إذا كان المتحف المصرى بالتحرير هو احد المعالم التاريخية السياحية بالقاهرة إلا أنه ايضاً هو الأقدم فى منطقة الشرق الأوسط كما انه اول مبنى فى العالم بنى ليكون متحفاً . وقد بدأت قصة هذا المتحف عندما أبدى القناصل الاجانب المعتمدون فى مصر إعجابهم بالفن المصرى القديم وعملوا على جمع الآثار المصرية وإرسالها إلى المدن الأوروبية الرئيسية ، وبذلك بدأت مصر تعرف تجارة الآثار والتى ازدهرت واصبحت موضة اوربية ، وكانت الهدايا من تلك القطع النادرة خلال القرن التاسع عشر منتشرة بين الطبقة الأرستقراطية وكانت التوابيت من اهم القطع الأكثر طلباً . ولم يفهم المصريون فى بداية الأمر الدافع الذى ىجعل الأوروبيون يهتمون بالأحجار الموجودة فى أراضيهم ، فيما كان الدافع الاهم وراء تنقيب المصريين عن الآثار فى المعابد والمقابر هى الشائعات التى كانت تروج ان ببعض هذه المناطق كنوزاً خفية . وقد بدأت فكرة انشاء المتحف المصرى عام 1895 حين فاز المعمارى الفرنسى مارسيل دوريني بالمسابقة التى اعلنت لتصميم مبنى المتحف ، ليفتتحه الخديو عباس حلمى الثانى عام 1902 وفى ابريل عام 2021 كان المتحف محط أنظار العالم حين ودع ٢٢ مومياء ملكية لتنتقل إلى مكان عرضها الدائم بالمتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط فى موكب مهيب . وما بين هذين التاريخين مر المتحف بعدة محطات فى تاريخه لابد من الحديث عنها . ففى عام 1835 كان هناك موقع له فى حديقة الأزبكية يضم عدداً كبيراً من الآثار المتنوعة ثم تم نقل هذه المحتويات إلى قاعة عرض بقلعة صلاح الدين بالقلعة حتى فكر عالم المصريات الفرنسى (اوجست مارييت) والذى كان يعمل بمتحف اللوفر فى افتتاح متحف يعرض مجموعة من الآثار على شاطئ النيل عند منطقة بولاق ، وقد تم بناؤه فى عهد الخديو إسماعيل وافتتح للزيارة للمرة عام 1863 وكان المتحف فى بدايته مبنى ضخما يطل على النيل وسمى (دار الآثار القديمة او الانتكخانة) إلا انه تعرض عام 1878 لفيضان النيل فتم نقلها إلى ملحق خاص بقصر الخديو إسماعيل بالجيزة . وكان محمد على باشا قد اصدر مرسوماً يقضى بإنشاء مصلحة الآثار والمتحف المصرى وقام بإسناد ادارة تلك المصلحة إلى يوسف صبا أفندى بإشراف الشيخ رفاعة الطهطاوى ليتولى مهمة الاهتمام بالآثار . وقد نجح فى تحذير الرأى العام بقيمة الاثار وأمر بإصدار قرار فى 15 أغسطس 1835 بل وشدد على ضرورة صيانتها والحفاظ عليها .
وقد بدأ يوسف افندى مدير مصلحة الاثار منذ تولى منصبه بالتفتيش على آثار مصر الوسطى التى كان يعثر عليها الفلاحون . وفى عام 1848 كلف محمد على باشا لينان بك وزير المعارف بوضع بيان شامل عن المناطق الأثرية وارسال الآثار المهمة إلى المتحف المصرى . وبوفاة محمد على باشا لم يكلل العمل بالنجاح وعادت تجارة الآثار للظهور من جديد ، واخذت المجموعة التى كان يضمها المتحف فى الأزبكية فى الانكماش حتى تم نقلها إلى قلعة صلاح الدين فى صالة واحدة ومما زاد الأمر سوا إهداء الخديو عباس الاول محتويات تلك الصالة كاملة إلى الدوق بكسميليان النمساوى اثناء زيارته للقلعة . وعندما جاء عالم المصريات جاستون ماسبيرو افتتح المبنى الجديد فى موقعه الحالى بقلب القاهرة . ويضم المتحف اكثر من 180 الف قطعة آثرية اهمها المجموعات الأثرية التى عثر عليها فى مقابر الملوك والحاشية الملكية للأسرة الوسطى فى دهشور عام 1894، بالإضافة إلى اعظم مجموعة آثرية فى العالم تعبر عن جميع مراحل التاريخ المصرى القديم . ويتسم تصميم مبنى المتحف بالطابع الكلاسيكى الحديدة ويتكون من طابقين يضمان مجموعات مميزة من الاثار ، وقد احتفل بوضع حجر اساسه فى اول أبريل 1897 بحضور الخديو عباس حلمى الثانى ورئيس مجلس النظار (الوزراء) وكل اعضاء الوزارة ، وتم الانتهاء من المشروع على يد الالمانى(هرمان جرابو) فى نوفمبر 1903 والذى تسلم مفاتيح المتحف منذ التاسع من مارس 1902 ونقل المجموعات الأثرية من قصر الخديو إسماعيل بالجيزة إلى المتحف الجديد . هذه العملية استخدم خلالها خمسة الاف عربة خشبية اما الاثار الضخمة فقد تم نقلها على قطارين سيرا ذهاباً وعودة نحو تسع عشر مرة بين الجيزة وقصر النيل ، وقد حملت الشحنة الاولى نحو ثمانية واربعين تابوتاً حجرياً تزن ما يزيد على الف طن وتم الانتهاء من عمليات النقل فى 13 يوليو 1902 ، وفى 15 نوفمبر تم افتتاحه رسمياً وأعتمد المتحف الجديد على أسلوب عرض يقوم على ترتيب القاعات ترتيباً تدريجياً . وعندما سأل ماسبيرو عن سبب هذا الترتيب اجاب بأن المتحف المصرى صورة للمقبرة او المعبد الفرعونى .