هل تذكرون اتفاقية «الجات».. وبنودها وأهدافها.. ومصطلحات «العولمة».. والنظام العالمى الجديد.. كانت بداية حقيقية للهيمنة والسيطرة وخلق كيان واحد.. وقوة واحدة تحكم العالم سياسياً واقتصادياً وتمحو هوية الآخرين ودولهم لتبقى دولة القيادة والهيمنة.. وخلق نظام عالمى جديد بالفعل لا مكان فيه للضعفاء.. ولا وجود لغير القادرين من الدول النامية.. دخلت العديد من دول العالم الثالث والمتقدم أيضاً تحت مظلة «الجات».. طوعاً أو كرهاً.. بعلم بأهدافها.. أو بدون علم.. أو أملاً بغير علم فى أن تكون «الجات» طوق النجاة والعثور على الضالة المنشودة!!
ولم يأت النظام العالمى الجديد.. صدفة.. أو فجأة.. وإنما تم الترويج له عبر الآلة الإعلامية الجاهزة لالباس الحق بالباطل والزور والبهتان والإفك والضلال.. بالصدق واليقين.. روجت الدولة المهيمنة على مقاليد العالم.. للنظام العالمى الجديد.. بأنه نظام الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وسرعان ما سقطت الأقنعة عن زيف هذه الشعارات باحتلال العراق وتدمير قوته وجيشه ونهب نفطه وثرواته.
عصر العولمة والجات كان إيذاناً ببداية واقعية لعصر القطب الأوحد والسيطرة والهيمنة على مقاليد العالم الاقتصادية والسياسية تحت شعار حرية التجارة والحدود المفتوحة أمام منافسات غير عادلة وغير متكافئة بين دولة صناعية كبرى تمتلك كل مقومات الصناعة المتقدمة والتقنيات العالية.. وبين دولة صغيرة لا تمتلك نفس المقومات ولا تملك حتى استخدام ما تستطيع انتاجه فى ظل وجود نفس المنتج من دولة أكبر وبسعر أقل.. وصارت الدول الكبرى أكثر انتاجاً.. وأكثر توزيعاً فى سوق مفتوحة.. واختفت الدول الأقل تقدماً والأقل انتاجاً وصار تقدمها «صفراً» وانتاجها «صفراً».. أمام غزو منتج الدول الأكبر.
>>>
لم تتوقف الهيمنة عند الاقتصاد والتجارة.. وإنما صارت هيمنة القطب الأوحد على مقاليد العالم السياسية فى ظل نظام عالمى صنعته بنفسها.. نظام عالمى لا يعترف إلا بالقوة.. ومنظمات دولية بلا فاعلية.. على أرض الواقع.. فعلى سبيل المثال لا الحصر.. عارض كثيرون الحرب الأمريكية على صدام بمزاعم امتلاك أسلحة الدمار الشامل.. لكن روجت الإدارة الأمريكية والآلة الإعلامية الخاضعة لها لتقارير ثبت كذبها وفبركتها.. عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.. يمكن أن تفنى العالم بأسره ولابد من تدميرها.. والتخلص من «صدام» الذى يمكن أن يستخدمها ضد هذا العالم.. افتراضات وهمية.. روج لها الأمريكان آنذاك.. ونفذت إدارة جورج بوش الابن الحرب رغم معارضة المنظمات الدولية العديدة.. وبعد تدمير العراق وجيشه والاستيلاء على نفطه وثروته وإعدام صدام.. ثبت كذب هذه المعلومات وزيف التقارير باعتراف جنرالات الأمريكان أنفسهم.. فهل تمت محاكمة أصحاب التقارير المزيفة.. أو تعويض العراق عن تدمير جيشه وتفكيك وطنه؟!.. هل حاكم النظام العالمى المعتدين والمخالفين لكل الأعراف الدولية والإنسانية.. قطعاً لم يحدث لأن القاضى هو الجلاد.. والمعتدى هو النظام العالمي!!
>>>
وما أشبه اليوم بالبارحة.. إسرائيل دولة احتلال للأراضى الفلسطينية على مدار 75 عاماً.. احتلال غير شرعى ومخالف لكل المواثيق الدولية والإنسانية.. انتهاكات صارخة غير إنسانية ضد الشعب الفلسطيني.. توسع استيطانى غير مشروع ومخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية.. انتهاكات صارخة ضد المقدسات المحصنة بالقانون الدولى والإنساني.. قرارات أممية من المفروض أن تكون ملزمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.. لم تنفذ.. لم تكتف دولة الاحتلال بكل الجرائم غير الإنسانية التى ترتكبها على مرأى ومسمع العالم.. وبحماية «الفيتو» الأمريكى بل ارتكبت جرائم حرب وإبادة جماعية للشعب الفلسطينى على مرأى ومسمع العالم الذى تحركه الولايات المتحدة.. ولم يحرك «النظام العالمي» ساكناً.
>>>
هذا هو النظام العالمي.. «عصر الغاب» لا بقاء فيه لضعيف ولا منصف لمظلوم.. عصر العولمة الذى لا يعترف إلا بالقوة!!.. قوة اقتصادية وعسكرية ونووية.. عصر «المليار الذهبي» الذى يروج له الذين غابت عنهم شمس الإنسانية.. والآدمية ويخططون لفناء المعمورة.. ليبقى على وجه الحياة المليار الذهبي.
>>>
إن انقاذ البشرية من آلة الحرب المدمرة والمضى بسرعة الصاروخ نحو فناء الكون وحرب نووية ربما لا تبقى ولا تذر.. هو اعمال القانون الإنسانى قبل القانون الوضعي.. إعلاء قيمة الإنسان.. وتعامله مع الآخر على أنه اخوه الإنسان.. وأن الرصاصة التى يطلقها مصوبة نحو صدر اخيه الإنسان.. وإن أى جريمة يرتكبها تشرد اخيه الإنسان بغض النظر عن الجنس واللون والدين.. إن انقاذ البشرية فى العودة للإنسانية!