على طاولة الدول العربية والإسلامية الآن، مقترح سعودى جدير بالترحيب والاهتمام، بعقد «قمة متابعة» مشتركة بين الدول الأعضاء بمنظمتى الجامعة العربية، والتعاون الإسلامى، وعددها سبع وخمسون دولة تستضيفها المملكة.
ووفقاً للبيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء السعودى أمس الأول برئاسة ولى عهد المملكة، تتطلع المملكة إلى خروج هذه القمة بقرارات تسهم فى وقف العدوان الإسرائيلى وحماية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى الشقيق.
وتعبير «قمة متابعة» يحمل إشارة إلى آخر قمة مشتركة من هذا النوع استضافتها المملكة فى الثامن عشر من أكتوبر الماضى 2023، وكانت حدثاً تاريخياً فى سياق الرد على حرب الإبادة الجماعية التى أطلقتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة انتقاماً من عملية «طوفان الأقصى».
ولانعقاد تلك القمة وقتها قصة تكشف عن مستوى عال من الذكاء السياسى، فقد كانت الترتيبات تجرى للتحضير لقمتين منفصلتين على أرض المملكة، قمة عربية، وأخرى إسلامية، على يومين متتاليين، فكان القرار الذى توافق عليه أعضاء القمتين، هو دمجهما فى قمة واحدة طالما أكتمل الحضور، وذلك تجسيدًا للاحساس الجماعى بخطورة الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى وتداعياتها المحتملة، ورسالة فى نفس الوقت للعدو، وللمجتمع الدولى بوحدة الأمتين العربية والإسلامية فى مواجهته.
ولم تكن مجرد مصادفة، أن تنتهى تلك القمة إلى قرارات هى الأكثر تأثيراً وفعالية بين قرارات أى قمة عربية أو إسلامية سابقة، وشكلت أساسًا راسخًا ومنطلقًا لتحركات دولية واسعة على امتداد الكرة الأرضية لصالح القضية الفلسطينية.
فهى التى دعت دول العالم ومنظماته إلى التحرك لعرض جرائم الحرب الإسرائيلية على القضاء الدولى، وهى الدعوة التى تلقفتها دولة جنوب إفريقيا وتقدمت على أساسها بدعواها أمام محكمة العدل الدولية متهمة إسرائيل بشن حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى.
وهى التى دعت الدول التى تصدًّر السلاح لإسرائيل لوقف صادراتها التى تستخدمها إسرائيل فى حربها ضد الفلسطينيين، وهى التى دعت دول العالم لدعم القضية الفلسطينية فى الأمم المتحدة وتأكيد حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على أرضه.
تلك بعض الأمثلة التى استجاب لها العالم بدرجات متفاوتة، ومازالت محل تفاعل إيجابى واسع، رسمى وشعبى داخل معاقل دول طالما منحت إسرائيل تأييداً أعمى لكل ما ترتكبه من جرائم، فأصبح بعضها يتأهب اليوم عن قناعة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
المقترح السعودي، فى هذا التوقيت، يحمل ثلاث دلالات إيجابية لافتة:
> فهو يؤسس ــ ربما بصورة نادرة ــ لـ «ثقافة المتابعة» فيما يتعلق بما يصدر عن مؤتمرات القمة الجماعية من قرارات.
فكم من قمم عربية وإسلامية تعقد، وتصدر قرارات، وتترك متابعتها للظروف، أو لقوة الدفع الذاتى المعطلة غالباً.
والدليل أننا لو جئنا مثلاً بالبيان الختامى لآخر قمة عربية عقدت، وراجعناه على بيان قمة مماثلة مضى على عقدها عشرون أو ثلاثون عاماً، فسنجد نسبة التكرار والتشابه بينهما فى القضايا وفى صياغة المقررات تكاد تصل إلى ثمانين بالمائة على أقل تقدير.
> والمقترح حين يؤسس لثقافة متابعة قرارات قمة سابقة يطرح توجهاً مهماً، وهو أن تكون المتابعة على نفس المستوي، أى من خلال قمة جديدة، وليس أى مستوى آخر أقل.
> وأخيراً، فإن المتابعة على هذا المستوى لابد أن تنتهى إلى «تقييم دقيق وشفاف» لعناصر النجاح للبناء عليها، وللصعوبات والعقبات للتغلب عليها، تمهيداً للانطلاق إلى مرحلة جديدة من أرضية واضحة وراسخة.
أمام «قمة المتابعة» المقترحة العديد من المتغيرات المهمة على الساحة، والتى لا يمكن ترك البت فيها لطرف واحد فى غياب الطرف الأصيل وهو الشعب صاحب القضية، أو الشعوب صاحبة الإقليم.
المسألة العاجلة بالطبع هى وقف العدوان الإسرائيلي.. ولكن:
1ــ أين نحن من القضية التى تناقشها أطراف عديدة غيرنا، فى إسرائيل وأمريكا وأوروبا وهى ما أطلقوا عليها: اليوم التالى فى غزة بعد انتهاء الحرب؟!
2ــ بالأمس كانت غزة، ثم أصبحت غزة والضفة الغربية.. واليوم أضيفت لبنان ولم تكن مطروحة فى القمة السابقة.. ما هو موقفنا من هذه المستجدات؟!
3ــ إسرائيل التى دمرت غزة، وتدمر الضفة، وتستخدم ذات المنهج فى لبنان، ويردد رئيس حكومتها أن يدها قادرة على الوصول إلى أى مكان فى الشرق الأوسط، ويستعرض خرائط مستقبل الكيان الصهيونى فى إطار أطماعه التوسعية التى لا تتوقف عند الأراضى الفلسطينية، بل تتضمن اقتطاع أراض من دول الجوار لبناء إسرائيل الكبري.. هل هذه مسوغات تصلح لمشروع «دمج إسرائيل فى الشرق الأوسط» الذى يجرى التخطيط له والسعى الدءوب لتحقيقه، ليس فقط من خارج المنطقة، بل ومن داخلها أيضاً.
4ــ أين نظام الأمن القومى العربى فى ضوء ما يتعرض له الإقليم من تفتيت، وما تتعرض له مصر بصورة خاصة من محاولات حصار على مختلف اتجاهاتها الإستراتيجية باعتبارها «الجائزة الكبري» فى كل ما يحاك للمنطقة من مؤامرات؟!
هذه بعض الأسئلة التى تطرح نفسها على أى قمة «عربية ــ إسلامية» مشتركة جديدة.. صياغة مستقبل ومصير العالم العربي، حتى لا نفاجأ بأنه لا يوجد نظام أمن قومى عربي، وأن علينا أن نندمج فى إطار أمن إقليمى أوسع كتابعين وليس كأصحاب الأرض، وهى مهام يجب أن يصدر بها تكليف من القمة لمراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية العربية لتقديم صياغات مقترحة، وبدائل مختلفة قابلة للتطبيق والاستمرار.