مصر لا تبحث إلا عن مصالحها وتحقيق آمال وتطلعات شعبها، لا تتلقى تعليمات أو أوامر من أى دولة أياً كانت، تتحرك وفق قرار وطنى مستقل بشموخ وكبرياء رفضت بكل وضوح وحسم سياسات أو قل ضغوط الاستقطاب، لا تعرف المعسكرات أو الأحلاف، ولا تنحاز لطرف على حساب آخر.. جل سياساتها هى التوازن والتنوع والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول والتعاون والتنسيق وتبادل المنافع والموارد والخبرات بما يحقق أهداف الشعوب ودعم جهود التنمية المستدامة والنمو والتقدم.
قلت من قبل إن عبقرية القيادة السياسية المصرية، هى سر التفوق وصناعة الفارق، خاصة فى رؤية شاملة تعتمد على الأفكار الخلاقة واستشراف المستقبل وامتلاك القوة والقدرة التى تجعل من مصر قادرة على اتخاذ أى قرار يحقق مصالحها القومية والحفاظ على استقلال قرارها الوطنى، من هنا ليس عجيباً أن ترتبط مصر بعلاقات قوية من التعاون والشراكة التى ترتقى إلى الشاملة والاستراتيجية مع الدول الكبرى حتى وإن كان بين هذه الدول صراعات وحروب وخلافات، لذلك أقول إن علاقات مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية هى علاقات استراتيجية على مدار عقود ومازالت، والقاهرة أيضاً تجمعها علاقات شراكة استراتيجية بالصين وروسيا والهند، بل أكاد أجزم أن مصر ليس لديها مشاكل أو أزمات مع أى دولة أخرى فهى الأكثر التزاماً بالقوانين الدولية.
من هنا ليس غريباً أن ترى هذا التعاون والتواصل المستمر مع واشنطن وأيضاً مع روسيا والصين رغم ما يبدو على أرض الواقع من صراع مباشر بين واشنطن وموسكو وخفى بين واشنطن، وبكين وهو سر العبقرية المصرية.
مصر لا تقبل أى إملاءات من أحد، تتصرف وفق مصالحها، لذلك ليس غريباً أن ترى مصر مدعوة لحضور فعاليات قمة البريكس، وفى كافة المحافل الدولية وأيضاً، انضمام مصر إلى تجمع البريكس كعضو فى بداية العام الجاري، والذى يضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، ثم انضمام خمس دول أخرى فى مقدمتها مصر، والإمارات والسعودية.. والتجمع وصل إلى حالة من التعملق سواء على مستوى القمة أو نصيب التجمع من الناتج العالمي، أو عدد سكان العالم أو المساحة الجغرافية، أو الاقتصاد وهو ما يفتح آفاقاً أوسع أمام الدولة والاقتصاد المصري، فى ظل ما تملكه دول التجمع من إمكانيات وقدرات فى مختلف الموارد، والقدرات الاقتصادية والفرص الاستثمارية، وتوحيد العملات أو الحديث عن استحداث عملة جديدة وهو توجه يعيد التوازن والعدالة للاقتصاد والتمويل العالمي، وأيضاً، فتح آفاق جديدة للاستثمارات الضخمة فى ظل الفرص الهائلة التى يتمتع بها الاقتصاد المصرى وتفردها فى مجالات وقطاعات كثيرة، ودعم التقدم والتكنولوجيا، وهو أهم أهداف ملحمة التنمية التى خاضتها مصر قبل 10 سنوات وأحدثت واقعاً مغايراً تماماً عن العقود الماضية، من خلال امتلاك بنية تحتية عصرية هى أحد أهم مقومات الاستثمار والتقدم.
«البريكس» فرصة عظيمة لمصر، على كافة الأصعدة، وهى توجه عبقرى من القيادة السياسية المصرية لتحقيق المزيد من التقدم، والاستثمار لخدمة الاقتصاد المصرى والأهداف حتى على مستوى التوافق وتوحيد الرؤي، والتنسيق السياسى للحفاظ على الأمن والسلم العالمى والإقليمى لما يحدث من تقارب، وتعاون بين دول تجمع «البريكس» من خلال التعاون متعدد الأطراف، لإصلاح المنظومة الاقتصادية والمالية العالمية.
.. من هنا تأتى أهمية حضور ومشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة تجمع البريكس المنعقدة بمدينة كازان الروسية، وهى القمة الأولى التى تشهد مشاركة مصر للمرة الأولى كعضو فى التجمع منذ انضمامها رسمياً، وأجندة الرئيس السيسى خلال هذه الزيارة والمشاركة حافلة وثرية بالنشاطات طبقاً لما أعلنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية خاصة أنها تأتى فى توقيت بالغ الدقة. سواء فى العالم الذى ينذر بحرب إقليمية شاملة فى ظل العدوان الإسرائيلى ضد لبنان وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة ونذر التصعيد فى ما يتعلق بإيران فى ظل الهجوم الإسرائيلى المرتقب، وهو ما يجعل قمة البريكس هذا العام ذات خصوصية، وأهمية فى رحلة البحث عن حلول أو على أقل تقدير تخفيف الآلام والتداعيات الناتجة عن صراعات مدفوعة وممنهجة، تلقى بظلالها على الجميع خاصة الدول النامية.
شخصياً أرى أن انضمام مصر إلى تجمع البريكس هو قرار عبقري، وتجسيد حقيقى لاستقلال القرار الوطني، فى عهد زاخر وثرى بالشموخ، فى دولة عظيمة، تتعامل بندية مع الجميع، وبما يحقق مصالحها دون أى حسابات أخري، وبثقة واطمئنان لذلك فإن الرئيس السيسى يتحدث أيضاً بصدق وصراحة وثقة فى القمة حول رؤية مصر ومواقفها حول عدد من الموضوعات والقضايا المهمة على الصعيدين الدولى والإقليمى وهى أول من حذرت ودقت الأجراس لأهمية تحقيق العدالة الدولية، وعدم الإصرار على التصعيد، لذلك تؤكد على سبل تعزيز التعاون بين دول التجمع بما يحقق تطوير العمل متعدد الأطراف للمساهمة فى التصدى للتحديات المعقدة والمركبة التى تواجه العالم وإصلاح الهيكل المالى العالمى لتحقيق التوازن المأمول والمنشود خاصة تعزيز مصالح الدول النامية فى مختلف المحافل الدولية والإقليمية فى ظل التداعيات المؤلمة والقاسية التى أحدثتها الصراعات والتوترات والأزمات الدولية على مسيرة التنمية، وهناك أيضاً تحديات تتعلق بقضايا التغير المناخى وأهمية دعم التعاون الاقتصادى والتنموى المشترك بين دول التجمع الذى سيكون دافعاً كبيراً للاقتصاد المصرى.
لاشك أيضاً أن مصر هى الدولة المحورية فى منطقة الشرق الأوسط لذلك يتحدث الرئيس عن الموقف فيما يتعلق بالتطورات بمنطقة الشرق الأوسط وجهود القاهرة المتواصلة للتهدئة والحيلولة دون توسيع نطاق الصراع بما يتسبب فى تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة.
فمصر تتحرك فى كافة الاتجاهات، والتواصل مع جميع القوى الفاعلة فى العالم من أجل احتواء المواقف، ومنع التصعيد، وتجنب التداعيات الصعبة.
فــرص كثيـــرة، ومكاســـب عديـــدة لـزيارة ومشاركة الرئيس السيسى الأولى فى قمة تجمع البريكس فهناك قمة «بريكس بلس»، يشارك الرئيس السيسى فيها وتضم إلى جانب الدول الأعضاء ومنظمات دولية مؤثرة.
لاشك أن زيارات ومشاركات الرئيس السيسى الخارجية على مدار أكثر من 10 سنوات، فرصة ثمينة للتواصل والتعاون والتنسيق وعرض الفرص المصرية وما أحدثته عملية البناء والتنمية، وهناك قمة مصرية ـ روسية بلقاء الرئيس السيسى بالرئيس فلاديمير بوتين بالإضافة إلى عدد من الرؤساء والزعماء ويفتح آفاقاً جديدة لتبادل الموارد والخبرات والاستثمارات وتعزز علاقات مصر الدولية فى إطار الأهداف المنشودة، كما أنها تؤدى إلى قوة العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك مع هذه الدول حول الأوضاع الإقليمية والدولية التى تهم مصر وهذه الدول.
الحقيقة أن نتائج السياسة المصرية، مرسومة بعبقرية وتوازن، وأفكار ورؤى خلاقة، تؤتى ثمارها، وتستند إلى قوة وقدرة الدولة وشموخ قيادتها، لذلك فإن تجمع البريكس خطوة عظيمة وثمينة على كافة الأصعدة وتأكيد حقيقى لانفتاح مصر على جميع الدول والقوى والتجمعات التى تحقق أهداف الدولة المصرية.