عندما كنا نشاهد مباراة مصارعة بين شخصين ضربة اليد الواحد منها كفيلة بأن تهدم جدارا أسمنتيا، كنا نتوهم أن أحدهما سيموت بعد هذا النزال لا محالة، مع تلك الضربات القاتلة، لكن فى النهاية تكشفت الأسرار، وتأكد لنا يقينا أنه مجرد «تمثيل» وأكل عيش على «قفا» المتفرجين، وكل حركة من تلك الحركات البهلوانية متفق عليها، إنهم فقط يسحرون أعين الناس بخدع متقنة.
تلك صورة طبق الأصل لما يحدث بين إسرائيل وإيران من تبادل «اللكمات» غير الموجعة المتفق عليها، بداية من الهجومات الإسرائيلية على مواقع خارج إيران، وردود طهران «الباهتة»، مرورا بالضربتين المتبادلتين، وآخرها «بمب»الأطفال» الإسرائيلى فجر السبت الماضي، الذى قيل إنه استهدف مواقع عسكرية، وقواعد صواريخ ومسيرات.
ولم يكن ذلك من عندياتى ولا من بنات أفكاري، إنما صرحت به مواقع ومصادر عبرية وأمريكية، فى مقدمتها «واللا» و«أكسيوس، قالوا إن إسرائيل أبلغت إيران قبل الهجوم بساعات وطلبت منها عدم الرد، وحصل الإيرانيون على توضيح مسبقا عمّا سيتم مهاجمته، ورغم هذه التمثيلية الهابطة، سارع مجلس الأمن القومى الأمريكى بوصف الهجوم الإسرائيلى على إيران بأنه فى إطار الدفاع عن النفس.
أما فى مسرح العمليات الحقيقي، فقد سمعنا كثيرا عن مصاصى الدماء، وشاهدنا العديد من الأعمال السينمائية التى تناولت هؤلاء الأشخاص المرضى الذين يتغذون على الدماء بطريقة عض رقبة الضحية، ثم يتحول الضحايا إلى مصاصى دماء، وفى الحقيقة لا يوجد كائن فعلى مصاص للدماء، وأنه مجرد وهم وخيال.
لكن وجدنا مصاصى الدماء وأكلة لحوم البشر حقيقة، أكثر وحشية وفظاعة، هو السفاح النتن ياهو، الذى لا يشبع من القتل وسفك الدماء، لم يكتف بنهر دماء الفلسطينيين، وتوسيع رقعة الدم لتصل إلى لبنان، ولو استطاع لجعلها تنتشر فى العالم.
يتلذذ النتن ياهو بجثث القتلي، وكلما سقط الآلاف يريد المزيد، أدمن الاغتيالات والدمار والإبادة، يرفض كل جهود التهدئة، يتفنن فى المراوغة، يضرب بالعالم عرض الحائط، ويظهر أهدافه الخبيثة التى كشف عنها الإعلام الصهيونى بأنه يمهد لإعادة الاستيطان فى غزة وخاصة إذا عاد ترامب لحكم أمريكا.
كما كشفت القناة الـ12 العبرية عن أن ما يجرى حاليا فى شمال غزة هو تنفيذ فعلى لخطة الجنرالات التى تقوم على تفريغ القطاع بشكل مرحلى «من خلال القتل وتجويع الأسر».
لكن الجنرال الإسرائيلى المتقاعد، غيورا آيلاند، نشر مقالا بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، جاء معاكسا لما دعا إليه منذ بداية الحرب، و«خطة الجنرالات» التى وضعها لطرد سكان شمال غزة، فدعا إلى وقف الحرب لتحرير الأسري، وتخفيف العبء المرتفع على الجنود والعبء الاقتصادي، لأنه يرى أن مواصلة القتال لن تغير الواقع، وسيموت المخطوفون ويقتل المزيد من الجنود.
ورصد تقرير أمريكى معاناة الآلاف من الجنود الإسرائيليين من صدمات نفسية وخلل فى الصحة العقلية، واضطرابات ما بعد الصدمة، قال بعضهم إنهم شهدوا «أهوالا لا يمكن للعالم فهمها»، ويقدم التقرير لمحات نادرة عن وحشية الحرب، التى يريدها نتن ياهو «بلا نهاية»، أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ عام 1948، ويخشى الجنود من تجنيدهم فى صراع آخر، ومات أحدهم بسبب الصدمة، ويعانى آخرون من صعوبة فى النوم، بعدما لجأوا فى العديد من الحالات إلى دهس المواطنين فى غزة «أحياء وأمواتا بالمئات».
وذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن 10 جنود انتحروا فى الفترة ما بين 7 أكتوبر و11 مايو الماضيين، وقد انتحر الطيار «أساف دغان»، فى حادثة تعكس التداعيات النفسية الجسيمة على الجنود الإسرائيليين.
ويعانى أكثر من ثلث الجنود الذين تم إبعادهم من القتال من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، وفى كل شهر يتم إبعاد أكثر من ألف جريح، وانضم 15 جنديا إلى الـ130 الذين يرفضون الخدمة.
رغم ذلك، مازل مصاص الدماء يستمتع بوحشيته.!