خير لنا أن نسكن تراب سيناء أشرافًا من أن نمشى فوقه أذلة»… هذه المقولة الخالدة التى أطلقها مشايخ سيناء، ومنهم الشيخ سالم الهرش -شيخ قبيلة البياضية- يوم 31 أكتوبر لعام 1968، عندما توهم موشيه دايان أنه استمال السيناوية ضد وطنهم «مصر»، ونظم مؤتمر الحسنة لتدويل سيناء أمام وسائل الإعلام التى حضرت من كل حدب وصوب نكاية فى المصريين ودعمًا -كما هو معتاد- للصهاينة. وهنا فى الحسنة من وسط سيناء أعلن مشايخ قبائل سيناء وطنيتهم فى فطرة معتادة منهم، فهم أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعًا عن الوطن، وفى دهاء عانى من ويلاته الصهاينة، فأعلنوا رفضهم للاحتلال وولاءهم لمصر.
فاستحق هذا اليوم أن يكون مخلدًا فى وجدان الشعب المصري، ولأن عدونا يحارب الآن فى معركة الوعى على نسيان التاريخ وتشويه الحقائق وتهميش النماذج الوطنية؛ أصبح مقتضى الحال يدعونا إلى إعادة الحديث عن هؤلاء الأبطال أبناء مصر، الذين لهم من قداسة أرض سيناء، كما قال الشهيد جمال حمدان: «إن الأرض تعطى صفاتها لمَن عليها». ولأن الصحف المقدسة قدست سيناء، وأقسم ربنا فى عليائه بجبال سيناء وشجرها وثمارها ووديانها، فهكذا بالمنطق الأرسطي، اكتسب أهل سيناء قداسة من أرضهم.
وبعد يونيه 67 أعطوا معنًى حقيقيًّا للثأر نحته أبطال سيناء بين مفردات الوطنية، فكانوا كحال المصريين الذين نكستهم هزيمة يونيه، وربما ما زاد الأمر قتامة فى أجفانهم هو أنهم كانوا شهود عيان لفعل الخسة الصهيونى المجرد من مبادئ الإنسانية وهم يقتلون بدم بارد رجالنا العزل من سلاحهم رميًا بالرصاص أو دهسًا بجنازير الدبابات، وأيضًا طنطن فى أسماع السيناوية دون غيرهم من المصريين صيحات «تحيا مصر» التى لم تفارق حناجر الرجال وهم يقتلون الموت بصيحاتهم، ويملؤن صدور الصهاينة رعبًا وخوفًا، هذا الحال ما زاد عند السيناوية أكثر من حال عموم المصريين، ما جعل لروايات البطولة طعم الثأر، فذخر الصغير صالح عطية طفولته لتكون سهمًا فى نحر معسكرات الصهاينة، وتحت ستر تجارة البيض لمعسكرات الأعداء بات أصغر عميل فى تاريخ المقاومة. وغزلت البطلة فهيمة الهرش على شالها تفاصيل هذه الوحدات الجبانة. وبطلة ثانية هى فرحانة حسين التى جعلت من عقدها قنابل تفجر تلك المواقع الخسيسة. وثالثة كانت وداد حجاب التى ملأت أثير سيناء بمنشورات المجاهدين الرافضين لدنس الاحتلال الصهيوني، وكان معها على درب المقاومة دون علم أى منهما بما يقوم به الآخر أخيها رشاد حجاب، الذى اشترك مع زملاء المقاومة الأبطال عادل الفار، محمد حجاج، فضل عبد الله حسين مغازي، عبدالحميد محمد الخليلي، وسعد عبد الحميد سعد جلبانة فى تفجير قطار محمل بالأسلحة ثم أتوبيس إجازات للضباط والجنود. واختارت البطلة صابحة سليمان الرفاعى أن تلف رضيعها عبدالمنعم الرياش بخرائط تجمعات العدو فى الشيخ زويد لتصل بطفلها غرب القناة إلى جهات تحليل المعلومات. والشاب بلال سويلم الذى يقسم على نفسه ألا ينعم بزفافه إلا بعد تحرير معشوقته سيناء، حتى أنه حكم عليه بالسجن بمعتقلاتهم لمدة اثنى عشر عامًا، وكان معه بمعتقل غزة الأبطال حماد عيد بلال، جمعة سالم سلامة من قبيلة الترابين، مبارك أبو صلاح وعبد الكريم أبو لافى ومحمد خالد صالح من قبيلة السواركة، أحمد حجاب من العريش من عائلة أبو حجاب، إبراهيم من البياضية، وعمدة المجاهدين حسن على خلف، وجميعهم خرجوا من المعتقل المركزى بغزة على ثلاث دفعات عقب مبادرة السلام.