يوم 8 ابريل عام 1970 قامت الطائرات الاسرائيلية بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية ونتج عن هذا العدوان الغاشم 77 شهيداً وجريحاً ونتذكر هنا الدكتور الحسيني الوكيل «رحمه الله» احد اهم الجراحين الذين شاركوا في علاج المصابين فبعد علمه بالواقعة كان متجها لاستلام عمله بمستشفي الزقازيق فعاد علي الفور للمشاركة في علاج الجرحي.
الدكتور الحسيني الوكيل بدأ حياته طبيباً بالوحدة الصحية بمنشاة ابوعمر عام 1967 ثم انتقل إلي مستشفي الحسينية حتي عام 1970 بعدها تمت ترقيته ونقل إلي مستشفي الزقازيق الجامعي وعاد مرة اخري إلي مستشفي الحسينية عام 1973 وظل به حتي عام 1982 ثم انتقل إلي مستشفي فاقوس حيث الموطن الاصلي واصبح مديرا لها إلي ان احيل للمعاش عام 2001.
شاء الله تعالي ان التقي الدكتور الحسيني الوكيل قبل وفاته بسنوات وقال لي: صباح يوم الحادث كنت متجها إلي عملي بالزقازيق فسمعت النبأ الحزين في الاتوبيس من الركاب الذين انتباتهم حالة من الحزن والثورة والغضب فقررت التوجه إلي مستشفي الحسينية مباشرة لشعوري ان هؤلاء الاطفال بحاجة إلي وجودي معهم اكثر من غيرهم لمعرفتي بكل كبيرة وصغيرة في هذا المستشفي ولصلتي الوثيقة بكل العاملين وكذلك لان المستشفي كان به نقص في اخصائي الجراحة فنزلت في منيا القمح وركبت الاتوبيس المتجه للحسينية وعند وصولي هناك رأيت آلافاً من الرجال والنساء والاطفال داخل المستشفي ومن حوله والجميع في حالة من الحزن الشديد والهلع والغضب يتصايحون ويتأوهون ويصرخون من بشع جريمة عرفتها البشرية حيث قامت الطائرات الحربية الاسرائيلية بضرب مدرسة لاطفال ابرياء عزل ذهبوا إلي مدرستهم متعطشين للمعرفة كالزهور المتفتحة للحياة.
كل فرد اعتبر ان الضحايا ابناءه واخوته وجاءت سيارات الاسعاف تحمل الاطفال الضحايا والمصابين وتسارع آلاف تجاه السيارات وهم يصرخون ويتصايحون كل واحد يريد ان يفعل كل ما يستطيع من اجل هؤلاء الابرياء وتم نقل الشهداء إلي المشرحة والمصابين إلي الاستقبال كنا جميعا رغم الالم والحزن الذي يمزق قلوبنا كنا متماسكين ومتحفزين كلنا كنا مستنفرين ومستعدين للعمل ساعات طويلة فقد كانت الاصابات خطيرة ومتنوعة جروح وشظايا في كل مكان ونزيف بالمخ وكسور بالعظام وبجميع الاطراف ونزيف داخلي بالبطن وتهتك بالامعاء والكبد والطحال والكلي والمثانة.
اضاف الدكتور الحسيني الوكيل: عندما تم خروج اخر طفل مصاب من المستشفي بعد حوالي 3 اسابيع تذكرت فجأة أنني علي قوة مستشفي الزقازيق العام والذي انقطعت عن العمل فيه طوال هذه المدة ولا يعلم شيئا عن سبب غيابي فقمت بتوزيع زملائي والعاملين بمستشفي الحسينية وتوجهت عائدا لمستشفي الزقازيق العام مقر عملي ومنعني الموظف المختص من التوقيع واخبرني انني قد تجاوزت مدة الانقطاع عن العمل واخبرني انهم ارسلوا لي انذارين بالفصل علي بلدته– واخبرني انني محال للشئون القانونية لاتمام اجراءات فصلي من الخدمة فانتابني الفزع وتوجهت لمديرية الصحة لمقابلة المدير العام الدكتور عبدالحي محمد عبدالله والذي رآني كثيرا عند زياراته المتكررة للمصابين وعندما رآني تهلل وجهه مبتسما وقال لي: ايه اخبار الاطفال يا حسيني؟ قلت له: يا فندم تم خروج اخر طفل مصاب اليوم! قال: الحمد لله اشكرك انت وجميع الزملاء علي ما بذلت من جهد مشرف معهم قلت: يا فندم ده واجب وطني فقال: طيب يا حسيني انت عايز حاجة من المديرية؟ فحكيت له ما اخبرنا به الموظف فنظر لي وقال: انت بتشتغل في الحسينية ولا الزقازيق؟ قلت: يا فندم انا نقلت من الحسينية للترقية من حوالي شهر إلي الزقازيق وعندما علمت بالحادث قررت الذهاب لمستشفي الحسينية فورا لرعاية هؤلاء الاطفال المصابين لشعوري بحاجتهم لوجودي معهم لانني اعرف كل شيء بالمستشفي فقال لي: ولم تخطر ادارة مستشفي الزقازيق بأي شيء؟ قلت له: لا يافندم؟ ابتسم وقال لي: انت بتشتغل في عزبة يا حسيني؟ انت مش عارف انك موظف حكومي والعمل الحكومي له نظامه؟ قلت له: يا فندم عندما علمت بالخبر نسيت كل شيء ولم يكن امامي سوي التوجه فورا لاقوم برعاية هؤلاء الاطفال المصابين الابرياء تبسم ضاحكا ورفع سماعة التليفون وطلب مدير مستشفي الزقازيق وقال له: الدكتور الحسيني يعود لعمله وانا اللي ارسلته في مهمة خاصة لمستشفي الحسينية طوال هذه المدة وسوف ارسل لك خطاباً رسمياً بذلك والغي جميع الاجراءات ثم قال: انا اشكرك يا حسيني علي روحك الوطنية.