تصريحات الرئيس السيسي، عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يتم وصفها بأنها رسالة «غير مسبوقة»، لأن الرئيس أكد على ضرورة مراجعة الموقف المصرى من الاتفاق حال تسبب برنامج الإصلاح الاقتصادى فى «ضغط لا يتحمله الناس». ولا شك أن البرنامج الذى يتم تطبيقه حالياً فى مصر يتم فى ظروف إقليمية ودولية وعالمية شديدة الصعوبة، لها تأثيرات سلبية فى العالم أجمع، يقابل ذلك ما أعلنه رئيس الوزراء من أن الحكومة قد تلجأ إلى اقتصاد الحرب، مما يحتم التحوط لمواجهة التحديات التى قد تواجه البلاد، وسبل مواجهتها والأمر قد يبدو صعبا، ولكن ما يطمئننا أن لهجة وأسلوب الرئيس السيسى فيها الكثير من الحزم بعدم الإضرار بالأمن القومي، وهو ما تناوله قبل ذلك عندما تحدث بنبرة مماثلة عن استبعاد «خفض قيمة الجنيه المصري»، فى يونيو 2023، وأكد أنه من المستبعد القيام بتلك الخطوة التى من شأنها أن تضر بالأمن القومى والمواطنين وهى الخطوة التى لم تحدث مجدداً.. والواقع يؤكد أن تصريحات الرئيس السيسى ستكون مقبولة لدى الأطراف الخارجية الدولية على اعتبار ان الواقع الجيوسياسى والإقليمى يحتم أن يبقى الوضع الداخلى فى مصر مستقراً، وهو أمر يهم صندوق النقد الدولى بالتوازى مع تنفيذ برامجه الاقتصادية. وبالتالى فمن الممكن التركيز على تصريحات الرئيس السيسى بقبول التراجع عن نقاط معينة فى البرنامج الذى يتم مع صندوق النقد، وخاصة وأن رسالة الصندوق تهدف بصورة رئيسية إلى ضمان استقرار النظام النقدى الدولي، عبر تتبع الاقتصاد العالمى واقتصادات الدول الأعضاء، وتقديم القروض للدول التى تواجه مشاكل فى ميزان المدفوعات، وتقديم المساعدة العملية للدول الأعضاء. وإذا كانت للصندوق ثلاث مهمات حيوية وهي: تعزيز التعاون النقدى الدولي، وتشجيع التوسع التجارى والنمو الاقتصادي، وتثبيط السياسات التى من شأنها الاضرار بالرخاء. فإنه لتحقيق هذه المهمات الثلاث، تعمل الدول الأعضاء فى الصندوق على أساس تعاونى فيما بينها ومع الهيئات الدولية الأخرى لتحسين حياة المواطنين وهى أساس التعاون الدولى والتى أكد عليها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤخراً. لا سيما وأن تجربة مصر مع صندوق النقد الدولى جديرة بالنظر، كون هذه البرامج لم تؤد إلى انتشال الاقتصاد المصرى من مشكلاته، وهى على مدار عقود مجرد برنامج ينتهى يعقبه الدخول فى برنامج جديد للحصول على قروض، ولم يمثل هذا مخرجا للدولة المصرية من مشكلاتها الاقتصادية. الحالة المصرية نجد فيها ضغوطاً حقيقية من قبل صندوق النقد الذى حرص على تقليص العمالة بالقطاع العام والحكومة، وكذلك تخفيض مخصصات الدعم بشكل كبير، وأيضا الدخول فى برامج الخصخصة. وقد انعكست سياسات صندوق النقد سلبيا بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما قد يؤدى إلى قلاقل اجتماعية، وإضرار بالأمن القومي، وهو ما استوجب تدخل الرئيس السيسى شخصياً. ولكن فى المقابل يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا بأن برامج الصندوق لم تنجح لعدة أسباب منها إن الحكومات اعتادت الحصول على قروض ومساعدات من صندوق النقد، جعلنا منها أصلا لعلاج مشكلاتنا الاقتصادية، وفى الحقيقة هى مجرد مسكنات، أيضاً استمرار نهج اقتصادنا الريعى المعتمد على السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وتصدير المواد الأولية. بينما معادلة النشاط الإنتاجي، والدخول فى مراحل القيمة المضافة بقطاعى الصناعة والزراعة لا تتم بالصورة المرضية. أيضاً غياب المساءلة والرقابة على النشاط الاقتصادي، لذلك لا يتم التصرف فى الموارد الاقتصادية المتاحة بطريقة سليمة.
لذا فإن الحس السياسى الكبير للرئيس السيسى يجعلنا مطمئنين إلى إمكانية توجيه بوصلة الإصلاح الاقتصادى للقطاعات الإنتاجية، وتوظيف أفضل للموارد البشرية، مع تقليص الإنفاق على البنية الأساسية غير الضرورية، كذلك إطلاق العنان للقطاع الخاص للعمل فى إطار أجندة تنموية، وفى المقابل تقوية دور القطاع العام بعيداً عن البيروقراطية والفساد، وعدم إغفال الاهتمام بأوضاع التعليم والرعاية الصحية للمواطنين.