رجال صناعة واستثمار يحددون خارطة طريق توطين الصناعة
مزيد من الحوافز.. تعميم الرخصة الذهبية.. التوجه إلى إفريقيا
صناعة وارداتنا رؤية أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى ووجه مجتمع الأعمال لتطبيقها خلال المرحلة القادمة.. رؤية القيادة السياسية تعالج مشاكل اقتصادية عديدة أبرزها محاصرة الفجوة فى ميزان مصر التجارى وتخفيف الضغط على مواردنا من النقد الأجنبى الذى يستنزف يومياً فى فاتورة الاستيراد هذا بجانب معالجة التضخم ومحاربة البطالة وتلبية احتياجات السوق.
«الجمهورية» رصدت الرؤية بكل زواياها وأبعادها من خلال صالونها الاقتصادى الذى ضم رجال صناعة واستثمار ورؤساء مجالس تصديرية وغرف صناعية واتحادات الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
أشاد الحضور برؤية القيادة السياسية مؤكدين أن تنفيذها على أرض الواقع يحتاج إلى إجراءات خارج الصندوق بمستوى الرخصة الذهبية.
حدد حضور صالون «الجمهورية الاقتصادى» كل العقبات والمشاكل التى تواجه الاستثمار خاصة النشاط الصناعى باعتباره عمود التنمية المستدامة وفى نفس الوقت من الأنشطة المحفوفة بالمخاطر.
سيطر على «الصالون» الحديث الجاد، والرغبة الواضحة فى تحقيق حلم الاكتفاء الذاتى وزيادة الصادرات و المصارحة وكشف جميع الحقائق.
المشاركون أكدوا أن الفرصة كبيرة لتحقيق رؤية الرئيس فى التصنيع وتقليل الفجوة الاستيرادية، من خلال زيادة الحكومة للمحفزات واعتبار الرخصة الذهبية نموذجاً يتم تعميمه فى التيسير، واختيار الصناعات التى تمتلك فيها ميزات تنافسية كبيرة وكذلك الاتجاه إلى الأسواق الأفريقية التى مازالت تستوعب أرقاماً مضاعفة من الصادرات المصرية.
الجمهورية : أهلا بحضراتكم جميعاً فى ندوة «الجمهورية» نتحدث عن موضوع توطين الصناعة المصرية، وهو أمر يختاره من لديهم رؤية واضحة وفكر مستنير، ويعرفون جيدًا ما يحتاجه البلد فى هذه المرحلة.
مدخلنا لهذا الموضوع هو ما ذكره الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، خلال افتتاح محطة بشتيل، عندما تحدث عن توطين الصناعات للمنتجات المستوردة، وأنه فى كل سلعة نستوردها فرص للاستثمار فى مصر كلام الرئيس فتح الملف ووضعنا جميعاً إمام مسئولية وطنية.
وانا امامى مجموعة محترمة وطنية من رجال الصناعة والاستثمار فى مصر، ليحدثونا عن كيفية تحويل هذه الأمور الى فرص حقيقية.
لقد شهدنا فى السنوات الماضية جهودًا حثيثة من الحكومة، حيث عملت بجد على تسهيل الإجراءات وفتح المجال أمام الاستثمار، مع تقديم حوافز مهمة.
ورغم أن هذه الجهود لم تحقق كل ما هو مطلوب حتى الآن، إلا أننا نسير على الطريق الصحيح.
فى صالون «الجمهورية»، هناك العديد من الأمور التى قد نكون غافلين عنها، ولكن من خلال المناقشة نكتشف حقائق جديدة. ليس كل شيء فى الصناعة يمكن تحقيقه بسهولة، فهناك أمور بديهية فى هذا المجال تحتاج إلى خبرة ومعرفة، ونسعى خلال هذه الندوة إلى توضيح المطلوب لدفع عجلة الصناعة فى مصر.
ما هى الصناعات التى نتميز فيها؟ وما هى الأفكار التى يمكن أن تساهم فى تحقيق التنمية الصناعية؟ نحن بحاجة إلى توجيه هذا الحوار نحو حلول عملية.
وأود أن أبدأ النقاش مع الأستاذ محمد المرشدى، سيادة النائب .. تابعت حديث الرئيس السيسى عن توطين الصناعة،وأنت خبير فى الصناعة ولديك باع طويل فى هذا القطاع.. كيف ترى إمكانية توطين الصناعة المصرية؟ وهل نتمكن حقًا من سد الفجوة بين الإنتاج المحلى والواردات إذا تمكنا من تنفيذ ما نطمح إليه؟ تفضل يا فندم.
محمد المرشدى: من الواضح أن الصناعة المحلية، وخاصة الصناعات النســيجية، تشهد اهتماماً غير مسبوق من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى. هذا الاهتمام جاء فى وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز قدراتها الصناعية لتقليل الاعتماد على الواردات وتخفيف الضغط على العملة الصعبة. الرئيس السيسى يدرك جيداً أن الصناعة هى قاطرة التنمية، ولهذا وجه الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم هذا القطاع الحيوى.
والقطاع النسيجى فى مصر يمتلك ميزة نسبية، حيث تتمتع البلاد بأراضٍ صالحة لزراعة القطن، الذى يمثل نحو 45 ٪ من المواد المستخدمة فى الصناعات النسيجية. فى المقابل، تمثل الخيوط الصناعية من البوليستر 55 ٪ من الخامات المستخدمة فى هذه الصناعات، لكن هذه الخيوط تُستورد بشكل كامل من الخارج. هذا يضع عبئاً على الاقتصاد، حيث تستورد مصر خامات صناعية وبوليستر بقيمة تصل إلى 4.5 مليار دولار سنوياً.
والفرص الاستثمارية التى طرحتها وزارة الصناعة فى مختلف القطاعات تُعد فرصة ذهبية لمصر، لا سيما فى مجال الصناعات النسيجية. ولكن لتحقيق توطين حقيقى لهذه الصناعة، لا بد من إقامة مشروع قومى للبتروكيماويات خاص بالغزل والنسيج والقطاع الخاص وحده لا يستطيع تحمل التكاليف العالية لمثل هذا المشروع، لذا يجب تدخل الدولة والصناديق السيادية لتوفير المواد الخام المحلية مثل الألياف الصناعية والبوليستر.
معظم خامات مصانع الغزل والنسيج فى مصر مستوردة، خاصة القطن قصير التيلة، حيث كان التركيز فى الماضى على زراعة القطن طويل التيلة. لكن مع تغير الأسواق واحتياجاتها، أصبحت الألياف الصناعية تحتل مكانة أكبر. فى المؤتمر الأخير للاتحاد الدولى لمنتجى الغزل والنسيج، تم التأكيد على أن الإنتاج المستقبلى خلال السنوات الخمس القادمة سيركز بشكل كبير على المواد المعاد تدويرها بدلاً من الاعتماد على القطن.
من المؤسف أن الاستثمارات التى ضُخت فى تطوير مصانع المحلة كان من الممكن توجيهها لإنشاء مصانع حديثة تكون قادرة على إنتاج الخامات اللازمة لصناعة الغزل والنسيج. وعلى الرغم من أن القطن طويل التيلة ما زال له استخدامات محدودة فى الصناعة، إلا أن النسبة لا تتجاوز 1.5 ٪ من حجم الخامات المستخدمة، حتى فى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة.
ولتوطين هذه الصناعة بشكل فعّال، يجب إنشاء مصانع للبتروكيماويات مخصصة لصناعات الغزل والنسيج والرسالة الموجهة للحكومة واضحة وهى ضرورة استغلال الصندوق السيادى لتمويل إنشاء أكبر مصنع للبتروكيماويات للغزل والنسيج. هذا هو السبيل الوحيد للنهوض بهذه الصناعة الحيوية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية فى مصر.
الجمهورية : ننتقل بالحديث الى المهندس خالد أبو المكارم رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية، نحن لدينا مميزات نسبية فى الصناعات الكيماوية، ومع ذلك ربما يكون حجم الموجود منها مصريا فى الحد الأدنى لماذا؟
هل لأن استثماراتها أكبر من قدراتنا، بما لا يؤهلنا للمنافسة فى السوق العالمى.. أريد أن تصارحنا هل ذلك يرجع إلى تقصير الحكومة ام القطاع الخاص؟
خالد أبوالمكارم: توطين الصناعة عنوان لمانشيت كبير، وله أذرع متعددة والرئيس عندما يتحدث فى هذا الملف فه، يضع يده على قضية مهمة للغاية وعلينا جميعاً أن نعما لتحقيق الهدف والاهتمام بعملية التوطين يعود لأكثر من سبب، أبرزه سد الفجوة بين الواردات وما يتم إنتاجه محلياً للحد من البطالة وتوفير فرص عمل للشباب، من خلال افتتاح مصانع جديدة وتقديم منتجات جديدة.
كما أن عملية التوطين ستساهم فى زيادة الحصيلة الضريبية والتأمينية كل ذلك سيتحقق من خلال إنشاء مصانع جديدة.
وبالنظر إلى حجم الصادرات المصرية نجدها أنها بلغت فى حدود 37 مليار دولار خلال العام الماضى، وهذا رقم ضئيل للغاية، مقارنة بدول على غرار تركيا و التى يصل حجم صادراتها أضعاف هذا الرقم وغيرها من الدول التى لا تمتلك كم المواد الخام المتاحة لدينا، وكذلك الإمكانيات والموقع الاستراتيجى، فضلاً عن عدم امتلاكهم قوانين استثمار جيدة ومع ذلك تصدر بقيمة أعلى من مصر.
وسأضرب مثالا بدولة المغرب، والتى أصبحت من أكبر مصنعى ومجمعى ومصدرى السيارات فى المنطقة، كما قامت بإنشاء أكثر من 132 مصنعاً، لإنتاج ضفائر كهربائية، وإطارات وجنوط ومكابح وغيرها من الصناعات المغذية للسيارت التى أنشئت بفضل وجود هذه الصناعة لديها.
وليس الضرورة أن نقوم بإنتاج كل المكونات الخاصة بصناعة مثل السيارات، ومن الممكن البدء بصناعة معينة، ومن ثم إقامة مصانع مغذية لها وتوفر مستلزمات الإنتاج المطلوبة، وذلك بغرض زيادة حجم الصادرات .
وأرى أن حجم الإنتاج فى مصر حالياً لا يستطيع الوصول بالصادرات المصرية إلى 100 أو 140 مليار دولار، وحتى فى حالة التشغيل بالطاقة القصوى لا نستطيع التصدير بأكثر من 50 مليار دولار سنوياً، فى ظل الإمكانيات الحالية للإنتاج المحلى و المنتجات المصرية، خاصةً وأن الدولة تسعى إلى تقليل حجم الواردات وتلبية احتياجات السوق من المنتج المحلى.
وبالتالى فإن الفجوة بين الصادرات والواردات نعمل على سدها من المنتج المحلى، وللأسف لا يوجد إنتاج يلبى الاحتياجات المحلية وكذلك التصدير.
لذا فمطلوب إنشاء مصانع وضخ استثمارات جديدة، ولهذا السبب تم اتخاذ خطوات مهمة، مثل إنشاء وزارة جديدة للاستثمار والتجارة الخارجية، لتعزيز جهود جذب الاستثمارات الأجنبية.
ونحن بحاجة إلى إنشاء مصانع جديدة وبأعداد كبيرة، نتحدث هنا عن مئات المصانع التى يمكن أن تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد، الأرقام ليست صغيرة؛ نحن بحاجة إلى ما بين 600 إلى 1000 مصنع كل عام على الأقل فى مختلف المجالات خلال الفترة من 2025 إلى 2026، مع ضرورة ضخ ما بين 60 إلى 70 ٪ استثمارات أجنبية.
«الجمهورية»: هل هذا ينطبق على صناعة البتروكيماويات؟
أبوالمكارم : عندما نتحدث قطاع البتروكيماويات، نجد أنه بحاجة إلى ضخ استثمارات بعشرات من المليارات، وانا أتحدث هنا عن استثمار دولة، لأنها هى المستثمر الرئيسى لهذا القطاع، وإذا ما نظرنا إلى مشروعات البتروكيماويات فى مصر، نجد أن أغلبها مملوك للدولة، لذا فإن البتروكيماويات صناعة مؤسسات ضخمة للغاية.
نحن فى مصر نقوم بإنتاج البولى ايثيلين، و البولى فينيل كلورايد «PVC»، حيث بلغ معدل الإنتاج المحلى من البولى ايثيلين نحو 27 ٪ فقط، فى حين يتم استيراد نحو 73 ٪ من الخارج ونسعى لتغيير هذه النسب خلال الفترة المقبلة، كما أنه لا توجد صناعة بوليستر محلية تقريباً، وما ينتج منها يستخدم فى صناعة العبوات البلاستيكية فقط.
«الجمهورية»: ما الخطوة الأولى التى تراها ضرورية لتخطى التحديات الحالية؟
أبوالمكارم: نحن بحاجة لضخ استثمارات ضخمة جدًا، لتوطين هذه الصناعة، وحتى لا نحمل الدولة المزيد من الأعباء.
المصانع واجهت أزمة نقص الغاز الطبيعى وهى ليست بالجديدة سواء فى صناعة البتروكيماويات وكذلك الأسمدة والتى انخفض حجم إنتاجها بنسبة أكثر من 50 ٪ خلال 2024، وبالتالى تراجع حجم صادراتها نتيجة عدم قدرتها على تلبية الطلبات المتزايدة.
خلال اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أوروبا قطعت توريدات الأسمدة من روسيا، لكن الصناعة المصرية استطاعت أن تعوض أوروبا من هذا النقص، حيث نجحت الشركات المصرية فى توفير الأسمدة لأوروبا بجودة عالية وأسعار تنافسية لفترة طويلة، حتى احتلت مكانة بارزة فى هذا القطاع على مستوى العالم، حتى قامت إحدى الدول بالمنطقة بالحصول على المنتج الروسى وإعادة ضخه إلى أوروبا بطريقة غير مباشرة.
قطاع البتروكيماويات بحاجة إلى استثمارات ضخمة واكتشافات جديدة تساعد على النمو، وخلال أزمة نقص الغاز الطبيعى، كانت الطاقة الإنتاجية لمصانع البتروكيماويات والأسمدة لا تتعدى 30 – 40 ٪ وبعض خطوط الإنتاج توقفت تماما.
« الجمهورية»: هل عادت للعمل بشكل طبيعى؟
خالد أبوالمكارم: نعم عادت نسبة 80 ٪ مع استئناف ضخ الغاز للمصانع فور استيراد شاحنات جديدة لا يمكن منع فكرة الاستيراد تماما، خاصة وأن هناك دولاً كبرى مثل الصين تقوم باستيراد كافة احتياجاتها، كما أنها تصدر كل شيء ممكن، وأود ذكر أن 80 ٪ من المنتجات الصينية تعتمد على خامات مستوردة.
الصين لا تمتلك خامات رئيسية، كما لا توجد لديها صناعة بتروكيماويات قوية أو موارد تعدينية، كل ما فعلته هو استيراد احتياجاتها من المواد الخام والتى استخدمتها فى تصنيع منتجات، وتصديرها للخارج وإنشاء مصانع مغذية، نجحت معها فى تقليل نسبة البطالة وتوفير فرص عمل.
المطلوب من الدولة خلال الفترة القادمة تسهيل عمليات ترخيص المصانع بشكل أكد على غلط الرخصة الذهبية التى حققت نجاح، بالإضافة الى تقديم مبادرات جديدة لدعم المصانع والاستثمارات الجديدة بفائدة مخفضة لشراء المعدات والآلات اللازمة للإنتاج لرفع القدرات التنافسية للمنتج المحلى، خاصة وانه لا توجد دولة تستطيع جذب استثمارات ومعدل الفائدة لديها يصل الى 30 ٪.
الجمهورية : كلما نذهب الى منطقة نجد أنها تنير لنا مناطق جديدة لم نكن ندركها.. نحن نتحدث عن أرقام تصدير تصل الى 140 مليار دولار نستطيع تحقيقها خلال 24 ساعة بفضل ما نملكه من إمكانيات ووجود إرادة سياسية والرئيس داعم لهذا الامر ولكن هناك معوقات يجب تخطيها وهناك أفكار جديدة يجب اللجوء اليها والاستفادة من التجارب الأخرى.. ويمكن جزء من هذه التجارب التى يمكن الاستفادة منها تخص قطاع الأدوية وعندما حدثت أزمة نقص الدواء تسبب فى مشاكل عديدة للمواطن.
الشارع المصرى لا يتحمل عدم توافر الدواء.
السؤال هنا موجه للدكتور محيى حافظ رئيس شعبة الادوية باتحاد الصناعات المصرية.. هل الصناعة الوطنية قادرة على حل أزمة نقص الأدوية.. وما هى التحديات التى تواجه صناعة الأدوية والفرص المتاحة؟
الدكتور محيى حافظ: مصر دولة عظيمة فى صناعة الأدوية وتمتلك خبرة طويلة فى مجال تصنيع الدواء، فأول مصنع مصرى لصناعة الأدوية تم تأسيسه فى 1939 ولدينا حوالى 178 مصنعاً و10 شركات متعددة الجنسيات و9 مصانع تابعة لقطاع الأعمال العام، ورغم أن مصر أكبر دولة فى المنطقة تصدر أدوية من حيث الكم، فإن قيمة الصادرات متدنية بسبب التسعير الجبرى للدواء وشهادة بلد المنشأ التى تؤثر على سعر الدواء المصدر للخارج، وذلك نتيجة أن تسعير الأدوية فى مصر له بعد اجتماعى يتم فيه مراعاة المواطن وبالتالى يؤثر على سعره حالة التصدير، فقيمة صادراتنا من الأدوية يقدر بحوالى مليار دولار فقط وهى قيمة لا ترتقى لحجم الصناعة، خاصة وأن هناك فرصاً عديدة فى الأسواق الخارجية.
«الجمهورية» .. نحن نتشوق لسماع أى خبر إيجابى لطمأنة المواطن.
الدواء المصرى أرخص الأدوية فى العالم بسبب التسعير الجبرى، فإذا كانت مصر استهلكت العام الماضى ما قيمته 206 مليارات جنيه أدوية، فهى مرشحة أن يصل استهلاكها العام القادم ما يفوق 270 مليار جنيه، فصناع الدواء فى مصر يتحملون كل الظروف الصعبة لإنتاج الدواء رغم ارتفاع تكلفة الانتاج، ورغم تحريك أسعار الدواء ما بين 20 ٪ و40 ٪، فصناعة الدواء فى مصر تتحمل وحدها دعم المواطن المصرى.
ومن أبرز وأهم التحديات التى تواجه هذا القطاع هى ارتفاع تكلفة الإنتاج، ورغــم كل الظــروف الصعبة فإننا نغطى بالكــم حــوالى 90 أو 92 ٪ من حجم احتياجاتنا، ولكن من حيث القيمة نغطى قرب الـ 70 ٪، فإذا كانت صادراتنا الدوائية أقل من مليار دولار، فإننا نستورد ما يفوق الـ 2.5 مليار دولار.
ولو تحدثنا عن الفرص الحقيقية نشير هنا إلى أن البحث العلمى يقود دائما صناعة الدواء، وعلينا ان ندفع بالاهتمام نحو الأبحاث العملية والأكاديمية، فهناك أبحاث متقدمة ومتطورة تزخر بها مراكز الأبحاث المصرية، وفى هذا السياق مصر صنفت ضمن احسن 14 دولة فى العالم فى الأبحاث الأكاديمية والتطبيقية، ولكن هناك تحدياً يتعلق بكيفية ربط البحث العلمى بالصناعة، ولكم ان تتخيلوا ان 80 ٪ من ميزانية البحث العلمى يتم صرفها على المرتبات و20 ٪ فقط للأبحاث، رغم أننا نمتلك كوادر وأبحاث علمية متفوقة تضمن انتاج أدوية مصرية تغطى احتياجاتنا 100 ٪.
وأشير هنا إلى تجربة مصر فى مجال انتاج الأدوية البيولو جية، وهو الاتجاه الحديث فى صناعة الدواء كبديل عن الأدوية الكيميائية، مع وجود أدوية حديثة مرتبطة بالتكنولوجيا الحيوية، فهناك 5 مصانع متخصصة فى انتاج الأدوية البيولوجية باستثمارات ضخمة، من المنتظر ان تبدأ الانتاج العام القادم وأعتقد أنه مع الخطوات حتى يتم الآن لدعم الصناعة س،ف تشهد تغييراً حقيقياً.
خالد أبوالمكارم هل أسعار الادوية البيولوجية أغلى من الكيميائية؟
د. محى: هناك أفكار جديدة فى تصدير الأدوية المصرية ورفع قيمتها السعرية من خلال تسجيل المحاكاة للتغلب على مشكلة سعر المنشأ وتصدير الأدوية بسعر عادل يتناسب مع قيمتها الحقيقية، وأضيف أن أمامنا فرص عديدة فى الأسواق العربية والأفريقية، حيث تم تقديم مقترح إنشاء الوكالة العربية للأدوية وهى ستكون اول هيئة دواء عربية مقرها بمصر تتيح فرصة تسجيل الدواء فى 22 دولة، بجانب أنه سيتم الإعلان قريبا عن هيئة الكوميسا للأدوية والتى تتيح فرصة تسجيل وتصدير الأدوية فى حوالى 21 دولة.
وقد طالبنا الدولة بتقديم مبادرة تمويلية بفائدة تتراوح ما بين 3 و 8 ٪ للقطاع الدوائى للعمل على زيادة معدلات النمو خاصة وان الأدوية مسعرة جبريا من قبل الدولة.
هذه المبادرات هى ما تنقذ الصناعة حيث إن لدينا 19 غرفة فى الاتحاد تضم كافة الصناعات على وجه العموم واذا كانت الدولة تريد إنشاء 1000 مصنع جديد فنحن لدينا ضعف هذا الرقم من المصانع المتعثرة والمتوقفة.
«الجمهورية» : رئيس هيئة التنمية الصناعية ذكر أن عددهم وصل الى 5700 مصنع؟
محيى حافظ: الرقم يفوق ولدى إحصائيات عديدة ذكرت أن عدد المصانع المتعثرة تفوق هذا الرقم بكثير.. وهذا الملف يجب أن نقف بجانبه وندعمه بشدة.
المرشدى: لدى تعقيب بسيط بخصوص المبادرات الخاصة بسعر العائد .. فقد صدر قرار من نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية بعمل مبادرة تمويلية 15 ٪ للصناعة وتم اختيار غرفة الصناعات النسيجية للتنفيذ ضمن المرحلة الاولى ووزير الصناعة يقوم بتجميع الأنشطة ضمن هذه المرحلة المستفيدة من المبادرة .. ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء صدقوا على هذه المبادرة بحيث يتم خصم فرق سعر الفائدة من حساب وزارة المالية.
«الجمهورية» : ننتقل إلى أستاذ يسرى الشرقاوى: أفريقيا من شرقها الى غربها تعد منجماً للمواد الخام، وفى نفس الوقت ايضا فهى سوق نستطيع نفاذ منتجاتنا اليه، كما ذكر الاستاذ محمد مرشدى والمهندس خالد والدكتور محيى حافظ، ما يساعد فى تنفيذ خطة الدولة بالوصول الى أكثر من 140 مليار دولار صادرات.
هل نحن نتحدث بشكل صحيح ام إننا نتحدث بخيال واسع نتيجة جهل بالواقع.. أستاذ يسرى الشرقاوى نريد من حضرتك شرحاً وافياً؟
يسرى الشرقاوى: أريد التحدث عن شقين احدهما داخلى وآخر خارجى.. سأتحدث عن كيفية تنظيم البيت الداخلى فيما يتعلق بتوطين الصناعة حتى نكون فاعلين فى منظومة التجارة العالمية.
مبدئيا يجب تبنى إستراتيجية بين مجتمع الاعمال والمجتمع المدنى للوصول الى آلية لتعظيم العائد على الاستثمار الصناعى، لأن العديد من الدول يشكك فى ناتجها المحلى الإجمالى، بسبب نسب مشاركة المكون الصناعى.
وإذا نظرنا الى الدول الصناعية السبعة الكبرى وكذلك دول مجموعة العشرين نجد ان نسبة مساهمات القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الاجمالى تختلف كليا عن مساهمة القطاع العقارى.
لذلك قبل الحديث عن الملف الداخلى يجب البحث فى ترتيب البيت داخليا، ويوجد لدينا قانون يسمى بتفضيل المنتج المحلى، هذا القانون كغيره من القوانين تفعيله لم يخضع لمراجعات حقيقة تؤكد أنه مفعل بالشكل الامثل.
والى هذه اللحظة هناك مواصفات تصدر، يشترط فيها المنتج الخاصة بدول بعينها، لذلك فنحن بعيدون تماما عن عملية التوطين والتعميق للصناعة المحلية.
اليوم نحن أمام تحدٍ كبير يتعلق بدور التكنولوجيا والمعايير الجمركية فى تسهيل التصدير إلى الأسواق الخارجية، خاصة السوق الإفريقى. المشكلة تكمن فى عدم اعتماد المعايير الفنية المعترف بها دولياً، مما يعرقل حركة البضائع المصرية. إذا أردنا تحسين هذا الوضع، يجب أن نبدأ بتطوير بنية تحتية حديثة للمعامل المعتمدة، التى تقوم بتحليل المنتجات وفقاً للمعايير العالمية.
على سبيل المثال، إذا كنا نرغب فى دخول سوق الأدوية الإفريقية بسهولة، فذلك يتطلب تحركاً سريعاً وتقديم أوراق متكاملة تعكس التزامنا بالمعايير الدولية. إذا قمنا بذلك بشكل صحيح، فمن الممكن أن نرى منتجاتنا تتدفق إلى الأسواق الإفريقية خلال عامين أو ثلاثة.
الجمهورية : ما حجم استيعاب السوق الإفريقى؟
أولا لابد أن نؤكد أن الرئيس لديه رؤية واضحة وحلم الـ100مليار دولار ليس صعباً لمن المهم كيف نحققه كيف نشحن الجهد لهذا الهدف.. اعتقد أن أفريقيا يمكن أن تلعب دوراً كبيراً لكن الحقيقة الصادمة هى أننا لم نستغل سوى جزء ضئيل جداً من حجم التجارة الإفريقية. فعلى الرغم من أن السوق الإفريقية تُقدَّر بـ2.86 تريليون دولار، إلا أن صادراتنا إلى إفريقيا لا تتعدى جزءاً بسيطاً من هذا الرقــم. على ســبيل المثـــال، تركيا اســتطاعت أن تحــقق 23 مليار دولار من الصادرات إلى إفريقيا، بينما نحن ما زلنا نكافح لتحقيق حتى 1 ٪ من هذه القيمة.
«الجمهورية» : السؤال هنا: ما الذى يمنعنا من تحقيق نجاح أكبر؟
الشرقاوى : الأمر يعود إلى غياب إستراتيجية واضحة وفعالة للتصدير. لقد وضعت الحكومة هدفاً بتصــدير منتجـــات بقيمـة 30 مليار دولار، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب منا التخلى عن مفهوم «التصدير التقليدى» وتبنى مفهوم «التجارة الدولية المتكاملة».
التجارة الدولية لم تعد مجرد تصدير سلع، بل تشمل إدارة كاملة لسلسلة التوريد، من الإنتاج إلى الوصول للأسواق النهائية. وهنا يأتى دور التكنولوجيا فى تحسين عمليات الشحن والتخليص الجمركى والتواصل بين الشركات المصرية ونظرائها فى إفريقيا.
علينا أن نتبنى استراتيجية وطنية للتصدير تعتمد على التكنولوجيا، تدير حركة البضائع بسرعة وكفاءة، وتستفيد من الفرص الهائلة التى توفرها السوق الإفريقية.
لابد ان تتبنى وزارة المالية والبنك المركزى، سياسات مالية وتسويقية وتحفيزية تمنح ضمانات استدامة العمل والاستثمار الإنتاجى لتقليل المخاطر عوضاً عن المبادرات التقليدية.
وارى ان التخطيط الاستراتيجى بعيداً عن الاستناد الى الرقم الحقيقى فى ظل غياب قواعد بيانات دقيقة وتحليلية يمكن من خلالها توجيه العمل الاستثمارى بشكل يضمن استدامة الاستثمار الصناعى والانتاجى فى مواجهة التحديات العالمية.
فى الواقع، نحن اليوم أمام وضع يتطلب منا أن نتخذ خطوات جادة نحو تطوير مصر فى مختلف المجالات.
فعلى سبيل المثال، نحن نتحرك فى عدة اتجاهات. العالم كله يسير نحو تفعيل الأنشطة الصناعية والتجارية، ونحن بحاجة لتأسيس رؤية صناعية تخدم نهضتنا الوطنية.
فالقضاء على العوائق التى تعرقل الصناعة، والاهتمام بتطوير القوانين، يعد من أهم معوقات النمو الصناعى.
الأمر لا يتعلق فقط بالتشريعات، بل بجودة التطبيق وآليات تنفيذ القوانين. يجب أن نعيد النظر فى دور الهيئات التنفيذية وكيفية تنفيذ التشريعات بشكل سليم. فالمستثمر الذى يجلس فى دبى أو غيرها وينظر إلى الأرقام، سيفكر ألف مرة قبل أن يستثمر فى بلد يواجه فيه الجهاز الإدارى ضعفاً فى اتخاذ القرارات أو تأخرا فى البت فى القضايا.
من هنا، يجب أن نعيد ترتيب أولوياتنا. لقد جئت اليوم مع أهداف محددة للعمل عليها. لا يمكننا البقاء فى حالة الجمود، بل علينا أن نعمل على تحسين الصورة دائماً أمام المستثمرين والمواطنين على حد سواء. يجب أن نكون شفافين وحريصين على مستقبل القرار فى بلادنا.
أرى انه من الضرورة الإسراع فى وتيرة التعاون مع الصندوق السيادى المصرى، مع ضرورة العمل على تدشين صناديق فرعية فى القطاعات الإنتاجية فى بعض المنتجات الموجودة فى قائمة الاستيراد، والتى نملك قدرات تصنيعية من خامات ومعدات وأليات وأدوات فى انتاجها، بشكل منافس يضمن لها التوسع فى تغطية الاحتياجات المحلية واختراق أسواق التصدير المستهدفة.
نحن فى أمس حاجة الى بنك معلومات متكامل وموحد وشامل ويضمن القطاعات (الاستثمارية –الصناعية – والزراعية – والتجارية – الخدمية – المالية) ويضم كافة المعلومات المدققة التى يسهل الوصول اليها والتعامل معها، كما يجرى تحديثها بشكل دورى ومرن.
«الجمهورية» : هناك معادلة صعبة يطرحها المواطن وهي, أن الحكومة قدمت تسهيلات وحوافز ودعما للصناعة وتريد صادرات بـ 145 مليار دولار من الصناعة هل يمكن أن يحدث هذا أم أن هناك صعوبات ومعوقات تواجه الصناع ..السيد هانى أمان الرئيس التنفيذى للشركة الشرقية ايسترن كومبانى .. كيف نخرج من هذه الاشكالية أو المعادلة؟
هانى أمان: نحن بالفعل أكبر شركة فى مصر وحرصنا منذ توليت الإدارة أن نبقى أعلى شركة فى حجم الانتاج .
التصنيع هو الاساس فى تنمية الاقتصاد واول قرار صائب أعتبره خطوة جيدة فى ملف التصنيع هو قرار أصدره كامل الوزير يمنع أى جهاز من الدخول الى المصانع أو اغلاقها الا من خلال لجنة وهذا القرار يعطى الطمأنينة للمصانع .
وأقول إن كل وزير جاء لموقع السلطة – هو ذو نوايا طيبة ولكن كيف نحول النظرية الى التطبيق السليم الذى يؤدى لزيادة التصنيع وهذا الموضوع فى منتهى الاهمية.
وأتسأل هنا هل القوانين واللوائح الموضوعة تشجع التصنع أم الاستيراد أم الاستثمار فى البنوك أو الذهب أو العقار وأنا عندما أريد أن أبيع أى منتج هل أستورده أم أصنعه.
التصنع معناه استثمار فى أرض وإجراءات عديدة يستغرق بعضها حوالى عام ونصف العام أم أذهب الى البنوك وأفتح اعتماد استيراد لمنتج مثل الفويل أو ألومنيوم.
وأنا كمستثمر معى 100 مليون جنيه وأريد استثمارها فى بناء مصنع وأعانى من البيروقراطية أم أستورد من الصين بضاعة تباع فى السوق بسعر رخيص أقل من المثيل المحلى لان المنتج المستورد مشاكله محدودة وانا كمستثمر أعانى عند تأسيس مصنع من مشاكل عديدة مثل توفير الاراضى فى مكان مناسب وبسعر مناسب والتعامل مع أجهزة معوقة بسبب البيروقراطية لفترة تمتد الى ثلاث سنوات يحقق فيها المصنع خسائر فى السنوات الأولى.
كما يجب الاخذ فى الاعتبار أن سرعة تغيير القوانين وأسعار الخدمات مثل المياه والكهرباء والغاز وخلافه تمثل أعباء على المشروع ونضرب دراسة الجدوى للمشروع فى مقتل أما السلع المستوردة فهى تحقق أرباحا تصل الى 30 ٪ بينما التصنيع المحلى فى أفضل حالاته لا يصل الى 20 ٪ ربحية.
وأنا وجدت حلاً لهذه المعادلة فى الشركة الشرقية للدخان التى أشرف على إدارتها حيث تم تحقيق مضاعف للربحية والانتاجية.
وأحب أن أشير الى أن تكلفة استيراد علبة سجاير من الخارج أقل من التصنيع المحلى لأسباب عديدة لا يتسع المجال لسردها أهمها التهريب.
الجمهورية: مقاطعة هذه النتائج الجيدة فى شركتكم بسبب الاحتكار؟
أعترض على هذه التسمية إحنا لا نمانع فى بيع أى منتج آخر فى السوق المحلى على العكس نشجع تصنيع السجائر الاجنبية فى مصانعنا مقابل أجرة التصنيع كذلك فان الاحتكار له سلبيات يجب عدم الوقوع فيها.
وأنا أتصور أنه يجب أن تتبنى الدولة ملف التصنيع من خلال إعطاء المستثمر نوعاً من الضمان وتسهيلات لمدة زمنية بين الـ 5 الى الـ 10 سنوات وثبات أسعار الخدمات من مياه وكهرباء وغاز وضرائب حتى لا يتم ضرب دراسة جدوى المشروع حتى يمكن الوصول لحجم صادرات 100 مليار دولار سنويا.
و لازم الدولة توفر الحماية للمستثمر وتعطى له مجموعة من المزايا تميزه عن التحول الى الاستيراد أو الاستثمار فى البنوك أو الذهب.. نحن أمام تحدى هو القضاء على الفجوة الاستيرادية. وهذا يتطلب اجراءات غير تقليدية.
مع العلم أن اعطاء المستثمر فى الصناعة بعض المميزات سوف يؤدى الى مضايقات لأخرين يفضلون بقاء الحال على ما هو عليه ومن وجهة نظرى أن النهوض بالصناعة يحتاج الى شخصيات قوية قادرة على إدارة ملف الصناعة وتدافع عنها وتوفر لها المناخ المناسب.
«الجمهورية» : نحن نتحدث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطةبإعتبارها عماد الاقتصاد لكن مازلنا لم نحقق هذا الحلم بعد.. هل معضلة لهذه الدرجة؟ بالرغم من ان هناك اقتصادات بعض الدول قامت على المشروعات الصغيرة والمتوسطة وربما لا توجد صناعات ثقيلة إلا وتتبعها صناعات صغيرة.
ولماذا لم تتحقق التسهيلات التى طرحها وزيرا المالية والاستثمار أستاذ علاء السقطى رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعضو مجلس إدارة مبادرة ابدأ، تفضل؟
علاء السقطى: مصر لديها صناعة تسهم بحوالى 17 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وبالأرقام تقدر بـ 1.2 تريليون جنيه، ولو مستهدفنا هو الوصول بالصادرات إلى 100 مليار دولار، فعلينا أولا مناقشة أوضاع الصناعة والتجهيز الجيد، من خلال تجهيز بالأراضى والمدن الصناعية التى تلبى احتياجات الصناع وأصحاب المشروعات، خاصة أن الحجم المستغل من المدن الصناعية لا يتجاوز الـ 60 ٪، وهناك مجمعات صناعية متوفرة ولكن أسعار الوحدات فيها مرتفعة وهذا يزيد من التكلفة على المستثمر، وبالتالى لابد من التوسع فى طرح الأراضى الصناعية المرفقة فى المناطق المطلوبة بأسعار مقبولة أمام المصنعين، بجانب أن يسمح لصاحب المشروع بإضافة أكثر من نشاط.
وبالنظــر إلى الفاتــورة الاســتيرادية لمصـر خــلال 2023 سـنجدها 83 مليار دولار، 20 مليار دولار منها للسلع مثل القمح والذرة وغيرها، و20 مليار دولار لقطع الغيار، والـ 20 مليار المتبقين لاحتياجات الشعب المصرى، وبالتالى يصبح نصيب الفرد حوالى 800 جنيه فى السنة، وهو رقم غير حقيقى، لأن حجم السلع والأجزاء غير المعلنة أو غير المحددة سعريا أضعاف هذا الرقم، وهنا تأتى المشكلة الأساسية المتعلقة بغياب المعلومات وربطها، فنحن بحاجة لقاعدة بيانات توضح حجم ونوع السلع التى يتم استيرادها، وما يقابلها من فرص تصنيع بالداخل، على سبيل المثال مصر تستورد بنس للشعر بقمية 18 مليون دولار، وهى سلعة سهلة التصنيع، وهناك العديد من السلع غير الضرورية وسهلة التصنيع محليا يتم استيرادها مثل اكسسوار الموبيلات والنظارات وفرش الدهان التى بلغت فاتورة اســتيرادها 105 مليون دولار، ونحن بحاجة لمعلومات حول السلع التى يتم استيرادها ودراسة امكانية تصنيع تلك السلع وتقديم البدائل والتركيز على المزايا التنافسية، للعمل على إحلال الواردات، وتعميق التصنيع المحلى.
والحقيقة نحن بحاجة لتأسيس منظومة متكاملة لدعم ومساندة الصناعات الصغيرة، خاصة أننا نمتلك الحرفيين، وهناك خامات أولية متوفرة، والسوق المحلى والخارجى يتسع للمزيد من السلع والمنتجات، ولكن علينا كذلك تطوير المنتج المحلى ليتناسب مع اتجاهات السوق الحديثة بما يناسب الأذواق وتغيرها المتسارع، ومن منطلق دعم الصناعات الصغيرة هناك ضرورة لتأسيس جهاز أو هيئة لإدارة المشروعات والصناعات الصغيرة يكون لها صلاحيات مباشرة ليكون التعامل بشكل غير تقليدى يضمن سهولة العمل والنمو.
«الجمهورية»: لدينا جهاز للمشروعات الصغيرة والمتوسطة؟
علاء السقطى: نعم لدينا جهاز ويتبع مجلس الوزراء لكنه لا يملك صلاحيات تحديد آليات العمل.
«الجمهورية» : هل مبادرة إبدا لعبت هذا الدور؟
علاء السقطى: مبادرة ابدا لها دور مهم و مكمل لدور الجهاز ونجحت فى تحقيق نتائج جيدة الا اننا نمتلك جهاز ادارى للدولة عميق لدرجة كبيرة والا كانت الأمور تسير دون تدخل من رئيس الجمهورية شخصيا.
«الجمهورية»: معنى ذلك ان بيروقراطية الجهاز الإدارى للدولة تعد احد المعوقات الكبيرة؟
علاء السقطى: 100 ٪ الجهاز الإدارى للدولة جهاز عميق وقوى جداً ويخشى منه المسئولون.. الوزير حالياً يخشى اتخاذ بعض القرارات الا بعد الحصول على تأكيدات من الموظفين.. وهناك بعض المشروعات حققت نجاحات كبيرة لأنها تعاملت خارج الإطار الإدارى للدولة ،بيروقراطيته القاتلة.
فى السنوات الأخيرة، شهدنا تنامى أعداد المصانع فى مصر، ومع ذلك، يتساءل الكثيرون: ما المسار الصحيح للعمل فى ظل هذه الظروف؟ لنأخذ مثالا على إحدى الشركات الكبرى التى استثمرت فى مصر: شركة سامسونج. هذه الشركة تعمل بنجاح فى السوق المصرية، وفى الوقت نفسه تستثمر عشرات المليارات فى دول أخرى. بالنسبة لمصر، لدينا عمالة ضخمة، ونحن نتجاوز الآن حاجز المائة مليون نسمة، ولكن هل استغللنا هذا العدد بالشكل الكافى لجذب الاستثمارات؟ للأسف، حتى الآن، لم نتمكن من تحقيق كامل إمكاناتنا فى هذا الجانب، ولا حتى استغلال مواردنا بالشكل الأمثل.
ومن الأمثلة التى يمكن ذكرها هى شركات السياحة العالمية التى كانت تستورد من مصر سابقًا بقيمة تصل إلى مليار دولار. اليوم، مع زيادة عدد السكان، كان يجب أن نشهد تطورًا أكبر فى هذا المجال، لكننا لم نتمكن بعد من تحقيق تلك القفزات النوعية فى الأداء الاقتصادى.
يجب علينا أن نعيد التفكير فى كيفية جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية لتحسين الوضع الاقتصادى، واستغلال الفرص المتاحة بشكل أفضل.
وهناك محور آخر هام على الدولة تشجيعه وهو تحفيز الاقتصاد الموازى أو غير الرسمى للدخول تحت المظلة الرسمية (الاقتصاد الرسمي)، مع العلم أن 50 ٪ من حجم الاقتصاد المصرى هو اقتصاد غير رسمى، وبالتالى مطلوب تقديم المزيد من المحفزات والمزايا التى تدفع أصحاب المشروعات والعاملين بشكل غير رسمى لتسجيل أعمالهم ضمن الاقتصاد الرسمى.
«الجمهورية»: انتقل بالحديث الى الأستاذ أحمد جابر رئيس غرفة التعبئة والتغليف باتحاد الصناعات.. هناك وجهتا نظر متباينتان حول قدراتنا الصناعية. الأولى تؤكد أننا نستطيع تصنيع كل ما نستورده، بينما يرى أخرون أنه ينبغى علينا التركيز على الصناعات التى نمتلك فيها ميزة نسبية. . كيف ترى هذا الملف؟
أحمد جابر: لا توجد دولة فى العالم لا تعتمد على الاستيراد، ولكن التحدى الذى نواجهه هو الفجوة الدولارية. مصر تستورد بأكثر من 80 مليار دولار وتصدر فقط 20 مليار دولار، وهذا يمثل فجوة كبيرة نحتاج إلى تقليلها وحديث الرئيس مهم . ،يجب أن تتحرك حكومة وقطاع خاص لتحقيق حلم ت،طين الصناعة.
نثمن جهود الدولة فى تحديد 150 صناعة محفزة، لكن من المهم تقسيم هذه الصناعات إلى مجموعات وقطاعات لتحديد الميزة النسبية الفعلية لكل صناعة. فعلى سبيل المثال، فى صناعة مواد التعبئة والتغليف، يتم تصنيع 80 ٪ منها محليًا. ومع ذلك، نجد أن حجم صادراتنا من الحاصلات الزراعية، التى تقدر بنحو 4 مليارات دولار، لا يزال يعتمد على استيراد مواد التعبئة والتغليف بحجة أن الطرف الآخر يطلب مواصفات معينة. بينما لدينا القدرة على توفير هذه المواد محليًا، مما يقلل من الحاجة للاستيراد.
كذلك، المصروفات المرتفعة التى يتحملها القطاع الصناعى، والتى تصل إلى 50 ٪ من الأرباح فى شكل رسوم وضرائب، تُعد عقبة كبيرة. هذه النسبة تعنى أن نصف الناتج الصناعى يذهب للدولة دون أى مخاطرة، مما يؤدى إلى زيادة تكلفة المنتجات.
مصر بحاجة إلى إنشاء مبادرة تكامل صناعى إفريقى مشابهة لاتفاقية التكامل الصناعى العربى بين مصر والأردن والبحرين والإمارات. السوق الإفريقى يمتلك القدرة على استيعاب المنتجات المصرية، ويمتاز بتوافر المواد الخام التى يمكن استخدامها فى مختلف الصناعات. على سبيل المثال، الكاكاو متوفر بكثرة فى إفريقيا، وهو المادة الأساسية فى تصنيع الشوكولاتة، فلماذا لا نستفيد من ذلك؟
السوق العربى مهم لبعض المنتجات المصرية، لكنه ليس بمثل حجم السوق الإفريقى الضخم. . يجب علينا الاستفادة من المواد الأولية المتاحة فى إفريقيا وتحويلها إلى منتجات أخرى عبر صفقات متبادلة.
وقعت مصر على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، ومن الضرورى تفعيلها من خلال استيراد منتجات إفريقية وتصدير أخرى بنفس الإعفاءات والحوافز. مثلاً، نستورد 450 مليون دولار من البن، فلماذا لا نستورد البن من إفريقيا، حيث الأسعار أرخص بفضل وجود بورصة عالمية للأسعار؟
لقد شهدت المدن الجديدة مثل العاشر من رمضان و6 أكتوبر وبدر تطورًا كبيرًا فى فترة الثمانينات والتسعينات، بفضل الإعفاءات الضريبية المقدمة فى ذلك الوقت. لم تكن هذه المدن لتزدهر إلا من خلال الحوافز والإعفاءات. لذلك، نحن بحاجة إلى مزيد من هذه الإعفاءات والمزايا، بالإضافة إلى ضرورة وجود ميزة نسبية لتشجيع التصنيع، خاصة فى الصعيد. من سيتجه إلى الصعيد إذا لم تتوفر المزايا والإعفاءات اللازمة؟»
«الجمهورية» : لماذا نرى ان كل خبير فى مجاله يعول على الدولة فى الكثير مما يتحدث.. أنا كمواطن بسيط استمع الى اراء بعض كبار المستثمرين بضرورة تخارج الدولة من مجال الاستثمار.. بعض المنظمات الحقوقية تؤدى هذا الاتجاه .. حضراتكم ترون ان الدولة تشارك فى دعم الصناعات لمساعدة عجلة الإنتاج فى الدوران.
المبادرات التى نفذها جميع رجال الصناعة كل فى قطاعه.. ما هو المطلوب لتطوير القطاع الصناعى بناء على التجارب السابقة التى نفذها رجال الصناعة.
هانى امان: اسمحوا لى ان اضيف شيئاً.. هناك رؤية واضحة تعبر عن ضرورة أن يظل تدخل الدولة فى إطار توفير المناخ الملائم، دون أن تتجاوز هذا الدور إلى إدارة المشاريع بنفسها. فى رأى الشخصى ان المستثمرين لا ينتظرون من الدولة أن تتدخل فى إقامة المصانع أو إدارة الصناعة، بل ينتظرون توفير بيئة عمل سليمة تشجعهم على الاستثمار وتضمن لهم النجاح والاستمرارية.
انا لم ألمس من أى من زملائى فى الاجتماع رغبة فى تدخل الدولة بشكل مباشر، لكنى اعتقد أن الجميع متفق على أن الدعم الحكومى يكون فى إطار توفير الأطر التنظيمية المناسبة. المطلوب هنا ليس إدارة الدولة للصناعة، بل توفير مناخ مستقر يمكن المستثمرين من العمل بحرية ويمنحهم الثقة فى مستقبل استثماراتهم.
مطلوب ان يدعم النظام الحكومى الصناعة بتوفير ضمانات حقيقية للمستثمرين. فإذا قرر أحدهم استثمار مائة مليون مثلاً، فإنه يجب أن يطمئن إلى أن استثماره سيؤتى ثماره خلال خمس سنوات، بناءً على خطط واضحة وتحليل واقعى.
وهنا تكمن أهمية تدخل الدولة: فى تقديم إطار تنظيمى يحمى المستثمر من القرارات العشوائية أو الظروف الخارجة عن إرادته التى قد تؤثر سلبًا على عمله. بمعنى أن دور الدولة هو تقديم الأرضية الصلبة التى تُبنى عليها الصناعة، دون أن تصبح هى اللاعب الرئيسى فى السوق.
واضرب مثالاً على نجاح الدولة فى إقامة مناخ استثمارى سليم بالإشارة إلى المشاريع الكبيرة التى تم تنفيذها بالفعل، فقد تم إنجاز أكثر من خمسين مشروعًا بقيمة عشرات المليارات، وهو ما يعكس قدرة الدولة على توفير البيئة المناسبة للمستثمرين. ومع ذلك، المطلوب هو التزام الدولة بدورها كداعم ومنظم، وليس كمدير للصناعة.
الاستثمار الناجح يتطلب إطارًا قانونيًا وتنظيميًا يحدد مصادر الاستثمار ويوفر مناخًا آمنًا للمستثمرين، بحيث يتحملون مسئولية قراراتهم دون أن يضطروا للتعامل مع قرارات خارجية تعرقل عملهم. هذا هو التوازن المثالى الذى تحتاجه الصناعة لتحقيق النجاح والنمو المستدام.
«الجمهورية» : المسئولية الاجتماعية نجد ان العديد من رجال الصناعة لديهم مشروعات ناجحة وتحقق معدلات انتاج كبيرة، فضلاً عن اهتمامهم بوضع المسئولية المجتمعية ضمن المكون الرئيسى لهذه المشروعات.
فالمسئولية المجتمعية يجب ان تكون جوهراً رئيسياً فى عمل اى مشروع.. لماذا لم يتحقق ذلك طيلة السنوات الماضية؟
الامر الاخر قد نختلف مع النائب محمد المرشدى فيما يتعلق بعدم الاعتماد على القطن المصرى فى انتاج الملابس نحن نجد ان الكثير من الماركات العالمية تضع المنتج المصرى المصنوع من القطن طويلة وقصير التيلة.
محمد المرشدى: مصر حباها الله بأعلى جودة من القطن طويلة التيلة.. نستطيع ان نقول القطن المصرى هو الذهب الأبيض .. ونحن نجده يستخدم فى تصنع اغلى الملابس التى تنتجها الماركات والشركات العالمية.
«الجمهورية»: هل نحن فى حاجة إلى صناعة جيل من رجال الصناعة؟
السقطى :نعم، نحن بالتأكيد فى حاجة إلى صناعة جيل جديد من رجال الصناعة. حاليًا، عندنا جيل تجارى ممتاز، لكن الجيل الصناعى غائب، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا. الحل هو إنشاء كيان أو مؤسسة متخصصة تكون لها كل الصلاحيات لإدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة. هذا الكيان يجب أن يكون لديه القدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالأجزاء التى نستوردها، سواء كانت منتجات نهائية أو مكونات تدخل فى صناعات أخرى، ويجب أن يكون له صلاحيات لتحديد أماكن العمل المناسبة.
المؤسسة هذه يجب أن تكون قادرة على إجراء دراسات جدوى حقيقية بالأســعار الفعلية، وتقديم قــروض بفائدة مخفضــة، مثل 5 ٪ أو 15 ٪ بدلاً من الفوائد العالية.
«الجمهورية» : السؤال موجه للدكتور محيى هل نحتاج صناعة جيل جديد من الصناع؟
لكن فى ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التى تواجه الصناعة، واحدة من أبرز العلامات هى ارتفاع تكلفة الإنتاج، الأمر الذى ينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات النهائية ويزيد العبء على المواطن المصرى. وفى هذا السياق، تعتبر وثيقة سياسة ملكية الدولة واحدة من أنجح السياسات التى يمكن أن تسهم فى تخفيف هذا العبء عن الدولة، سواء من خلال المشاركة فى إدارة المشروعات، أو عبر طرحها فى البورصة.
«الجمهورية» : تأخر فى رد الأعباء التصديرية هل من معوقات زيادة التصدير وما المطلوب من الدولة للإسراع فى وتيرة رد الأعباء التصديرية؟
أحمد جابر: المشكلة فى التصدير ليست فقط فى أنك تحصل على دعم من الدولة عبر رد الأعباء التصديرية، ولكن هذه الأموال تكون غير فعالة لأنها قد تستغرق سنتين أو ثلاث سنوات لاستحقاقها. بالإضافة إلى ذلك، عندما تصدر بناءً على سعر صرف معين، وبعد عامين أو ثلاثة تسترد الأموال على سعر صرف مختلف، فهذا يضعف الفائدة ويقلل من القدرة على المنافسة.
إذا كنت تعرف اليوم، قبل أن تخرج الشحنة من الجمارك، أنك ستحصل على مستحقاتك فوراً، أو حتى قبل أن تدفع تكاليف الشحن، سيكون لديك مرونة أكبر فى تقليل التكلفة، وهذا يعزز فرصك فى المنافسة فى السوق التصديرى.
أما فيما يتعلق بالاتفاقيات التجارية التى أبرمتها مصر مع افريقيا، نعم، مصر استفادت منها، ولكن لم نحقق الاستفادة القصوى. المشكلة ليست فى إعادة صياغة الاتفاقيات، بل فى كيفية الاستفادة الفعلية منها. يجب تفعيل هذه الاتفاقيات بشكل صحيح، ومعرفة كيفية استغلال الفرص التى تقدمها لتحقيق أفضل النتائج.
علاء السقطى: بالنسبة لموضوع الجمعيات الأهلية، نحن جميعًا هنا نمثل جمعيات أهلية تقريبًا، وهذا جزء من مسئوليتنا الاجتماعية. هذه الندوة بحد ذاتها هى تجسيد لمسئولية مجتمعية، وهو الدور الذى يجب أن نؤديه دائمًا. أنا شخصيًا عملت فى افريقيا لمدة 10 سنوات، والدكتور يسرى الآن يواصل العمل هناك. لذلك من الضرورى أن نستعين بخبراته، ونعطيه الملف الخاص بافريقيا لنستفيد من معرفته فى وضع خطة طويلة الأمد، لمدة 30 سنة، توضح ما الذى يمكن أن نفعله هناك.
المشكلة هى أن هذه الاستشارات القيمة لا تحصل على التقدير المالى المستحق من الدولة، رغم أن لها ثمنًا باهظًا إذا طلبتها من الخارج. على سبيل المثال، فى أحد الأيام جمعت ممثلين من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأجلستهم مع مسئولين لبحث سبل التعاون. هذا هو الدور الذى يمكن أن تقوم به الجمعيات الأهلية لدعم الاقتصاد والمجتمع».