.. أبداً.. لم يكن تشغيل خط السكك الحديدية الفردان- بئر العبد حدثا عاديا.. يتوقف أمامه الإعلام يوما أو بعض يوم ثم يمضى يطويه النسيان وكأن شيئا جبارا لم يحدث.. وعبورا مصريا جديدا لم يتحقق.
.. إن أى وطنى غيور لا يمكن أبداً أن يقبل أن يتوارى العبور الجديد والإنجاز العظيم وراء السحابات السوداء للأحداث الجسام التى تشهدها المنطقة بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة ولبنان وما يواكبها من جرائم ضد الإنسانية.. وقتل وتدمير.. تخريب ومجازر واغتيالات.. دماء ونيران تحلق فى سماء المنطقة وتصل سوريا والعراق واليمن وغيرها فإن هذا الحدث لا يقل فى جوهره ومعناه عن عبور أكتوبر المجيد ففى كليهما تجسدت إرادة الإنسان المصرى وقدرته على تحدى كل المعوقات والصعاب.. إرادة فولاذية تنثنى أمامها الأرقام والإحصاءات وسائر المقاييس والموازين.. إنها انعكاس حقيقى لروح أكتوبر العظيم وثورة الثلاثين من يونيو.. روح ثورية ناهضة وثابة ترفض الاعتراف بالمستحيل مهما ساندته الأرقام للانطلاق بمصر إلى حيث تستحق.
.. والحقيقة التى نقولها بدون أدنى مواربة.. أن خط الفردان- بئر العبد بطول 100 كيلو متر وما يرتبط به من مشروعات يجرى تنفيذها لو كان قد تحقق فى عهد آخر أو دولة أخرى لانطلقت الأفراح أياما وأسابيع.. ولسارع الشعراء فى نظم الأناشيد والأهازيج ابتهاجا ونشوة.. وربما أضيف إلى الأعياد الرسمية والعطلات المهمة.. ولن يتركه المطربون والمطربات فكانوا حتما سيصدحون بأغانى الفخار بالقيادة والشعب والرئيس.. فإن المعانى التى حققها الإنجاز العظيم أكثر من أن تعد وتحصي.. إنها ببساطة «ثورة» شعب مصرى أَبِى قرر القفز على كل الصعوبات والتحديات.. يربط سيناء الغالية بالوطن الأم.. يعمق الانتماء فى نفوس الشباب.. يحول مصر إلى مركز لوجستى مركزى للأقليم والشرق الأوسط.. يحقق الربط بين الدول العربية ودول العالم من «الفاو» شرقا إلى موانيء أوروبا وأمريكا.. يخلق مجتمعات عمرانية وصناعية وزراعية جديدة.. تستقطب ملايين المصريين ليزرع سيناء بالبشر حصنا ودرعا ضد أى عدوان غادر.. يسهل حركة الناس والبضائع..
.. الإنجاز العظيم.. يتحدى قهر الزمن.. وعناده.. إنه بعث جديد لخط سكة حديد الفردان- بئر العبد والذى أنشيء لأول مرة عام 1916 وتعرض للتدمير والتخريب مرتين.. الأولى عام 1967 لكن إرادة المصريين أعادت الحياة للجزء الواقع بين الفردان ورمانة بطول 50 كيلو مترا خلال الفترة من 1998 وحتى 2001 ليتم تخريبه بالكامل وسرقة مكوناته فى أحداث الفوضى فى يناير 2011 كى تعيد مصر السيسى تشييده.. وتجديد محطاته.. ليس فقط بطول 50 كيلو مترا كما كان بل بطول 100 كيلو متر ليصل من الفردان وحتى بئر العبد مارا بميناء شرق بورسعيد وقرى ومدن القنطرة شرق- جلبانه- بالوظة- رمانة- نجيلة- وبئر العبد وسوف تضاف اليها محطتان خدمة طلاب الجامعة الأهلية والجامعة التكنولوجية.. وما استوجبه ذلك من رفع كفاءة كوبرى الفردان نفسه وازدواجه وانشاء كوبرى جديد مزدوج أعلى قناة السويس الجديدة.
.. الفردان- بئر العبد.. هو المكون الأساسى لمشروع مصرى عملاق يمكن ان نطلق عليه بكل الصدق «مشروع القرن».. إذ لولا جسارة المصريين وإرادة الجمهورية الجديدة وقيادة الرئيس السيسى ما كان يمكن لأحد أن يفكر وسط كل هذه التحديات التى تحيط الدولة المصرية والنيران فى سائر الاتجاهات الإستراتيجية أن يقوم بهذا المشروع الكبير الذى يستهدف ربط الحدود الدولية لمصر بشبكة قوية من الطرق والسكك الحديدية.. تربط بين موانيها بوادى النيل.. وتحقق آمال مصر والمصريين فى التنمية المستدامة.. وتجسد على أرض الواقع ما نادى به جمال حمدان المفكر العبقرى المصرى بحيث تصبح سيناء بحق خط الدفاع الأول عن مصر يذود عنها المصريون كافة بدمائهم فإنها بحق «الأرض والعرض».. وتتحول سيناء من «عازل إستراتيجي» إلى أهم مركز اقتصادى وتجارى ولوجستى يربط مصر بمحيطها الإقليمى وسائر دول العالم.. المشروع المصرى العملاق يربط ميناء العريش بطابا المصرية بخط سكة حديد بطول 355 كيلو مترا ويربط العريش ببئر العبد بالفردان.
.. الإنجاز الكبير.. فى رأى كثير من الوطنيين المخلصين.. انتصار حقيقى لإرادة الشعب المصرى وإصراره الذى لا يلين على أن يفدى رمال سيناء بأغلى الدماء وأشرفها على الاطلاق.
.. إنه بداية عهد جديد تتواصل فيه التنمية فى وديان سيناء وتقتحم جبالها ومناطقها المقفرة فى وسط شمال سيناء فى الحسنة ونخل وغيرهما.. فإن وصول القطار إلى سيناء يضاعف التجارة.. ويسهل نقل المنتجات من وسط سيناء إلى موانيها ويساعد على جذب المزيد من الاستثمارات فيها.. وتفتح آفاقا جديدة للسياحة بكل أشكالها وألوانها.. وتفتح فرص العمل المنتج أمام مئات الألوف من شبابنا بما يرفع من جودة الحياة للمصريين فى سيناء ويحسن من مستوى معيشتهم.
.. انه يعزز من إحساس المواطنين السيناويين بالانتماء ويؤكد على أهمية سيناء بوصفها جزءاً لا يتجزأ من «أم الدنيا» ويقطع الطريق أمام المشككين فإن تنمية سيناء على رأس أولويات مصر.. ولأول مرة تحصل سيناء على حوالى التريليون من الجنيهات استثماراً ومشروعات.. فإن هذا كله انعكاس لإرادة سياسية جسورة تستهدف بناء صرح تنموى عملاق قوامه الممر اللوجستى العريش- طابا بامتداد يصل إلى 500 كيلو متر.
لم يكن غريبا حقا.. هذا الاستقبال التاريخى لأبناء سيناء احتفالا بوصول أول قطار إليهم فى بئر العبد.. فإن مشايخ سيناء وعواقلها ورجالها ونسائها وحتى الأطفال الذين اصطفوا يحملون الأعلام المصرية.. يرددون من القلب «تحيا مصر» لترتعد بهدير أصواتهم قلوب أعداء مصر.
.. لم يكن غريبا ان يشعر أبناء سيناء بقطار بئر العبد بوصفه عبورا جديدا إليهم.. وبينهم.. فقد بذلوا دماءهم الغالية دفاعا عن رمال سيناء المقدسة وحماية لمصر الغالية.. وها هى مصر الأم ترد الجميل لأبنائها من السيناويين الشرفاء.. ولينطلق كل المصريين متكاتفين مترابطين متراصين عيونهم تنظر بعيدا فى آفاق السماء الرحبة حيث تسعى مصر والمصريون إلى رفعة شأنها وشغل مكانها فى مقدمة الأمم.