لا أبالغ إذا قلت أن التحديات والتهديدات التى تواجه الدولة المصرية.. تفوق ما واجه مصر عقب يونيو 1967 فالتحدى فى 1967 هو استعادة الأرض التى احتلت وهو الهدف الاستراتيجى وبطبيعة الحال كان له متطلباته الصعبة فى توقيت شديد الصعوبة والتعقيد من استعداد وإعادة هيكلة وتدارك الأخطاء وتوجيه الاقتصاد لصالح الاستعداد للمعركة الفاصلة للأخذ بالثأر واستعادة الأرض والكرامة ورغم صعوبة وقسوة الظروف الاقتصادية وتداعياتها على الشعب المصرى إلا أنه تحملها بارادة وإصرار وصبر ورضا من أجل تحقيق هذا الهدف.
فى يونيو 1967 وحتى السنوات التى سبقت أعظم انتصار عسكرى فى أكتوبر 1973 كانت الأمور أكثر وضوحاً، والأهداف محددة تتمثل فى استعادة سيناء المحتلة وكيفية تحقيق هذا الهدف وإجراءاته، وخطط وقدرات وإمكانيات لتعويض سواء خسائر 1967 أو تعويض فارق القدرات مع العدو الإسرائيلي، بقدر الإمكان، ورغم أن الفارق ظل واضحاً، إلا أن الجيش المصرى قرر خوض المعركة، وتطويع القدرات والإمكانيات المتاحة لتحقيق النصر وهو ما كان بالفعل لكن علينا أن ننظر إلى وقفة الشعب المصرى وصموده وتحمله بل ومساهماته بالمال والدم، والدعم والمساندة والصبر فى مشهد أبداً لن يسقط من ذاكرة التاريخ، يكفى أنه عاش على 20٪ من إجمالى الناتج المحلى المتأثر بظروف ما حدث فى يونيو 1967 ووجهت نسبة الـ80٪ من الناتج المحلى إلى المجهود الحربي.
عقب يونيو 1967، كانت الدول العربية فى أوج قوتها لكن النظر الآن فى عام 2024 نسأل أنفسنا أين الجيوش العربية فى العراق واليمن وسوريا والسودان كانت ليبيا دولة لا تعانى من أزمة عنيفة بل ووجودية، بعدما حدث فى 2011 وأيضاً السودان، واليمن، ولبنان وما أصاب العراق، وسوريا.
ليس من قبيل المبالغات أن أقول إن ما يواجه مصر فى هذه الفترة على مدار السنوات الماضية أكبر وأخطر مما حدث فى 1967 حيث كان العدو واضحاً والهدف محدداً وفى اتجاه واحد والمهمة واحدة والتداعيات معروفة من أين تأتى لكن بالنظر إلى دفتر الأحوال الدولة المصرية منذ 2011 نجد أنها عبرت ونجت من مؤامرة شيطانية استهدفت إسقاطها وتفكيكها وتقسيمها، لكن المولى عز وجل ثم الجيش المصرى العظيم وقياداته الشريفة وضباطه وجنوده الأبطال، حالوا دون ذلك رغم وصول الإخوان المجرمين إلى حكم مصر، نيابة عن قوى الشر والمؤامرة وظن البعض أن مصر ضاعت وسيحقق أعداؤها ما حلموا به قروناً وعقودا طويلة على يد تنظيم عميل وخائن ولكن الشعب المصرى العظيم استرد وعيه فى التوقيت المناسب وخرج إلى الميادين لعزل نظام الإخوان لكن التنظيم الإرهابى توعد المصريين بالسحق، لذلك أطلق الملايين نداء إلى جيش مصر العظيم وقائده الوطنى الشريف الفريق أول عبدالفتاح السيسى آنذاك الذى لم يتردد لحظة من حماية المصريين وإرادتهم، وإنقاذ الوطن من مصير مجهول يفضى إلى حرب واقتتال أهلى ونجح السيسى فى إنقاذ مصر والعبور بها إلى بر الأمان، ثم تطهيرها وتحريرها من الإرهاب وإطلاق أكبر عملية بناء وتنمية.
أدعو للنظر إلى خريطة الإقليم أو المنطقة وموقع مصر فيها، وما يحيطها من كل حدب وصوب من تحديات وتهديدات ومخاطر لتدرك أننا أمام ما هو أكثر وأخطر مما حدث فى يونيو 1967 بل انظر إلى ما يدور فى العالم من صراعات وحروب قائمة، أو محتملة، وما خلفته الصراعات الدولية والإقليمية من تداعيات اقتصادية خطيرة ومؤلمة.
لكن دعونى فى البداية أقول للرئيس عبدالفتاح السيسى وقد قلتها قبل سنوات «كان الله فى عونك» فما تتحمله فى الداخل والخارج يفوق قدرة البشر، لأنك قائد عظيم لدولة مستهدفة، من كل اتجاه بل مستهدفة فى مقدراتها ومواردها الوجودية بل يراد لها أن تركع، وتخضع وتتنازل عن جزء من أرضها، أو قل جزء من سيناء لكنك سيادة الرئيس تقف بشموخ كالجبل، تعلنها واضحة مزلزلة يا تبقى سيناء مصرية، يا نموت على أرضها، ليس هذا فحسب، وضعت «خطوط حمراء» فى كل الاتجاهات لم يجرؤ أحد فى تجاوزها، حصة مصر من مياه النيل «خط أحمر» – «سرت – الجفرة خط أحمر» لكن السؤال ما هى التحديات والتهديدات والمخاطر التى تواجه الدولة المصرية فى هذه المرحلة الدقيقة والتى تفوق ما واجه مصر فى يونيو 1967 دعونا نستعرض أهم هذه التحديات والتهديدات والمخاطر كالتالي.
أولا: مصر منذ يناير 2011 وهى تواجه الخطر، وفى حالة حرب مع التحديات والتهديدات والمؤامرات والمخططات ودفعت ثمناً باهظاً على كافة الأصعدة من أجل أن تعبر وتنجو من هذه المؤامرة يكفى آلاف الشهداء والمصابين وأن السد الاثيوبى ما كان يجرؤ أحد أن يفكر فى بنائه لولا انشغال مصر بمواجهة مؤامرة الفوضى وعلى الصعيد الاقتصادى خسرت مصر ما يقرب من 450 مليار دولار بسبب هذه الفوضي، والانفلات الأمنى وتفشى الإرهاب فى ربوع البلاد وفى القلب منها سيناء.
ثانيا: تعيش مصر فى الوقت الحالى ظروفاً بالغة الدقة، والخطورة ما بين الداخل والخارج وتواجه قائمة طويلة وغير مسبوقة من التحديات والتهديدات فهناك مخطط يستهدف انتزاع سيناء وتهجير الفلسطينيين إليها، بإخلاء قطاع غزة ودفع سكان القطاع إلى النزوج إلى سيناء لذلك فإن كل ما يدور فى غزة من إجرام ومجازر ومذابح وتجويع وحصار وتدمير فيهم الهدف منه مصر، وسيناء تحديدا لتحقيق أوهام نتنياهو وحكومته المتطرفة فى إسرائيل الكبرى.
ثالثاً: لم يكن يتوقع أحد أن تتحول السودان وليبيا إلى مصادر للتهديد والخطر على مصر لسبب ما تتعرضان له من فوضى وانقسامات، فليبيا لم تعد إلى سيرتها الأولى قبل 2011 ومازالت هناك حكوماتان إحداهما فى طرابلس غير شرعية انتهت صلاحيتها وأخرى فى بنى غازى أقرها البرلمان المنتخب والشرعي، ومازالت تبحث عن تسويات سياسية لاستعاددة قوة الدولة الوطنية وتماسكها وأيضاً حالة الاصطفاف الوطنى فيها والسودان الذى يشهد اقتتالاً أهلياً، أدى إلى أن يعيش شعبه ظروفاً وأوضاعاً مأساوية.
رابعاً: حالة السيولة فى المنطقة والمتغيرات الجيوسياسية، وتداعيات العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وما أدى إليه من اتساع نطاق الصراع ليصبح متعدد الجبهات مع لبنان واليمن وإيران والعراق وسوريا ألقب بظلاله السلبية على البحر الأحمر، وأحدث اضطرابات، وتوترات وهو ما أدى إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية، وتراجعها وهو ما أثر على وارد وإيرادات قناة السويس بأكثر من 6 مليارات دولار فى الشهور الأخيرة.
خامساً: ما يحدث فى منطقة القرن الافريقى من محاولات اثيوبية لانتهاك السيادة وقرارات أحادية وتعنت ومحاولات مدفوعة للتأثير على حصة مصر التاريخية.
سادساً: بطبيعة الحال أن ما يحدث فى المشهدين الإقليمى والدولى له تداعياته الاقتصادية وبأشكال مختلفة قبل ارتفاع معدلات التضخم والأسعار بسبب اختلالات فى سلاسل الإمداد أو التأثير.
الآن هل عرفتهم وأدركتم ما قاله الرئيس السيسى أن ما يواجه مصر الآن مثل ما كان عقب يونيو 1967 من تحديات وتهديدات ومخاطر، مع الفارق النوعى وبطبيعة الحال لكنها تحديات فرضها الواقع وكما قلت إن ما تشهده مصر الآن من تحديات وتداعيات وتهديدات ومخاطر يفوق ما كان فى 1967 لكن القاسم المشترك بين الفترتين هو قوة وإرادة وعزيمة وصبر وتحمل المصريين الذين يصفون الفارق دائما وقادرون دائما على عبور الصعاب والتحديات مهما بلغت من قسوة أو مخاطر فنحن أمام شعب صانع للمعجزات وهو أهم أسلحة التفوق.
تحيا مصر