. من الضرورى أن يدرك صانعو السياسات أهمية الحوكمة القوية والتنظيم لضمان تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى ونشرها بطرق تفيد المجتمع، وليس فقط لزيادة ثروات عمالقة التكنولوجيا. وربما ينبغى فرض ضريبة جديدة على هذه الشركات للمساعدة فى إعادة جزء من ثرواتها إلى الملكية العامة.
من خلال استعادة السيطرة على الذكاء الاصطناعى من الشركات الخاصة، يجب أن نعمل نحو مستقبل تُستخدم فيه التقدمات التكنولوجية لخدمة المصلحة العامة بدلاً من أن تقتصر على تحقيق الأرباح للشركات الخاصة.