إلى الموتى الأحياء.. الساكنون خلف الشرفات .. تخترقهم عيون الجدران
الروائية رباب كساب، تخلق عالمها بدقة نساج الحرير، تهتم بالتفاصيل، تعشق عالمها الذى تقدمه فى كل رواية او قصة قصيرة، تتملكها الشخصيات وتقودها الى كتابة الاحداث والنهاية، صدر لها مؤخرا رواية «لعبة النوافذ» عن دار بيت الحكمة الثقافية، وفيها تتعدد اصوات الراوي، وتصنع من التلصص لعبة بين البطل والبطلة، فها هى سماء السيدة المطلقة الرقيقة الموظفة فى احدى الاماكن الحكومية، التى غيرت سكنها لتبتعد عن كل من تعرفهم، و بهجت الجار التاجر الذى ترك كل شئ، واختار ان يعيش فى سلام فى احدى الاماكن الشعبية، النافذة امام النافذة، و حكاية تلصص تأخذك إلى عمق وجوهر الرواية، وانه علينا ان نعيش الحياة بحلوها ومرها، وان التلصص خدعة فاقد الحياة.
رباب حصلت على الدكتوراه فى المجال الزراعي، صدر لها أكثر من رواية «قفص اسمه أنا»، «مسرودة»، «الفصول الثلاثة»، «فستان فرح»، «على جبل يشكُر»، ومجموعة قصصية وحيدة بعنوان «بيضاء عاجية وسوداء أبنوسية».
التلصص خدعة فاقد الحياة
فى «لعبة النوافذ»
عشق المتلصصين
من البلكونة والنافذة
> قلت فى البداية نريد ان ندخل الى عالمك الروائى كيف تصفينه لنا؟
>> قالت: الرواية.. أعيش معها، لأنه العالم الذى استطيع ان أصنعه بنفسي، وأعيش معه بكل تفاصيله وشخصياته، وارى تطور الشخصيات، ويتحكمون فى احيانا، ويغيرون الحيوات التى اكتبها، وحدث هذا فى لعبة النوافذ، الشخصية هى التى تغير مصيرها، امشى فى طريقها، وفجأة تتبدل مفرداتها وتفاعلاتها، وتفرض شكلاً آخر من الأحداث.
> ما هى أقرب شخصية لك فى لعبة النوافذ؟
>> اقرب شخصية هى شخصية البطل »بهجت«، فهى شخصية مثيرة، تعتمد على نفسها، ومسئول ويحترم نفسه، فعندما شعر ان مجهوده قل فى العمل التجاري، الذى ذاع صيته فيه، وشعر انه لا يريد ان يكمل، أخذ قراره وابتعد، وعن »سماء« فإن طباعها هى الأقرب لي، فى حياتها بها منحنيات كثيرة، ولكنها محبة للحياة، وعندما التقى الاثنان، أعادت لبهجت إحساسه بالحياة، وبالرغم من اشتراك الشخصيتين فى عيب التلصص، الا ان لقاءهما أنهى هذه الخطيئة.
> موضوع التلصص سمة غالبة على الرواية، هل تناولتينه من منظور اجتماعى أم نفسي؟
>> الفكرة منتشرة فى المجتمعات كلها ولفت انتباهى شخصيات تمارس التلصص بشكل اساسى فى حياتها وشخصيات أخرى تمارسه بشكل جزئي، وفى الرواية لجأت سماء لها بعد ان غيرت المكان والناس وغيرت طبيعة البيئة والسكن فكانت البلكونة متنفساً تستمتع به وادخلها عالم التلصص حتى ادمنته وظهر لها شخص فى النافذة المقابلة لها اكتشفت انه كذلك متلصص وبدأ يثير فضولها.متلصص محترف
وبالنسبة لبهجت لم تكن فى نيته خلال عمله فى مجال التجارة مراقبة الناس ولكنه اصبح متلصصاً محترفاً بعد أن تغيرت حياته وهنا أحب أن أقول إن ارتباك الحياة وفى مراحل التغيير تدخل صفات سيئة واكتشف البطلان عندما تعارفا أنهم ليسا على قيد الحياة.
لذا فإن إهداء الرواية كان إلى هؤلاء الذين يسكنون خلف النوافذ والشرفات: إلى هؤلاء الموتى الأحياء الذين تخترق عيونهم الجدران.
الشخصيات ترسم مصيرها
> استمر عملك على الرواية لثلاث سنوات، وهى فترة غير قصيرة فما السبب؟
>> الشخصيات هى التى ترسم مصيرها، ولكن لعبة النوافذ كانت البداية التى دفعتنى للكتابة عنها، كانت الفكرة موجودة ولم أر أحداً من الكتاب ينقلونها كما هى فى الواقع، لكن الأمر كان مختلفا عندما بدأت فى الكتابة، ولم يبق من هذه الشخصية التى تخيلتها سوى الوصف الجسدى والتلصص.
> عادة ما تستخدمين التراث فى رواياتك، فلماذا أنت مولعة به؟
>> استخدمت فى لعبة النوافذ بعض مظاهر الحياة فى ذاكرتي، للأرياف، وجلساتها، وحنة العروس، واغانى الافراح، المنتشرة فى ريف بحري.
أما فى رواية جبل يشكر، فاخترت العمل على البيوت التاريخية، منها »بيت الكريتلية« متحف جاير اندريسون وهو مكان مرتبط بالاساطير، وقد ربطت فى الرواية بين الواقع وهذه الاساطير، المنقولة عن الكتب، بشكل روائى فانتازي، وفى »رواية مسرودة«، استخدمت بعض مظاهر الحياة فى الريف.
> بنية الرواية التى استخدمتينها اعتمدت على تعدد الأصوات، ولكنها أصوات تقليدية بحتة، فلماذا؟
>> المتعة الحقيقية داخل السرد الروائي، فى تعدد الأصوات، فكل راو له صوته الخاص، وقد استخدمت ذلك فى جبل يشكر ولعبة النوافذ، برغم انها مهمة مرهقة وصعبة.
> هل قمت بكتابة رواية ولم تنشريها؟
>> أكثر من رواية لم اشعر بها، وفى فترة من الفترات كانت الكتابة بالنسبة لى هى طاقة ووسيلة للعلاج، والتخلص من الضغوط النفسية، والروايات التى خرجت فى هذه الفترات لم استطع إجازتها للنشر.
> صنعتى حالة نفسية خاصة فى الرواية، كيف قدمتيها؟
>> أفضل دائما الكتابة عن الأشخاص أنفسهم وتفاصيل حياتهم الخاصة، وما يحيط بهم من تحديات اجتماعية، وهى حالة من الرصد للواقع المجتمعى انسانيا وفكريا ونفسيا، والجانب النفسى يهمنى شخصيا، فتركت كل شخصية تقودنى ولذا سماء تغيرت فى هذه الرواية بدون تدخل مني، واثرت فى بهجت، وهما كانا يمران بفترة صعبة من حياتهم.