ما بين الانكسار بعد هزيمة 1967، والانتصار العظيم لقواتنا المسلحة في السادس من أكتوبر 1973، أبحر اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، في تفاصيل ومشاهد هذا التحول الذي أبهر العالم، وأظهر عزيمة وقوة وإرادة القوات المسلحة المصرية ومن ورائهم شعب عظيم تلاحمت إرادته مع الإرادة السياسية ومع القوات المسلحة في تحقيق انتصار 1973 المجيد، مشيرًا إلى أن هناك نوعًا جديدًا من الحروب بدون استخدام المدفع والدبابة، وإنما بإسقاط الدولة من خلال أبنائها باستخدام حروب الجيل الرابع والخامس، التي تعتمد على بث الشائعات، وإفقاد المواطن الثقة في قيادته ودولته.
وعبَّر “فرج” في بداية كلمته خلال احتفال نقابة المهندسين بمرور 51 عامًا على انتصار حرب أكتوبر، عن سعادته بوجوده في نقابة المهندسين، لقيمتها الكبيرة في مصر، وللدور الكبير والعظيم الذي قام به المهندسون العسكريون والمدنيون في حرب أكتوبر، موضحًا أنه بعد مرور 50 عامًا على حرب أكتوبر العام الماضي تم إنشاء لجنة خاصة لتقييم وثائق حرب أكتوبر، وقال: “من أجل أن نشعر بحلاوة النصر فلا بد أن نعلم الأسباب التي أدت إلى هزيمة 1967″، مؤكدًا أن مصر استطاعت عبور هزيمة 1967، قبل عبور خط بارليف في 1973، فلم ينجح العدو في بث روح اليأس، حيث نهض جيش مصر بعد الهزيمة ليعيد بناء قدراته ويبدأ معارك الاستنزاف والاستعداد للانتصار.
وتضمنت كلمته عرضًا لعدد من الأفلام الوثائقية حول أحداث هزيمة 1967، ثم معركة رأس العش والتي استمرت 7 ساعات وصدت القوات المصرية هجوم العدو ثم تدمير وإغراق المدمرة إيلات والذي أصبح درسًا في تكتيكات الحرب، مستعرضًا قصة استشهاد البطل العسكري المصري الفريق عبد المنعم رياض- رئيس أركان الجيش المصري والذي استُشهد وهو يتفقد الخطوط الأمامية للجيش المصري.
واستعرض “فرج” الخطة الاستراتيجية لحرب أكتوبر وبناء حوائط الصواريخ لصد الهجمات الإسرائيلية داخل سيناء أثناء العبور واقتحام خط بارليف، والذي كان بطول 180 كم على مياه القناة بارتفاع 20 مترًا، مستعينًا في شرحه بعرض مرئي لقناة BBC، والذي أوضح أن إسرائيل أكدت على استحالة عبور الجيش المصري له، كونها استخدمت في تشييده خط السكة الحديد الذي كان يبدأ من السويس إلى غزة مرورًا بسيناء، وأعدَّت إسرائيل تحت خط بارليف خط مواسير نابالم حارق حتى إذا حاول الجيش المصري عبور القناة يفتح الجيش الإسرائيلي النابالم ويتم إحراق كافة الجنود المصريين، إلا أن العبقرية الهندسية العسكرية المصرية قهرت خط بارليف والذي تم التخطيط لعبوره لمدة ست سنوات من خلال فكرة المقدم “باقي زكي يوسف” والذي لولاه ما تم عبور خط بارليف الحصين.
كما تناول”فرج” الدور الكبير الذي قام به الفريق “سعد الشاذلي” والذي خطَّط لعبور قناة السويس من خلال 12 موجة، حيث كان وقتها طالبًا في كلية أركان حرب، وذهب “الشاذلي” لكلية أركان الحرب لتحفيظ خطة العبور للمشاركين، في حضور العقيد عمر سليمان والذي أصبح رئيس المخابرات فيما بعد، مستعرضًا الدور الكبير الذي قام به العقيد “صلاح فهمي” الذي وضع كل تفاصيل بداية الحرب والأوقات المناسبة لعبور الزوارق بالجنود وتوقيت نزول الكباري للمياه ومن ثم عبور الدبابات واختيار اليوم، كونه عيدًا لليهود وخاصة الساعة الثانية ظهرًا في العاشر من رمضان، حيث لن يُصدق العدو أن المصريين سيحاربون وهم صائمون.
كما استعرض اللواء الدكتور “سمير فرج” بدء العبور واقتحام خط بارليف، مستشهدًا بما تناولته قناة BBC، حيث ركزت مصر من خلال حائط الصواريخ على الضفة الغربية والذي استطاع إلحاق خسائر فادحة بالقوات الجوية الإسرائيلية وصلت إلى ثلث سلاح الطيران الإسرائيلي، إلى الحد الذي صدرت فيه الأوامر من القيادة الإسرائيلية لطياريها بعدم الاقتراب من قناة السويس، وبالتالي تم تدمير عدد كبير جدًا من الطائرات الإسرائيلية، موضحًا أنه تم اختيار يوم السادس من أكتوبر؛ لأنه أقدس أيام السنة اليهودية ورُوعي فيه أحوال الطقس والمد والجزر.. وعبَرَ آلاف الجنود المصريين من الصاعقة قناة السويس ونزلوا على الضفة الشرقية وصعدوا الساتر الترابي بالسلالم المصمَّمة من الأحبال ثم تبعتها الدبابات والمدفعية، وبعد 4 ساعات من الهجوم فتح المهندس المصري الثغرات وتم عبور قناة السويس.
واختتم “فرج” كلمته بعرض مشاهد من فيلم “جولدا” الذي وثَّق أيام حرب أكتوبر وردود الفعل في إسرائيل خلال الحرب، حيث رصد الفيلم 3 أسابيع في حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير، خلال حرب أكتوبر 1973، وتحديدًا منذ الخامس من أكتوبر وحتى قرار وقف إطلاق النار في الثاني والعشرين من الشهر ذاته.
كما أوضح أن الوضع الحالي الملتهب حول مصر والصراعات والحروب الإقليمية التي تحيط بها من كافة الاتجاهات، فمن الجانب الغربي ليبيا، والجنوبي السودان واليمن، والشرقي غزة ولبنان.
في ختام كلمته قام المهندس طارق النبراوي- نقيب المهندسين، يصاحبه كل من الأستاذ الدكتور أحمد البدوي سيد- وكيل النقابة، والمهندس محمود عرفات- أمين عام النقابة، والمهندس كريم الكسار- الأمين العام المساعد للنقابة، والأستاذ الدكتور سعد مكرم- أمين الصندوق المساعد للنقابة، بتكريم اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، وإهداءه درع النقابة.
وعظَّم أمين عام نقابة المهندسين من انتصار حرب أكتوبر، كونها أحد أعظم المعارك العسكرية في العصر الحديث، حيث خاض الجيش المصري المعركة على طول جبهة القتال لقواته البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، فشهدت واحدة من أكبر الضربات الجوية في التاريخ، بمشاركة نحو 220 طائرة، مهَّدت الطريق لإحدى أعظم المعارك العسكرية في التاريخ الحديث، فضلًا عن التمهيد النيراني الكثيف بـ 2000 مدفع، قائلا: “وجاء اقتحام الجيش المصري لـخط بارليف أكبر مانع عسكري في التاريخ، الذي شيد على امتداد شرق قناة السويس، ليُشكِّل اقتحامه أهم وأعقد الإنجازات في تلك الحرب، فلم يكن مجرد عبور لمجرى مائي، بل كان اختراقًا لحصون وُصِفت بأنها أقوى التحصينات العسكرية في التاريخ”.
وأشاد “عرفات” بالدور العظيم للمهندسين المصريين المدنيين والعسكريين من مختلف التخصصات الهندسية في مراحل التخطيط والإعداد والتجهيز للقوات المسلحة، وكذا معارك الاستنزاف ومعركة أكتوبر المجيدة، حيث شاركوا في استيعاب التطور التكنولوجي للمعدات والأسلحة الحديثة والحفاظ على كفاءتها الفنية وتطويرها، كما ساهموا في جميع أعمال التجهيزات الهندسية للقواعد والمطارات الجوية، وكذا قواعد صواريخ الدفاع الجوي ومراكز القيادة والسيطرة، واختلطت دماؤهم “عسكريون ومدنيون” مع دماء زملائهم من كافة الأسلحة المقاتلة والمعاونة، موضحًا أن الجيش المصري نجح في تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، واسترداد جميع الأراضي المحتلة في شبه جزيرة سيناء واسترداد السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس، وأظهرت الحرب أن التعاون العربي العسكري والاقتصادي يمكن أن يحقق قوة الردع العربية للحفاظ على الأمن القومي العربي ضد أي محاولات لتهديده والمساس به.
واختتم “عرفات” كلمته بالتأكيد على حق الجميع بالفخر بقواتنا المسلحة، التي أنجزت هذا الانتصار الذي غيَّر موازين القوى في المنطقة ، ليبقى عنوانًا للفخر والعزة، ودليلًا على أن الإرادة القوية يمكنها قلب المعادلات وتغيير مجرى التاريخ.
جدير بالذكر، أن الاحتفالية انطلقت بحضور المهندس طارق النبراوي- نقيب المهندسين وهيئة مكتب النقابة،وبينهم الدكتور المهندس أحمد البدوي سيد – وكيل النقابة، والمهندس محمود حامد عرفات- الأمين العام، والمهندس كريم الكسار- الأمين العام المساعد، والدكتور المهندس سعد مكرم- أمين الصندوق المساعد، ومشاركة اللواء أركان حرب الدكتور سمير فرج، وعدد من قادة القوات المسلحة الذين شاركوا في حرب أكتوبر المجيدة، ومنهم اللواء أركان حرب حسين مسعود- وزير الطيران السابق، واللواء محمد نادر عبد الوهاب، واللواء أركان حرب عصام عبد الحليم.