بكيت على لبنان بعد غزة.. وأيضا بكيت على أيام المجد والعزة.. وأدعو الله أن يشمل أطفال غزة ولبنان بعفوه وعنايته.. ما أشبه الأمس باليوم، والليلة بالبارحة.. فما يحدث اليوم فى لبنان تكرر من قبل فى 1996، حيث وقعت مذبحة قانا الأولي، وفى 2006 وقعت الثانية.
فى اليوم الأخير من شهر أبريل 1996 خرجت 40 سيارة اسعاف من مستشفى صيدا تحمل ضحايا المذبحة الأولي، التف من حولها الشعب اللبنانى فى مظاهرة غضب وألم وعزم وتصميم يودع الضحايا إلى مثواهم الأخير، ومعظمهم من الأطفال والنساء وكان آخرهم شيخاً فى السبعين من عمره اسمه «بدرالدين».
ومنذ 28 عاماً فى 1996، هاجمت قوى البغى والعدوان جنوب لبنان وقصفته بالصواريخ من الأرض والبحر والجو من بيروت إلى خط الحدود.. لجأ المدنيون إلى موقع تابع لقوات الطوارئ الدولية فى قانا طلباً للحماية لأطفالهم، فى ظل علم المنظمة الدولية.. أغارت عليهم الطائرات الاسرائيلية فى 18 ابريل 1996، فطارت الجماجم وتفرقت الاشلاء وتناثرت الدماء.. فى هذا اليوم فقد مواطن لبنانى اسمه سعدالله 14 من أفراد أسرته ودخل المستشفى يعانى إصابات بالغة.
قالت اسرائيل يومها إن هذه المذبحة غير مقصودة، وإن سببها خطأ فى خرائطها العسكرية.. فماذا تقول الآن فيما يحدث كل يوم من مذابح ومجازر فى حق اللبنانيين، ومن قبلهم الفلسطينيين؟!
أكد تقرير للأمم المتحدة فى نفس اليوم أن الغارة الاسرائيلية على قانا تمت بطريقة عمدية، ورغم ذلك لم تتمكن الأمم المتحدة من إدانة العدوان بسبب الموقف الأمريكى المساعد لإسرائيل.. وفى اليوم التالي، أصدرت المنظمة الدولية قراراً تطالب فيه أطراف النزاع بوقف اطلاق النار، فساوى بين القاتل والقتيل، وبين صاحب الحق والذليل.
كما أرسلت الإدارة الأمريكية من قبل كونداليزا رايس وزير خارجيتها فى 2006، ومن قبلها وارين كريستوفر وزير الخارجية، ترسل اليوم بلينكن فى زيارته الحادية عشرة للمنطقة منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، وتتكرر نفس التصريحات بنفس الكلمات كأنها أغنية من الأغانى أو مسرحية من المسرحيات.
قالت وكالة «الأسوشيتدبرس» الأمريكية فى تقرير لها حول عدوان ابريل 1996 إن طائرات اسرائيل شنت 2760 غارة أطلقت خلالها 18 ألف صاروخ على مدار 16 يوماً.
وصل عدد المشردين إلى 500 ألف لاجئ من 150 قرية غادروا ديارهم بخلاف القتلى والمصابين.
وفى يوليو 2006 يتكرر نفس العدوان على جنوب لبنان، لكن بصورة أكثر وحشية وتصريحات أكثر عصبية تكشف النوايا الحقيقية مثلما يحدث الآن فى ظل هذا التصعيد الحادث فى الشرق الأوسط وانتهاك اسرائيل للقانون الدولى الإنساني.. لم يكتفوا بقصف المدنيين.. لكن دمروا البنية الأساسية اللبنانية حتى تتحول حياة الشعب اللبنانى إلى جحيم وعذاب أليم.
فى 30 يوليو 2006 قصفت الطائرات الاسرائيلية نفس القرية ليسقط 60 شهيداً فى لحظة واحدة من بينهم 37 طفلاً أسلموا الروح وعلامات الخوف والرعب والفزع والألم على وجوههم البريئة.. هذا دائماً هو سلوك الضعيف الجبان فى مواجهة أصحاب الحقوق، يضرب بدون رحمة فى مواجهة شيخ كبير أو طفل صغير، لا نبل ولا كرمة ولا نخوة ولا شرف.. ولكن وحوش وذئاب لها مخالب وأنياب.. وإن عطفوا على القطط وأكرموا الكلاب.
تقدموا فى الكيمياء والفيزياء وعلوم الفضاء.. لكنهم لم يفهموا خبايا النفس وطبائع الأشياء.
لم يعرفوا أن الظواهر الاجتماعية معقدة مركبة عناصر متداخلة ومتغيراتها متشابكة.. وأن تعاطف حزب الله مع الفلسطينيين فيما يحدث لهم فى غزة، هو أمر تقره وحدة المبادئ والعقيدة والاخوة.. لم يدركوا أيضا أن الدول والأوطان لا تنشأ بقرارات أو مسرحيات.. لكنها نتاج لتفاعل تاريخى وحضارى طويل وعميق.
ومهما طالت السنون، فلا أمل يرجى فى بقاء دول الصوبات، فنهايتها حتمية لأنها بغير جذور ولا أصول ولا مقومات، وما بُنى على خطأ فهو خطأ، وما بُنى على باطل فهو باطل.
لم يعد خافياً أن اللعب فى السنوات الأخيرة قد أصبح معلناً وواضحاً، بعد ان كان خافياً أو موارباً.. هذه النوايا تحتاج إلى من يقف أمامها ويواجهها ويحبط خططها.. أما النصر، فهو حليف كل صاحب حق يدافع عن قضيته دفاع الكرام والشجعان.. وفى مقدمتهم فرسان غزة ولبنان.