أصبح من الصعب الآن أن نجد موقفا للسيارة إذا أردنا الذهاب الى مبنى الإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو.. التاكسى أسلم وأضمن.. وهذا ما فعلته فى الأسبوع الماضى عندما دعيت الى لقاء فى إذاعة الشباب والرياضة.. سائق التاكسى كان شابا فى منتصف العمر.. اسمه أشرف.. متزن فى قيادته ولكنى لاحظت أنه يستخدم كلاكس السيارة بصفة منتظمة.. لسبب أو بدون سبب.. وسألته «هل السيارة تعمل بالبنزين أم بالكلاكس؟».. فضحك.. وفتح شباك السيارة وقال اسمع.. وبالفعل كانت الكلاكسات تملأ الدنيا ضجيجا.. الكل يزمر.. تاكسى أو ملاكى أو موتوسيكل أو توك توك.. ضجيج متواصل وتلوث سمعى تعودنا عليه فى شوارعنا.. وأصبح سمة من سمات البلد للأسف الشديد.. قال أشرف «السائقون فى مصر.. أصبحوا مثل الهبلة اللى مسكوها طبلة.. وأنا منهم».. واسترسل يقول انه فى بداية عمله كسائق كان من أكثر الناس حرصا على عدم استخدام آلة التنبيه.. وكان ينتقد بشدة الضجيج المتواصل فى الشوارع.. «ولكن يوما بعد يوم وجدت اننى لا أستطيع أن أقود السيارة الا مع استخدام الكلاكس».. السائقون لا يلتزمون بالسير فى حاراتهم المرورية فى خط مستقيم.. هذا اذا وجدت حارات من الأساس.. ولا يلتزمون بإعطاء اشارات ضوئية عند تغيير المسار يمينا أو يسارا.. البشر يمشون فى الشوارع ويعبرون الطرق دون أى اعتبار للسيارات على الطريق.. ولا يوجد أماكن لعبورهم الشوارع.. ناهيك عن «البلوة الكبيرة» الميكروباصات والتوك توك.. ليس لهم حل.. لا يعرفون الخط المستقيم.. تقف وتمشى فى منتصف الطريق.. وفى عكس الطريق.. دون اعتبار لأى أحد وأى حاجة.. وبالطبع الحوار معهم معركة خاسرة وقد لايحمد عقباها .. ثم أضاف «بعد عدة سنوات وجدت نفسى بالفعل وأنا أستخدم الكلاكس بصفة منتظمة.. وكأنى أصبحت مريضا بالوسواس القهرى .. « وكأنى أعذرته.. وتمعنت فيما يحدث على الطريق أمامي.. وجدت نفسى وكأنى أراه لآول مرة.. بالفعل سلوكيات البشر على الطريق لدينا تحتاج الى الكثير والكثير من التصحيح والتطوير.. سواء من يقود مركبة ما أو يسير مرتجلا.. هذا الأمر ليس مستجدا علينا.. ولكنه يتفاقم ويتزايد.. ولابد من التعامل معه بسرعة وفاعلية.. وبصرامة تامة.. الإنسان قد يكون حرا فى بيته.. ولكنه ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بالطريق أو فيما يخص الآخرين.. أو يخص الوطن ورقيه وحضارته..
سألت أشرف وأنا بالفعل أحدث نفسي.. من أين نبدأ؟.. الموضوع مهول.. وربما هذا ما يجعلنا لا نحاول ولم نحاول أن نتصدى له.. ولكن الواقع يحتم علينا أن نفعل شيئا لتصحيح هذا الوضع غير المقبول وغير الحضاري.. أعتقد أنه لابد من أن تكون هناك إجراءات لتحقيق عائد سريع.. وخطة أشمل لعلاج الأمر من جذوره ألا وهو تصحيح المفاهيم والممارسات لدى هذا الجيل والأجيال القادمة.. إذا اردنا أن نحقق عائدا سريعا فعلينا أن نبدأ العمل فى مناطق محدودة من المدن الكبري.. نختار مثلا شارع قصر العينى فى القاهرة وشارع الحجاز فى مصر الجديدة وفى الإسكندرية طريق الكورنيش من الرمل الى بحري.. وهكذا.. ونكثف العمل فى هذه المنطقة وتجهيز الشوارع بالحارات المرورية وأماكن لعبور المشاة والتى تتحكم فيها إشارات ضوئية.. ويتم التقيد فى هذه المناطق بكل المعايير الحضارية للحركة المرورية.. تفعيل الإشارات.. والسرعة.. والحارات.. والكلاكسات.. وإلقاء المخلفات من السيارة أو المشاة.. ممنوع مرور التوك توك.. والالتزام التام من الميكروباصات.. كل ذلك يتم تطبيقه بكل حزم وشفافية تامة.. وعلى مدار الليل والنهار.. بلا أى استثناءات أو حوارات .. ويستمر العمل بهذه الإجراءات وفى هذه المنطقة لمدة ستة أشهر مثلا.. ثم ننتقل بعدها الى منطقة أخرى .. أما أساس الحل.. وهو أن يصبح التحضر المرورى أسلوب حياة ونمطاً مجتمعياً.. فعلينا أن نبدأ أيضاً من الآن وعلى كل الجبهات.. فى المنزل والمدرسة والإعلام وشرطة المرور وتعليم القيادة وامتحانات استخراج رخص القيادة.. وفى المحليات.. والإعداد السليم للطرق والأرصفة.. والأهم هو إعداد الآلية الفاعلة لمتابعة تنفيذ ذلك.. وتحياتى لأشرف.