يشهد العالم تحولات جذرية فى ميزان القوى الاقتصادية والسياسية، حيث تتصارع القوى العظمى على رسم ملامح النظام العالمى الجديد. فى قلب هذا الصراع، تبرز مجموعة بريكس كلاعب رئيسى يسعى لتشكيل عالم أكثر عدالة وتوازناً. ومع عقد أول قمة لها بعد التوسع تتجه أنظار العالم نحو هذه المجموعة الواعدة، التى تحمل فى طياتها إمكانات هائلة لتغيير مسار التاريخ.
تتميز مجموعة بريكس بمقومات اقتصادية قوية تؤهلها لتكون لاعباً رئيسياً فى الحوكمة العالمية مستقبلاً. فالدول الأعضاء فيها تضم أكبر أسواق استهلاك فى العالم، وأكبر احتياطيات من الموارد الطبيعية، وأسرع الاقتصادات نمواً. وقد أظهرت الدراسات والأبحاث الحديثة أن بريكس تساهم بشكل متزايد فى الناتج المحلى الإجمالى العالمي، وتشكل قوة شرائية هائلة تجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لا يقتصر تأثير بريكس على الأرقام والإحصائيات، بل يتعداها إلى حياة الناس العاديين. فمثلاً، تساهم مشاريع البنية التحتية المشتركة التى تطلقها بريكس فى تحسين سبل العيش للملايين من الناس فى الدول النامية، من خلال توفير فرص عمل جديدة وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة. كما أن التعاون فى مجال الزراعة يساهم فى زيادة الإنتاجية وتقليل الجوع والفقر.
إن صعود بريكس يشبه صعود قوى عالمية أخرى فى الماضي، مثل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فكلاهما استفاد من الظروف الدولية المواتية، وبنى قوته على أسس اقتصادية قوية، وطموح سياسى كبير. ولكن هناك أيضاً اختلافات مهمة، فبريكس تنطلق من قاعدة متنوعة من الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافات، مما يجعلها أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة.
على الرغم من الإمكانات الهائلة التى تتمتع بها تواجه بريكس تحديات كبيرة، مثل الاختلافات فى الأنظمة السياسية والاقتصادية، والتنافس الإقليمي، والتفاوت فى المستويات التنموية. ومع ذلك، فإن هذه التحديات لا تقلل من أهمية بريكس، بل تشكل حافزاً لها لتطوير آليات تعاون أكثر فعالية.
إن بريكس تتمتع بفرص هائلة للتعاون فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا والزراعة، وبناء بنية تحتية مشتركة، وتطوير أسواق مالية متكاملة. كما يمكن لبريكس أن تلعب دوراً محورياً فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال مكافحة الفقر، وتحسين الصحة والتعليم وحماية البيئة.
السيناريوهات المحتملة لتطور بريكس فى المستقبل متعددة ومتشعبة فنجاح بريكس يعتمد على قدرتها على تجاوز التحديات الداخلية، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، والاستفادة من الفرص المتاحة. كما يعتمد على التفاعل مع القوى العالمية الأخري، وبناء شراكات إستراتيجية معها.
إن بروز مجموعة بريكس كقوة عالمية صاعدة يمثل علامة فارقة فى العلاقات الدولية. فبريكس تقدم نموذجاً بديلاً للحوكمة العالمية، يعتمد على التعددية والتعاون، ويعطى الأولوية لمصالح الدول النامية. ومع استمرار تطورها، ستلعب بريكس دوراً حاسماً فى تشكيل النظام العالمى الجديد، وستساهم فى بناء عالم أكثر عدالة ورخاءً.